زلزال تحت الصنع

محمود وهبة

أسخف شئ هو أن ترى النخبة والمحللين والمعلقين، وهم مستمرون في التحليل والتعليق كأنهم لم يهزموا بواسطة رجل فاشي ومتعصب ولا يمكن التنبؤ بما سيفعل بأمريكا والعالم.

 

وحيث أني من المحللين سأطلب قراءة ما كتبته من عدة شهور وأعدت كتابته اليوم وهو أن ترامب استغل سوء الأحوال الموضوعية والاقتصادية للطبقة الدنيا الأمريكية التي انخفض دخلها منذ ربع قرن والطبقة الوسطى التي لم يتحسن دخلها منذ ربع قرن أيضا فلقد مثلها وتحدث باسمها ترمب وبرني ساندرز .

 

ويبدوا أن ترمب في موضع قوي الليلة، وإذا لم ينجح فإن هناك من سيمثل هاتين الطبقتين يوما ما.

 

وكنت أعطيت ترمب 51% للنجاح منذ 6 شهور.. وهذا ما كتبت اليوم مع ما كتبت منذ 6 شهور:

 

مارست حقي وأديت واجبي وانتخبت المرشح لرئاسة أمريكا الذي أفضله رغم علمي بأنه لن يكسب

برني ساندرز، ويبدو من الموشرات أن هيلاري كلينتون ستنجح في مواجهة دونالد ترمب الفاشي والمتعصب وتصبح أول امرأة ترأس أمريكا، ولكن خساره ترامب لا تعني أن الظروف الموضوعية التي خلقته ستختفي فلقد مثل كل من ترامب وبرني ساندرز طبقتين بأمريكا قليلا ما يسمع صوتهم واستغلوا غضبهم ونجح ترامب في الرئاسه لأنه أيقظ هاتين الطبقتين.

 

واستخدم ترامب العنصرية والخوف والغضب وغلفها باللون الأبيض لان معظم هاتين الطبقتين من الأمريكان أبيض اللون وأشعل عنصريتهم على الأسمر والبني والأصفر والأسود.

 

الطبقه الدنيا وهي في تفسير علم الاجتماع القياسي من تخرج من المدرسة الثانوية أو أقل، والطبقة المتوسطه وهي من تخرج من الجامعه أو معهد متوسط أو عالي، فلقد عانت الطبقة الدنيا بأمريكا من انخفاض في دخلها الحقيقي في الربع قرن الماضي، وعانت الطبقة المتوسطة من عدم تحسن دخلها في الربع قرن الماضي، بينما زاد الأغنياء والطبقة العليا ثراءً.

 

ولقد نجح ترامب وبرني ساندر عن التعبير عن وضع الطبقتين الدنيا والمتوسطة، ولكن شخصياتكم منعتهم من النجاح، ولكن لن يضيع الحق للطبقة الدنيا والوسطى، وستجد يوما ما من يمثلهم وينجح ويتحدث بصوتهم، ولقد كتبت كلاما بهذا المعنى منذ ستة شهور ولا أزلت أعتقد به.

 

الفكر اليميني يستخدم تحليل ماركسي لتركيب الطبقات الأمريكية ويفسر ظاهره ترامب والتحليل يعتمد على الإيكونومست معقل فكر اقتصاد السوق الحر وحرية التجارة الدولية لحوالي 200 عام وبعض مفكري اليمين الأمريكيين .

 

المجتمع الأمريكي طبقات، والطبقة العليا الرأسماليه تزداد ثراءً بإزدياد دخلها والطبقة الوسطى البرجوازية تزداد ضعفا بثبات مستوى دخلها والطبقة الدنيا البرولتاريا تزداد بؤسا بإنخفاض دخلها.

 

والمقال المرفق أدناه يوضح وضع هذه الثلاث طبقات بالاقتصاد الأمريكي مستخدما مستوى التعليم ممثلا لفائض القيمة.

 

ومؤشر التعليم هو أدق وأسهل قياس للتركيب الطبقي بأمريكا لأن كل مستوى تعليمي يتركز في وظائف معينه تقترب أو تبعد عن توليد فائض القيمة حسب المستوى التعليمي.

ولا أعتقد أن له نفس الدقة في مجتمع نامي أو اقتصاد يعاني من البطالة مثل مصر مثلا حيث أن التمركز بالوظائف لا يعتمد على التعليم فقط.

 

وعلى مدار العشرين عاما الماضية تزداد ملكية الطبقة الرأسمالية من الثروة الأمريكية، بينما تنخفض ملكية الطبقه الوسطى والدنيا منها، وتزداد هذه الفروق وضوحا عندما ينخفض نمو الاقتصاد الأمريكي .

 

ويقدم هذا التحليل تفسيرا لظهور ترامب مرشحا للرئاسة وشعبيته لأنه استغل غضب الطبقة الدنيا والمتوسطة وهم يمثلون تقريبا ثلثي الشعب الأمريكي وأشعل حنقها على الطبقه العليا والمهاجرين الذين ينافسوهم في طلب العمل ويساهمون في تخفيض الأجر والدخل وفرص العمالة.

 

لماذا؟

هنا يبدأ اليمين الفكري الاعتماد على إحدى أهم أطروحات الاقتصاد الماركسي وهو تراكم رأس المال واتجاهه للتمركز والاحتكار.

 

فلقد تم تركيز أكثر من 900 قطاع اقتصادي إلى التجميع والاحتكار البحتي أو الثاني أو المتعدد، وهنا جراف أخر يوضح كيف استفادت الطبقة الرأسمالية من هذا التركز والاحتكار .

 

وفي تحليل جيد تم شرح كيفية تكوين فائض القيمة في القطاعات الفكرية والابتكار لأن الأفكار لا تحقق الربح إلا إذا وصلت لمرحلة الإنتاج وتكوين فائض القيمة.

ويستعير الفكر اليميني أيضا أطروحة أخرى من الفكر الماركسي وهو أن تركز رأس المال يصبح أمميا ويخرج عن حدود بلده الأصلية بواسطة اتفاقات التجارة الدولية وحركة التمويل الدولية.

 

ثم إلى الأطروحة الماركسية الثلاثة، وهو أن الرأسمالية تحمل بباطنها أسباب فنائها وذلك عندما يصل أجر العامل إلى مستوى الضروريات للحياة أو ينخفض عنها بازدياد فائض القيمة بنفس القدر لصالح الرأسمالي وهنا يشتد الصراع بين الطبقة الرأسمالية والبرولتارية .

فماذا يفعل اليمين لإنقاذ الرأسمالية ؟

 

يقوم بتوجيه الدولة لرفع الحد الأدنى للأجور ويحد نسبيا عولمة رأس المال ويقيد التجارة الدولية بدرجة أو بأخرى وخاصة انتقال العمالة أو الهجرة من وإلى أمريكا.

 

مقال يستحق أن يقرأه الماركسيون ويصيغون منه أفكارا ماركسية عصريه للدفاع عن البرولتاريا بدل من الفكر اليميني الذي يصيغ الفكر الماركسي للدفاع عن الطبقة الرأسمالية ولو ضمنيا.

مقالات متعلقة