"لأسابيع عدة، ظلَّ يطرق الآذان، تتداوله الألسنة، يدور في العقول، يراود القلوب".. هكذا ظلَّ سؤالٌ يفرض نفسه على الأحداث.. "ماذا سيحدث في 11 /11؟".. جاء اليوم ورحل دون أن يغير في المشهد شيئًا.. لا حشد ولا من يحشدون.
فبعنوان "ثورة الغلابة"، وقبل بضعة أسابيع أُطلقت دعوة وُصفت بـ"المجهولة"، دعت إلى التظاهر في هذا اليوم احتجاجًا على الأوضاع القائمة لا سيَّما مع ارتفاع الأسعار.
إعلام يحشد وإعلام يحذر ويحذر
على مدار الأسابيع الماضية، فرضت "11/11" نفسها على المشهد، فالإعلاميون الموالون للنظام اعتبروها دعوة تهدف إلى عودة الوطن إلى الخلف وقتل الناس وكسر الجيش والشرطة، وساد التحذير من سيناريوهات دولٍ في المنطقة تكاد تتلاشى من خرائطها.. على الجانب الآخر من المشهد حشد إعلاميو المعارضة، فبات لسان قولهم إنَّ ثورةً قادمة ستطيح بالنظام.
الدولة تتأهب
أجواء ما قبل "11/11" - أيضًا - فرضت نفسها على جهات الدولة، إذ كان اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية قد عقد اجتماعات عدة بمساعديه لبحث الأوضاع القائمة وكيفية تأمين الوطن ومنشآته.
عبد الغفار - في هذه الاجتماعات - أكَّد أنَّ الأجهزة الأمنية لن تسمح بأي محاولة لتكرار ما أسماها "مشاهد مرفوضة للفوضى والتخريب، وطالب بالاستعداد لكل السيناريوهات الأمنية المحتملة.
أيضًا، الرئيس عبد الفتاح السيسي طالب أجهزة الدولة بتوخي أقصى درجات اليقظة والحذر والعمل على زيادة تأمين المنشآت الحيوية بما يضمن الحفاظ على أمن الوطن وسلامة المواطنين.
الإخوان تنضم في اليوم الأخير
أمس الخميس، بدأت سخونة الانتظار تعلو، إذ أعلنت جماعة الإخوان مشاركتها في "11/11".. فالجماعة - التي تصنفها الدولة كتنظيم إرهابي - قالت إنَّها "ملتزمةٌ أمام الشعب بالعمل على تطلعاته وتعكس رؤية مشتركة لقواه السياسية لبناء دولة العدل والقانون".
الميادين في قبضة الأمن
بين ساعة وأخرى، يزداد الترقب إذ تزيد قوات الأمن من انتشارها في محيط المنشآت الحيوية وفي الميادين والشوارع الرئيسية في المحافظات، إلى حدٍ جعل البعض يردِّد أنَّه تمَّ إعلان حظر التجوال.
في الساعات الأولى لفجر الجمعة، نفى اللواء طارق عطية مساعد وزير الداخلية للإعلام صحة ما تردَّد حول فرض حظر تجوال، لافتًا إلى أنَّ كل ما جاء في هذا الشأن ما هي إلا شائعات تهدف إلى إثارة البلبلة.
عطية شدَّد على أنَّه يراهن على وعي الشعب في هذه المرحلة، مؤكِّدًا أنَّ الحالة الأمنية مستقرة ولا يوجد ما يدعو للقلق.
صباح الجمعة.. بات الجميع منتظرًا.. إلى ماذا ستصل الأمور.. صارت التساؤلات تفرض نفسها، هل ينزل الناس؟، هو ينجح الحاشدون في حشد الناس؟.
بدأ اليوم بانتشار أمني مكثف لقوات الشرطة في أغلب المناطق بمحافظات الجمهورية، وشارك بعض قوات الجيش في بعض الأماكن.. السجون والوزارات والبنوك والهيئات الحكومية كلها منشآت اصطفت أمامها القوات تحسبًا لخطر ينجم عن "الحشد المجهول".
مديرو الأمن في المحافظات استهلوا يومهم بجولات تفقدية، اطلعوا فيها على سير عمل القوات، ووجَّهوا باليقظة والانضباط وتوخي الحذر، والتصدي بحزم وحسم لكل ما من شأنه أن يضر بالأمن.
اللواء خالد عبد العال مدير أمن القاهرة تفقَّد الحالة الأمنية والمرورية بميدان التحرير وميدان طلعت حرب ومنطقة وسط البلد بالتزامن مع دعوات التظاهر، واللواء هشام العراقي مدير أمن الجيزة، وبصحبته أفراد الأمن، تفقد عددًا من الكمائن واطلع على الحالة الأمنية بميدان الجلاء.
اللواء فيصل دويدار مدير أمن المنيا تفقد الخدمات والتمركزات الأمنية المنتشرة بكافه ربوع المديرية وكذا الأكمنه الحدودية والخدمات المعينة على المنشآت الحيوية، وكافة المواقع الشرطية بدائرة المدينة، واللواء مصطفى النمر مدير أمن الدقهلية تفقد الخدمات الأمنية لكشف مدى انتظام الخدمات وجاهزيتها للتعامل مع أي تداعيات أمنية محتملة بمحيط ميدان الثورة ومناطق تجمعات البنوك بشارع الجيش.
هذه الجولات سادت في كافة المحافظات مع مرور ساعات صباح يوم الحشد المجهول، وسط شوارع وُصفت بـ"الخاوية"، إما خوفًا من قبضة أمنية أو باعتبار الجمعة "إجازة رسمية".
وقال الناس للنزول لا
بعد صلاة الجمعة، تغيَّر مشهد الصباح الهادئ، فبدأت التجمعات سريعًا في بعض المناطق، حيث شهدت بعض المحافظات منها الجيزة والبحيرة وبني سويف والشرقية والمنيا ودمياط مظاهرات لمعارضي النظام.
المتظاهرون ردَّدوا هتافات وُصفت بـ"المعادية" للجيش والشرطة، وحمل بعضهم صورًا للرئيس المعزول محمد مرسي، إلى أن دخلت قوات الأمن حد المواجهة، إذ أطلقت قوات الأمن قنابل الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وألقت القبض على عددٍ منهم في بعض المحافظات.
المظاهرات التي استجاب المشاركون بها للدعوة خرجت في قرى بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، وقرية العدوة مسقط رأس الرئيس المعزول محمد مرسي بالشرقية، ومنطقة كرداسة بالجيزة، وعدد من قرى حوش عيسى بالبحيرة.
في بلطيم بكفر الشيخ، خرج عدد من المعارضين للتظاهر ضد النظام رافعين الأعلام المصرية، وفي حوش عيسى بالبحيرة تظاهر بعض الأهالي ضد غلاء الأسعار، وأشعلوا النار في إطارات السيارات تعبيرًا عن استيائهم من موجة الغلاء الأخيرة.
في قرية العدوة "مسقط رأس مرسي" بالشرقية تظاهر العشرات مطالبين برحيل الرئيس السيسي، وخفض الأسعار وتوفير السلع الأساسية بالأسواق.
مصدر أمني بوزارة الداخلية قال لـ"أسوشيتد برس" إنَّ قوات الأمن ألقت القبض على 70 متظاهرًا في محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ والمنيا وبني سويف.
سيولة غير معتادة
مروريًّا، سادت سيولة مرورية كبيرة في شوارع الجمهورية، إذ لم تُعلن أي إدارة مرور عن تكدس في منطقة أو زحامٍ في أخرى.. سيولة كان سببها أَّنه "لا حشد ولا من يحشدون".
مواطنون كثر اعتبروا أنَّ السيولة المرورية - التي قالوا إنَّها مبالغ فيها - راجعة إلى "الخوف من 11/11"، فالأيام الماضية التي شهدت تخويفًا من هذا اليوم - سواء من الأمن أو إعلاميين موالين للنظام - كانت سببًا في إحجام الكثيرين عن نزول الشارع.
لا حشد ولا من يحشدون.
في الاتجاه المعاكس.. اكتست بعض المناطق بتجمعات، نزل أهلها تأييدًا للجيش والشرطة ودعمًا للرئيس السيسي في وجه من يقولون إنَّهم أعداء الوطن، ومن يعتبرون أنَّهم ينفِّذون أجندة خارجية تهدف إلى كسر الاستقرار.
وفي محيط ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، تواجد عدد ممن أطلقوا على أنفسهم "أنصار السيسي"، للتظاهر دعمًا لقرارات الحكومة والرئيس السيسي.
هكذا انتهى "11/11".. حشد المجهولون ولم ينزل الناس، ولم تحدث الثورة كما دعي لها.. عادت الحياة إلى طبيعتها، زال الترقب في شوارع القاهرة، فرجعت الحركة المرورية إلى طبيعتها.
الإخوان.. اتهام وانقسام على قدر الترقب الذي رافق "11/11"، حاول الكثيرون فك طلاسم السؤال الأهم.. "من الداعي والحاشد؟"، إلا أنَّ سياسيين أزالوا الغموض حول ذلك، فنسبوا الدعوة إلى جماعة الإخوان، ومن هؤلاء الدكتور صفوت النحاس نائب رئيس حزب الحركة الوطنية السابق الذي اعتبر أنَّ جماعة الإخوان تهدف من وراء ذلك إلى إشاعة الفوضى وهدم الاستقرار.
السفير محمد العرابي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب قال إنَّ الجماعة تدعم "11/11"، واتفق أيضًا على أنَّها تهدف إلى التخريب وهدم استقرار الدولة.
الجماعة - التي نسب كثيرون إليها الدعوة - انقسمت هي في نفسها، فأمس أعلنت الجماعة - على لسان نائب مرشدها إبراهيم منير - عدم علمها شيئًا عن الدعوة، لكن في الوقت ذاته صدر بيان من الجماعة يتحدث عن أنَّ "11/11" هو يوم التظاهر.
الدولة.. هل هي الداعي؟ فريق آخر يرى أنَّ أجهزة الدولة هي التي تقف خلف هذه الدعوات؛ للتأكيد على شعبية الرئيس السيسي في حالة عدم نزول أحد، واتخذتها ذريعة لاجراءات استثنائية حال وجود تظاهرات في الشارع.
هذا التوجه - الذي ذهب إليه الناشط حازم عبد العظيم - نفاه اللواء طارق عطية مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع الإعلام، وقال إنَّ الحديث عن وجود دور للدولة في صناعة "11/11" ما هو إلا وهم.
صباحي.. أين؟
حينما خسر حمدين صباحي انتخابات الرئاسة أمام عبد الفتاح السيسي في 2014، انضم إلى صفوف المعارضة، ورغمَّ المعارضة هذه إلا أنَّ معسكر صباحي تبرئ من هذه الدعوة.
وجاء - على لسان مدحت الزاهد القيادي بتحالف التيار الديمقراطي، الذي يضم صباحي: " ليس لنا علاقة بالتظاهرات المعارضة لـلرئيس عبدالفتاح السيسي في 11 نوفمبر، ونحن لم ندعُ لمليونية لإسقاط السيسي".
القصة الكاملة.. " 11/11" الدعوة الفنكوش