على عكس سياسة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما، تجاه الحفاظ على البيئة، فإن سياسة الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" تجاه 3 ملفات، قد تقود بحسب مراقبين، إلى كوارث بيئية عالمية وحيازته لقب "عدو البيئة".
الملفات الثلاثة متعلقة بالطاقة، وهي: أولا، الاتفاق النووي مع إيران الذي تعهد ترامب بـ"تمزيقه" ما قد يؤدي إلى فوضى نووية بالمنطقة، ويأتي ثانيا موقفه من اتفاق باريس للمناخ ورؤيته للتغيرات المناخية التي يعتبرها "خدعة". أما الملف الثالث فيتعلق بالطرق التي وصفها مراقبون بـ"غير الصديقة للبيئة"، التي تعهد الملياردير الأمريكي باستخدامها في تعزيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، بغية تحقيق نقلة نوعية في اقتصاد الولايات المتحدة الذي يعد الأكبر في العالم.
تتوجه أنظار العالم إلى الطرق التي سيتبعها "ترامب" في تعزيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، على خلاف سياسة سابقه أوباما الداعمة للطاقة النظيفة.
بنظرة سريعة على خطابات ترامب، وتصريحاته خلال حملته الانتخابية، يمكن القول إن البلاد قد تشهد تغيرًا جذريًا في قطاع الطاقة وانعكاساته الاقتصادية على مدى السنوات الأربع المقبلة، إذا نفذ ما وعد به.
وفي أغسطس الماضي، تعهد ترامب بأنه إذا تم انتخابه رئيسًا سوف يطلق العنان "لثورة الطاقة الجديدة في الولايات المتحدة عن طريق تخفيف أو إلغاء عدة قوانين في قطاع الطاقة".
كما أعلن عن خططه المستقبلية لاستخدام الفحم الحجري والغاز الصخري ومصادر الطاقة الأمريكية الأخرى بشكل أوسع، معربًا عن تأييده لأعمال استخراج الفحم الحجري، وعمليات التكسير الآمن لاستخراج النفط.
وفي "خطاب الطاقة" الذي ألقاه ترامب، مايو الماضي، في مدينة "بسمارك" عاصمة ولاية "نورث كارولينا" فسر لأول مرة كيف سينفذ شعاره، "لنجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية"، وقال آنذاك إن "مشروع إدارة ترامب للطاقة هي أمريكا أولا، وسنعمل لتعود أمريكا عظيمة مرة أخرى، حيث سنجعل من سيطرتنا على موارد الطاقة، هدفًا استراتيجيًا اقتصاديًا للسياسة الخارجية".
وتابع: "لدينا مرة ونصف من احتياطات النفط المثبتة لمجموع دول أوبك، ولدينا كميات من الغاز الطبيعي تفوق مجموع ما في الصين، إيران، قطر والسعودية، ولدينا ثلاثة أضعاف كمية الفحم مما في روسيا، وتقدر احتياطات الغاز والنفط على الأراضي الفيدرالية بخمسين تريليون دولار".
وعن مصادر الطاقة المتجددة، قال رجل الأعمال الملياردير "ترامب" إنه يدعمها، "دون استبعاد أشكال أخرى من الطاقة، التي تؤتي أكلها في الوقت الراهن على نحو أفضل بكثير".
ويظهر الاختلاف جليًا بين استراتيجية "أوباما" للطاقة خلال فترة ولايته للبيت الأبيض، وسياسة الرئيس المنتخب "ترامب" المستقبلية، من خلال انتقادات الأخير لعمل أوباما وحكومته بتخفيض إنتاج النفط والغاز إلى النصف في البلاد.
ويتوقع محللون أن يتم تخفيف أو إلغاء معظم القوانين البيئية التي فرضها أوباما على أعمال التكسير الهيدروليكي، بما في ذلك أعمال التكسير الآمنة على الأراضي العامة، التي تعادل نحو 10% من جميع أعمال التكسير في أمريكا، في أعقاب استلام ترامب مهام منصبه الجديد، بيناير من العام المقبل.
وتثار المخاوف من تقنية التكسير الهيدروليكي المثيرة للجدل للتنقيب عن الغاز الصخري، نظرًا لما قد تسببه هذه التقنية بتلويث مياه الشرب في المناطق الكثيفة السكان في البلاد.
وتتضمن عملية التكسير الهيدروليكي ضخ كميات هائلة من السوائل والمواد الكيماوية في التكوينات الصخرية العميقة تحت ضغط عال لإحداث شقوق بها لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
ويرى خبراء طاقة أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) قد تواجه تراجعًا في الطلب على الخام إذا تباطأ النمو الاقتصادي العالمي في أعقاب فوز ترامب، ومع احتمال ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي، في ضوء تعهد الرئيس الجديد بفتح جميع الأراضي والمياه الاتحادية أمام أنشطة التنقيب عن النفط والغاز.
وفي الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2015، ارتفع إنتاج النفط الخام المحلي الأمريكي من 5 إلى 9.6 مليون برميل يوميًا، فيما ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي السنوي من 566 إلى 768 مليار متر مكعب خلال الفترة ذاتها.
والعام الماضي، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، رغم أنها لا تزال تستورد أكثر من 7 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا.
وفيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز، أظهر تقرير شركة " BP" النفطية البريطانية أن "الولايات المتحدة أصبحت، خلال عام 2014، أول منتج للذهب الأسود للمرة الأولى منذ 1975 بفضل النفط الصخري (الشيست)، متخطية بذلك السعودية وروسيا".
الاتفاق النووي مع إيران
عبر "ترامب" مرارًا عن معارضته الشديدة للاتفاق النووي، الذي وقعته طهران مع الدول العظمى في يوليو/تموز 2015، واعتبره "أسوأ اتفاق؛ لأنه يضع إيران، وهي الراعي الأول للإرهاب المتطرف، على طريق الحصول على سلاح نووي"، حسب تصريحات سابقة أثناء حملته الانتخابية.
ولم يكتف ترامب بانتقاد الاتفاق، ولكنه تعهد بأنه "سيمزقه منذ اليوم الأول" لتوليه مهام الرئاسة.
وفي أعقاب فوز "ترامب" بانتخابات الرئاسة الأمريكية، قال مستشاره للسياسة الخارجية وليد فارس، في تصريح صحفي، إن "الاتفاق النووي مع إيران سيتغير بشكل يضع في الحسبان دول المنطقة التي تضررت من التدخلات الإيرانية".
وأضاف "فارس" أن ترامب أكد خلال الحملات الانتخابية على أن "الاتفاق النووي الإيراني لا يعجبه".
وأوضح أنه "من الممكن إعادة التفاوض بشأن بعض بنود الاتفاق وإعادة إرساله إلى الكونغرس الأمريكي".
وتابع فارس قائلًا إن "ترامب أشار إلى أن واشنطن أعطت كل شيء لطهران، ولم تأخذ شيئًا، كما لم تراع مصالح الدول المجاورة لإيران".
ولفت إلى أن "هذه الدول يجب أن تكون جزءًا من أي ترتيبات تخص هذا الملف، خاصة في ظل تنامي التهديدات الإيرانية"، مؤكدًا أن "ترامب سيجلس مع الحلفاء والشركاء وينظروا كيف يتم التعامل مع الدور الإيراني".
وبهذا الخصوص، يحذر خبراء من تداعيات أمنية وبيئية خطيرة محتملة على بعض دول الشرق الأوسط، حال إلغاء الاتفاق النووي الإيراني بطريقة أو بأخرى، وتجديد العقوبات على طهران، وسط توقعات بانطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة.
وتوصلت الدول الكبرى (5+1) في يوليو 2015 إلى اتفاق مع طهران، تستغني الأخيرة بموجبه عن برنامجها النووي، بينما بدأ رفع العقوبات تدريجياً عنها في يناير 2016.
اتفاق باريس للمناخ
أذكى انتخاب "ترامب" رئيسًا للولايات المتحدة، الذي سبق ووصف التغيير المناخي بأنه "خدعة"، شكوكًا عالمية بشأن مستقبل مشاركة أمريكا في اتفاقية باريس الخاصة بتغير المناخ ومستقبل الاتفاقية في حد ذاتها.
وقبل أشهر هدد "ترامب"، إبان حملته الانتخابية، برفض اتفاق باريس لمحاربة تغير المناخ، الذي تفاوضت حوله نحو 200 حكومة، وصادقت عليه 103 دول في العاصمة الفرنسية العام الماضي.
وبهذا الصدد، قال توريك إبراهيم، وزير الطاقة لجزر المالديف، الذي يرأس ائتلاف الدول الجزرية الصغيرة المهددة بالغرق نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، بعد تهنئته لترامب بالفوز، إن إدارته "يتعين عليها أن تواجه تحديات تغير المناخ والانتقال إلى الطاقة النظيفة".
وأضاف إبراهيم في بيان دبلوماسي الصياغة: "قادت أمريكا هذا الانتقال التكنولوجي وبإمكانها الاستمرار لتوفير فرص عمل وإتاحة الفرص في هذا المجال، وهو شئ سيستفيد منه الجميع".
كما سيطر على نشطاء حماية البيئة شعور بالإحباط بعد إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية، ووصفت ماي بويف، رئيسة مجموعة "org 350" البيئية، نتيجة الانتخابات بأنها "كارثة".
وقالت بويف: "سيسعى ترامب إلى عرقلة الإجراءات المناخية، وهذا يعني أننا نحتاج إلى أن نبذل قصارى الجهود مع التركيز على إسراع التحرك".
وكان أوباما أعلن في عام 2013، عن ما سمي بـ"مهمة الابتكار"، وهو اتفاق بين 20 دولة، من ضمنها أكبر ثلاث دول تصدر فيها انبعاثات: الصين والولايات المتحدة والهند، بهدف مضاعفة التمويل العام في أنشطة البحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة إلى 20 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2020.
وتُعد واشنطن العامل المؤثر في نجاح هذا الاتفاق أو فشله، إذ إن نصف هذا المبلغ المستهدف سيأتي من مضاعفة الولايات المتحدة لمخصصات ميزانيتها الحكومية السنوية، التي تبلغ حاليًا 6.4 مليار دولار أمريكي.