ترامب رئيسا لأمريكا.. هل على الصين أن تقلق؟

ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ

في الثالث من مايو الماضي وقف دونالد ترامب وسط تجمع انتخابي لأنصاره بولاية إنديانا الأمريكية، قائلا بلهجة غاضبة: “لا يمكننا الاستمرار في السماح للصين اغتصاب بلادنا، وهذا ما يفعلونه”، وذلك تعليقًا على ارتفاع صادرات الصين مقارنة بأمريكا.  

حينها لم تظهر الصين قلقة بشكل كبير من تصريحات “ترامب”، معتبرة إياها أنها مجرد تصريحات انتخابية لا يعول عليها، خبراء أكدوا أن اطمئنان بكين النسبي حينها كان راجعًا للتوقعات العالمية شبه اليقينة باستحالة وصول هذا الرجل إلى البيت الأبيض.  

مفاجأة كبرى  

ولأننا أصبحنا نعيش في عالم المفاجآت، استيقظ العالم اليوم 9 نوفمبرليجد أن دونالد ترامب قد أصبح سيد البيت الأبيض، وقائد النظام العالمي الجديد، وكأن مطرقة ثقيلة قد هوت على رؤوس الجميع.  

يجب أن تستعد الصين للأسوأ.. هكذا رأى المحللون بعد فوز ترامب برئاسة أمريكا، لكن على ما يبدو فإن اطمئنان بكين النسبي لن يتأثر كثيرًا، لماذا؟

بحسب ماري فرانسواز رينار، الخبيرة الاقتصادية ورئيسة معهد بحوث الاقتصاد الصيني، يشكل دونالد ترامب تهديدا للصين أقل بكثير من منافسته الرئيسية، هيلاري كلينتون.  

ترامب أم كلينتون؟  

رينار قالت: “أظن أن الحكومة الصينية تعتقد انها ستتفاوض بسهولة مع ترامب اكثر من كلينتون، التي هي شخصية من ذوي الخبرة، وربما ستدافع جيدا عن مصالح الولايات المتحدة، في حين ينتمي ترامب الى سلك الهواة، ولا شك ان السلطات الصينية تشعر براحة اكبر لإيجاد أرضية مشتركة معه”.  

وتستطرد الخبيرة الاقتصادية: “إن تهديد ترامب بالانسحاب من آسيا خبر سار بالنسبة للصين التي تريد استعادة سيطرتها ونفوذها في هذه المنطقة، تقول ماري فرانسواز رينار، وهذا سيكون شكلا من العقوبة للدول الأخرى المستفيدة من الدعم الأمريكي”.

 

هيلاري كلينتون أقل استخداما للغة صدامية مباشرة، ولكنها الأكثر إزعاجا بالنسبة لبكين.  

الصينيون يعرفونها، خصوصا كمدافعة عن حقوق المرأة في مؤتمر صاخب احتضنته بكين عام 1995، كما ان انتقاداتها لسجل حقوق الإنسان والوضع في بحر الصين، جعل منها عدوة للنظام.  

وعلى العكس من ذلك، تجنّب دونالد ترامب بعناية القضايا الحساسة، وكسب استحسان الصين وتعاطفها باقتراحه الحد من الوجود العسكري الامريكي في اليابان أو كوريا الجنوبية.  

عدم احترام  

في 6 سبتمبر الماضي، وصف ترامب ما تعرض له سلفه باراك أوباما في مطار مدينة هانغتشو الصينية لدى وصوله لحضور فعاليات فمة العشرين هناك بـ “قلة الاحترام”، معتبرا أن الصينيين لم يوفروا للرئيس الأمريكى الاستقبال الرسمى اللائق الذى قوبل به قادة الدول الأخرى، حيث نزل الرئيس الأمريكى عبر سلم معدنى من طائرة الرئاسة، مؤكدًا أنه لو كان مكانه لانسحب فورًا وعاد بالطائرة إلى البلاد.  

ثمة سبب آخر يقف وراء عدم قلق الصين بشكل كبير من ترامب، وهو أن بكين لا ترى فارقًا كبيرًا بينه وبين منافسته الخاسرة “كلينتون”.  

الصحافة الصينية  

ففي افتتاحية نشرتها حديثا، قالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية واسعة الانتشار: “ينظر للجمهوري دونالد ترامب على أنه مجنون لا يمكن الاعتماد عليه، بينما هناك اعتقاد بأن الديمقراطية هيلاري كلينتون كاذبة غير جديرة بالثقة”.  

وفي عدد سابق للصحيفة، قالت الصحيفة إن الزعيم الإيطالي الفاشي بنيتو موسوليني والألماني النازي أدولف هتلر جاءا إلى السلطة في بلديهما عبر الانتخابات، في مقارنة مع ترامب.  

يبدو الأمر محيرا، إذن،  بالنسبة لبكين عند السؤال عمن تريد أن تتعامل معه في البيت الأبيض، فالقيادة الصينية لا تكن حبا لكلينتون التي تعتبرها متغطرسة حين تتحدث عن حقوق الإنسان في الصين، وهي “ضد الصين” عموما، بينما ترى ترامب شخصا لا يمكن توقع تصرفاته.  

عودة إلى التساؤل الذي أوردناه في بداية التقرير، هل على بكين القلق بعد فوز ترامب؟ يجيب المحللون بـ”نعم”، فإذا كان التعامل مع شخص متغطرس أمرًا سيئًا، في إشارة لكلينتون من وجهة نظر الصينيين، فإن التعاطي مع آخر لا يمكن توقع تصرفاته سيكون أشد صعوبة.  

رهان خاطئ  

رهان بكين على عدم خبرة ترامب السياسية وانعكاس ذلك إيجابُا على أي مفاوضات بينهما، قد يكون في غير محله، فالرجل بعد دخول البيت الأبيض سيكون مختلفًا تمامًا عن شخصية المرشح الهاوي المندفع في تصريحاته، هناك ترسانة من الأجهزة المعاونة له في واشنطن، مهمتها تقديم كافة الدراسات المستفيضة له قبل اتخاذ أي قرار، وبالطبع ستنقل له التوجهات والثوابت الأمريكية في علاقتها مع الصين.  

بكين، من ناحية أخرى، تعرف أن ترامب لن يستطيع تنفيذ تعهده بفرض رسوم إغراق ضخمة على الواردات الصينية تبلغ 45%، لأن ذلك يعني توقف تلك الصادرات إلى الولايات المتحدة، وهو ما سيخلق أزمة عنيفة داخل واشنطن، لأن الأمريكيين يعتمدون بشكل كبير على الصادرات الصينية، وإذا قرر ترامب قطعها فسيتأثر الاقتصاد الأمريكي فورًا.  

ماذا عن بحر الصين؟

فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، لا تزال الصين متفائلة بشأن إحساسها برغبة داخلية لدى ترامب بعدم التصعيد في هذا الملف، خاصة أنه ورث من سلفه أوباما علاقة متدهورة مع حليفته المهمة “الفلبين”، والتي كانت تتبنى وجهات نظر واشنطن في النزاع مع بكين حول بحر الصين، وذلك منذ أن جاء الرئيس الفلبيني الجديد رودريغو دوتيرتي، والذي انتقد الأمريكيين صراحة، بل وسب أوباما وهدد بقطع العلاقات، وتوجه إلى الصين في زيارة لطلب التقارب.  

في كل الأحوال، سارعت الصين إلى إعلان ترحيبها بفوز ترامب برئاسة البيت الأبيض، مؤكدة أنها ستعمل مع الرئيس الأمريكي الجديد لضمان نمو مطرد وقوي للعلاقات الثنائية.  

الصين تهنئ وتتمنى  

التلفزيون الصيني الرسمي، قال يوم الأربعاء، إن الرئيس الصيني شي جين بينغ هنأ دونالد ترامب على فوزه بالرئاسة الأمريكية وقال له إن أكبر دولتين في العالم من حيث الاقتصاد تتشاركان في مسؤولية تعزيز التنمية العالمية.  

“شي” قال لـ “ترامب” في رسالة: “أهتم للغاية بالعلاقة بين الصين والولايات المتحدة وأتطلع إلى العمل معكم لتعزيز مبادئ عدم الصراع وعدم المواجهة والاحترام المتبادل والتعاون على قدم المساواة.”  

وأكد الرئيس الصيني أن تطوير علاقات ثنائية طويلة المدى ومستقرة وسليمة يمثل مصلحة رئيسية للشعبين الصيني والأمريكي.  

لو كانج، المتحدث باسم الخارجية الصينية، بدوره، قال في تصريح رسمي: “نتطلع للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة لدفع العلاقات الصينية الأمريكية المستمرة والقوية والمستقرة للأمام، والتي من شأنها أن تفيد شعبي البلدين والعالم بأسره”.

مقالات متعلقة