اعتبر البروفيسور "إيتان جلبوع" الخبير الإسرائيلي في الشئون الأمريكية أن انتخاب ترامب دليلا على ميل السواد الأعظم من الأمريكان البيض للعنصرية، فكما تعذر عليهم في السابق التسليم برئيس أسود، لم يمكنهم هذه المرة أيضا التسليم بوجود امرأة ليبرالية في البيض الأبيض، تواصل الحفاظ على قوة اللاجئين والأقليات، واللاتينيين والأمريكيين من أصول أمريكية، والشباب والنساء.
فوز ترامب الذي أحبط للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي انتخاب سيدة للرئاسة، يمثل بشكل كبير انتقام أمريكا البيضاء من أمريكا الجديدة.
كان لدى كلينتون ما يكفي من الخبرات والمهارات لتصبح رئيسا. كانت السيدة الأولى خلال ولاية زوجها بيل كلينتون بالبيت الأبيض، وسيناتور عن مدينة نيويورك ووزير خارجية خلال الولاية الأولى لباراك أوباما.
في 2008 خسرت كلينتون أمام أوباما السباق لنيل بطاقة الترشيح الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفي 2016 كان الأمر أكثر سهولة، وخاضت السباق أمام السيناتور عن ولاية فيرمون "بيرني ساندر" البالغ 75 عاما، وفازت عليه لتصبح بذلك أول امرأة في التاريخ الأمريكي تحظى بترشيح حزب كبير للرئاسة.
داخل الحزب الجمهوري خاض ترامب سباق نيل بطاقة الترشيح للانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام ما لا يقل عن 17 مرشحا، بينهم عمد وأعضاء بارزين وأصحاب إنجازات بمجلس الشيوخ من الصف الأول لقيادات الحزب. نُظر إليه آنذاك على أنه وزبعة في فنجان ولن يصمد ويتجاوز العقبة الأولى. أطلق تصرحيات استفزازية، مهينة، تمس اللاتينيين والمسلمين والنساء، وكذلك ضد أشخاص مثل جون ماكين، بطل الحرب والذي رشحه الحزب لخوض انتخابات الرئاسة في 2008. تنكر قادة الحزب الجمهوري لترامب، وقالوا إنه لا يمثل قيم الحزب ومبادئه، بل صرح بعضهم أنهم لن يصوتوا لصالحه. لكنه فاز بترشيح حزبه في نهاية الأمر.
ظهر ترامب خلال السباق الرئاسي على أنه معاد للسياسيين، إذ هاجم المرشحين الآخرين والمؤسسة، الفاسدة من وجهة نظره، وكسر اللباقة السياسية، وهو ما جاء على هوى حشود الناخبين الذين ضاقوا ذرعا بالمنظومة السياسية للحزب الجمهوري وسياسات واشنطن، وقدروا شجاعته في الإعراب عما يراه، على عكس ما اعتاده السياسيون المحنكون. معظم الناخبين أيدوا أيضا انتقاداته اللاذعة.
حاول قادة الحزب إيقافه، لكن كلما تزايدة انتقاداتهم له وتحفظاتهم منه كلما تزايدت قوته. لم يدركوا أن الناخبين الجمهوريين يحتجون أيضا عليهم، وعلى مؤسسة الحزب. كان فوزه في حمل بطاقة الترشح على النقيض تماما من مواقف زعماء الحزب، أمرا غير مسبوق في التاريخ الحديث للانتخابات بالولايات المتحدة.
تميزت المعركة الرئيسية بين ترامب وكلينتون بعملية تشهير شخصي قاسية وفضائح مخجلة. في الغالب تتركز المعركة الانتخابية على المواقف المختلفة للمرشحين في مجالات سياسية هامة كالضرائب والموازنة والهجرة والصحة والتعليم والطاقة والعلاقات العرقية والإجهاض.
لكن غالبية المواجهات تركزت حول شخصية المرشحين. زعم كل طرف أن منافسه يفتقر إلى المهارات التي تؤهله ليكون رئيسا. أيضا تلك ظاهرة غير مسبوقة. زعم ترامب أن كلينتون ليست صادقة، فاسدة ومجرمة مكانها خلف القضبان. استغل تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي حيال استخدامها غير القانوني لبريدها الإلكتروني الشخصي في المراسلات الرسمية عندما كانت وزيرة للخارجية، والتبرعات المشكوك فيها للصندوق الانتخابي الخاص بها وبزوجها من قبل.
كلينتون من جانبها اتهمت ترامب بالتهرب من الضرائب لسنوات طويلة، وطالبته بنشر تقريره الضريبي، فضلا عن اتهامات بالتحرش الجنسي، وهو ما شجع 12 سيدة على الأقل لفتح محاضر ضده بتهمة التحرش.
تعرض أمريكا الجديدة التحولات الديموغرافية الهائلة التي حدثت بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي. يدور الحديث عن ائتلاف من المهاجرين والأقليات، واللاتينيين والأمريكان من أصول إفريقية، والشباب والنساء. وهي الفئات التي صوتت في الماضي بمعدلات ضعيفة. لكن أوباما جندها ونماها لتحقق له انتصارين في السباق الرئاسي.
أما أمريكا البيضاء فتتكون من البيض، المحافظين والدينيين، والعائلات العريقة والقرويين الذين يسكنون المنطقة بين الساحل الشرق والغربي للولايات المتحدة. بعض هذه المجموعات صوت في الماضي بمعدلات ضعيفة، لكن أمريكا البيضاء شعرت مؤخرا أن أمريكا الجديدة "سرقت منها الدولة".
عملت حملة كلينتون على تجنيد أمريكا الجديدة، بينما حملة ترامب استهدفت أمريكا البيضاء وذلك عبر ضم العمال والمواطنين المحسوبين على الطبقات الدنيا، والذين كانوا يوما مؤيديين دائمين للديمقراطيين.
انتصرت أمريكا ترامب البيضاء على أمريكا أوباما وكلينتون الجديدة. صوت السود لكلينتون بشكل أقل من تصويتهم لأوباما، واللاتينيون الذين كانوا من المفترض في ظل الإهانات التي وجهها إليهم ترامب أن يقفوا يدا واحدة ويصوتوا لصالح كلينتون، لم يفعلوا. كذلك خيبت النساء آمال كلينتون. رغم أن الاستطلاعات قد أظهرت تقدم كبير لها في هذا القطاع. لكن على الأرض كان الواقع أقل كثيرا من المأمول. في المقابل، تدفقت أمريكا البضاء بكامل حشودها على الصناديق. بعضهم الذين رفضوا في السابق التسليم برئيس أسود، رفضوا هذه المرة أيضا تحمل امرأة و.. ليبرالية.
البروفيسور إينان جلبوع خبير في الشئون الأمريكية رئيس المركز الإعلامي الدولي وباحث كبير في مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار- إيلان.
الخبر من المصدر..