قال عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي، إن قرارات الحكومة الأخيرة تعمق الأزمة ولا تحلها، سواء كانت قرارات البنك المركزي أو المجلس الأعلى للاستثمار.
وأضاف مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية السابق في حوار لـ "مصر العربية" أن مصر فى حالة حرب مع الظروف الاقتصادية التى تمر بها، وإبقاء هذه السياسات الفاشلة سيؤدى لإسقاط الدولة المصرية فى النهاية.
فيما أكد أن توقف الاستيراد له آثاره السلبية التي بدأنا أن نعيشها، وعدم الاستيراد لفترة كبيرة يؤدي إلى الانهيار، ﻷنه لا يقابله إلا انخفاض كمية السلع المعروضة مع عدم وجود إنتاج لسد الفجوة بين العرض والطلب.
وأكد الخبير الاقتصادي على أن القرارات الاقتصادية أضرت كثيرا بمحدودي الدخل كا ساعد على وجود قوة غضب هائلة، ولكن ليس من شأنها أن تنفجر ليخرج المواطنون مثلما حدث في 25 يناير.
وإلى نص الحوار:
ما هي آثار التعويم على الاقتصاد المصري؟
قضية تحرير سعر صرف العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية وبصفة خاصة الدولار ما هي إلا عرض لمرض أكثر عمقًا، وبالتالي حل المشكلة الاقتصادية أو ما يسمى أزمة الدولار ليست في هذا الاجراء "تعويم الجنيه"، انما في معالجة الهيكل الموجود في جسد وبنية الاقتصاد المصري.
تدهورت قطاعات السلع ومنها قطاع الزراعة والصناعة على مدار 40 سنة ماضية، مما اضطرنا اليوم إلى الاستيراد من الخارج بنسبة 65% من السلع الغذائية و70% من مستلزمات التشغيل الصناعي، وبالتالي أصبح هناك طلب كبير على الدولار، مما يجعل الاحتياطي النقدي للدولة في تراجع تام.
فهناك فجوة كبيرة في الميزان التجاري للدولة بين الصادرات و الواردات، ففي سنة 1991 كانت تمثل 8 أو 9 مليار دولار إلى أن أصبحت تمثل 50 مليار دولارا لا تستطيع الدولة أن تغطي تلك الفجوة الهائلة، وخاصة بعد تدهور قطاعي السياحة والبترول، فضلًا عن انخفاض تحويلات المصريين في الخارج، الذي ساهم في نقص العملة الصعبة في الوقت الذي زادت فيه عمليات الاستيراد، الأمر الذي ساهم في اتساع الفجوة وظهور أزمة الدولار الحالية.
كيف ترى القرارات الحكومية الأخيرة؟
هذه القرارات تعمق الأزمة ولا تحلها سواء كانت البنك المركزي أو المجلس اﻷعلى للاستثمار، فتعتبر الأخيرة امتدادا لسياسات مبارك لكونها خاضعة لرجال الأعمال لتمنحهم العديد من المزايا واﻹعفاءات الجمركية والضريبية، في الوقت الذي يوجد فيه عجز كبير في الموازنة العامة للدولة، وتقدر هذا العام بـ 318 مليار جنيه لا يمكن سدادها بواسطة صندوق النقد الدولي أو الاقتراض من دول الخليج أو غيرها.
ولانتشال الدولة من ذلك المأزق عليها إعادة النظر في الإيرادات الضريبية أولا، وذلك من خلال بناء نظام ضريبي عادل يؤدي إلى تحسن الوضع وزيادة الإيرادات الخاصة بالخزانة العامة، إضافة إلى العمل على إلغاء الصناديق و الحسابات الخاصة وغيرها من اﻹجراءات التي يمكن اتخاذها لتقلل من حجم عجز الموازنة العامة للدولة.
فمصر فى حالة حرب مع الظروف الاقتصادية التى تمر بها، وإبقاء هذه السياسات الفاشلة سيؤدى لإسقاط الدولة المصرية فى النهاية.
القرارات الحكومية صاحبها ارتفاع أسعار السلع والخدمات؟
نتيجة طبيعية لتلك القرارات القاسية، التي كانت لازمة لتنفيذ شروط ومطالب صندوق النقد الدولي، وبالتالي حدثت موجة ارتفاعات جنونية في جميع السلع والمنتجات، فضلًا عن إلغاء الدعم على المشتقات البترولية وغيرها من المنتجات، إضافة إلى فرض قانون ضريبة القيمة المضافة، كل ذلك كان من شأنه أن يؤدي إلى تحميل الطبقات الفقيرة والوسطى ومحدودي الدخل أعباء الأزمة، في الوقت ذاته منحت الدولة العديد من المزايا والإعفاءات التي بها حققوا مئات المليارات على مدار السنوات الماضية وحتى الآن.
كيف ترى سعر الدولار في البنوك بعد تعويم الجنيه المصري؟
تعويم العملة المصرية لن يستمر كثيرًا، فعندما يصل إلى السعر التوازني ستقوم الدولة بتثبيت سعر الجنيه أمام الدولار، وهذه معركة أقرب إلى السراب، أو أشبه بالباحث عن المياه في صحراء قاحلة، فعندما يثبتوا سعر الجنيه سرعان ما سيكون للدولار سوق سوداء مرة أخرى فهي دائرة مغلقة لأن الدولة تقوم على سياسة تجميع السلع وليس الإنتاج مما يؤدي إلى كوارث حقيقية لأن الخلل ما زال قائما.
هل البنك المركزي قادر على توفير العملة الصعبة في البنوك للقضاء على السوق السوداء بعد التعويم؟
البنك المركزي قادر على توفير الدولار الفترة القادمة والدليل على ذلك قيام الحكومة المصرية بطبع كميات هائلة من الجنيه المصري "بنكنوت" الذي يسمي التمويل بالعجز فيعتبر دينا آخر على الحكومة لصالح البنك المركزي يؤدي إلى التضخم وارتفاع الأسعار، ولكنه يهدف إلى توفير العملة لدى البنوك لشراء الدولار وتوفيرها في البنوك. ما رأيك في إيقاف الاستيراد لفترة معينة من الوقت؟
توقف الاستيراد له آثاره السلبية التي بدأنا أن نعيشها، وعدم الاستيراد لفترة كبيرة يؤدي إلى الانهيار، ﻷنه لا يقابله إلا انخفاض كمية السلع المعروضة مع عدم وجود إنتاج لسد الفجوة بين العرض والطلب.
هل تؤيد مشروع قانون الضريبة التصاعدية على دخول الأفراد؟
أؤيد ذلك التوجه، ولكن الحكومة غير جادة لذلك، فهو يعتبر إعلانا ولكن بلا محتوى، منذ سنوات عديدة وشعارهم تشجيع الاستثمار وجذب المستثمرين، فعندما تقرر الدولة ذلك يجب عليها أولًا أن تغير بنية النظام الضريبي وإعادة بناء المنظومة تشريعيًا، وماليًا، وإداريًا، وتكون الضريبة لا تقل عن 35% وسارية على جميع المواطنين وليس فئة دون الأخرى، فضلًا عن ضرورة وجود جهاز رقابي منفصل يكون له القدرة على إحالة الموظفين الفاسدين، ويكون له السلطة المطلقة في مجالي الضرائب والجمارك.
كيف للحكومة أن تجذب تحويلات المصريين في الخارج لدعم الاقتصاد؟
في الوقت الحالي لا تستطيع الحكومة أن تجذب تحويلات المصريين بالخارج، لعدم ثقتهم في الحكومة المصرية وبالتالي انخفضت إيرادات هذه التحويلات عن السنوات الأخيرة الماضية.
ماذا تقول للحكومة والبنك المركزي؟
الحكومة حاليًا في حالة خصومة مع القوى الوطنية ومع وجهات النظر الأخرى، ولكن عليها أن تعيد النظر في جميع القرارات المصيرية التي تتخذها لإنقاذ الوضع الاقتصادي.
لابد من العودة إلى التخطيط الزارعي ليسمح بتخفيض الواردات ومن ثم الطلب على الدولار سيقل، إضافة إلى حظر استيراد القطاع الخاص 15 سلعة استراتيجية وبالتالي سنوفر حجم 4 مليار على الاقل للخزينة العامة، فضلًا عن ضمان جودة السلع، وعلى الحكومة التوسع في نمط التجارة بالمقايضة أي التجارة بالعملة المحلية، وإعادة بناء التركيب الإقليمي لتجارة مصر الخارجية، حيث إن 60% من التجارة مع أوروبا والولايات المتحدة فعلى الدولة أن تتجه شرقًا أو جنوبًا، فإن تلك الروشتة من شأنها إنقاذ الوضع الاقتصادي الراهن.
ما هي توقعاتكﻷداء الاقتصاد المصري الفترة المقبلة؟
ما سيحدث قريبًا سيناريو أقرب لحالة روسيا في نهاية عصر بوريس يلتسن، ولكن بعدها جاء بوتن وأعاد بناء الدولة، فكان لديه رؤية سليمة، فمصر تتعرض لموقف شديد الضرر، فإذا استمرت هذه السياسة فربما تتبخر مدخرات المصريين.