خطوات مؤلمة تضمن لمصر الحصول على قرض صندوق النقد.. هكذا عنونت صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا سلطت فيه الضوء على التدابير الصعبة التي اتخذتها مصر بناء على طلب صندوق النقد الدولي لضمان حصول القاهرة على القرض البالغ قيمته 12 مليار دولار على 3 سنوات، واللازم لإخراج اقتصاد البلد العربي المأزوم من عنق الزجاجة.
وذكر التقرير أن مصر ، البلد الأكثر تعدادا للسكان في العالم العربي، تنظر إلى قرض صندوق النقد على أنه طوق الإنقاذ للاقتصاد الوطني المنهار والذي يعاني من هبوط في العملة المحلية وارتفاع مستويات التضخم ونقص في السلع الأساسية.
ووقع صندوق النقد على القرض خلال اجتماع المجلس التنفيذي للصندوق في واشنطن بعدما نجحت مصر في تأمين تمويلات خارجية بقيمة 6 مليارات دولار، ووافقت على تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، من بينها تعويم الجنيه وخفض دعم الطاقة.
وأوضح التقرير أنَّ تلك الإجراءات، وإن كانت مؤلمة، تهدف لتعزيز الثقة في الحكومة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأكد طارق عامر، محافظ البنك المركزي أن مصر تسلمت أمس الجمعة الدفعة الأولى من القرض والبالغ قيمتها 2.75 مليارات دولار، بينما ستحصل على الدفعات المتبقية على مدار 3 سنوات.
لكن بعض الخبراء الاقتصاديين حذروا من أن قرض صندوق النقد كان الخطوة الأولى فقط بين سلسلة الخطوات المؤلمة التي يتعين على القاهرة اتخاذها بصورة عاجلة لإعادة الاستقرار إلى الاقتصاد المترنح.
لكن على المدى القصير، والكلام لا يزال للخبراء، قد تستمر الظروف المعيشية للمواطنين العاديين في السير من سيئ إلى أسوأ، ما سيفرض تحديًا أمام حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
واعتمد السيسي بقوة على المملكة العربية السعودية في دعم الاقتصاد المصري الذي شرع في التراجع في أعقاب ثورة الـ 25 من يناير 2011 التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك من الحكم، وأغدقت الرياض ومعها بلدان خليجية أخرى- الكويت والإمارات- على القاهرة بمساعدات زادت قيمتها عن 30 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.
لكن توتر العلاقات بين القاهرة والرياض في أعقاب تصويت مصر على مشروع قرار روسي بخصوص التهدئة في سوريا في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، قد دفع الأخيرة إلى تعليق شحناتها النفطية خلال الشهرين الماضي والجاري.
لكن وفي المقابل يرى خبراء اقتصاديون أن الإجراءات الأخيرة من الممكن أن ترفع التضخم في البلد العربي الواقع شمالي إفريقيا، والذي يسجل بالفعل أعلى مستوياته منذ شهور في هذا العقد.
وأعلن البنك المركزي مؤخرا أيضا عن زيادة في أسعار الإقراض الأساسية بمعدل 300 نقطة أساسية بغية تحفيز الاقتصاد المتعثر، في الوقت الذي أصابت فيه أزمة نقص العملة الصعبة نشاط الأعمال بالشلل التام، كما تسببت في نقص حاد في عدد من السلع الأساسية، وزيادة السخط العام في بلد يعاني فيه المواطن والمؤسسات من ضرائب عالية ومعدلات تضخم سريعة.
ومع تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، اضطرت القاهرة إلى تقنين الدولار الذي تدفعه لاستيراد السلع الأساسية مثل القمح والدواء، ودفع هذا أيضا الشركات إلى اللجوء للسوق السوداء لسد احتياجاتها الملحة من العملة الصعبة.
وانخفض الاحتياطي الأجنبي لمصر من 36 مليار دولار قبل العام 2011 إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر الماضي، برغم حصول القاهرة على مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات من الحلفاء الخليجيين- السعودية والإمارات والكويت.
وانخفضت أعداد السائحين الأجانب الوافدين لمصر على نحو دراماتيكي في أعقاب ثورات الربيع العربي، وذلك قبل أن تصل إلى الحضيض مع وقوع حادثة الطائرة الروسية التي انفجرت في أجواء سيناء في الـ 31 من أكتوبر 2015، ما زاد الطين بلة في القطاع الحيوي الذي يعد مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة.
وقال أنجوس بلير، مدير التشغيل في مؤسسة " فاروس إنفيستمنتس" المصرفية ومقرها في القاهرة إن قرض صندوق النقد سيضخ مزيدًا من الأموال في الاقتصاد المصري وسيعزز الثقة في الحكومة، ما سيجعل مصر مقصدًا جاذبًا للاستثمارات.
وأضاف بلير:” إذا ما نظرت إلى ما يحدث، تجد أنهم اتخذوا القرارات الصحيحة ( في إشارة منه إلى زملائه من المسؤولين المصرفيين).”
وتابع:” لن يكون الأمر سهلا، لكنهم سعداء بأن هناك فكرا جديدا، وهو ما تحتاجه مصر.”
وبعد موافقة صندوق النقد على القرض، رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز " للتصنيف الائتماني التصنيف السيادي لمصر من سلبي إلى مستقر.
وقالت الوكالة في بيان لها "إنها راجعت نظرتها لمصر بعد أن مد صندوق النقد الدولي خطوط ائتمان لتلبية احتياجاتها من العملة الأجنبية للعام القادم ".
وقالت الوكالة "إن تصنيفها السيادي لمصر في الفترة القادمة سيظل مربوطًا بمراقبة الفجوة الكبيرة في عجز الموازنة والدين الداخلي الكبير ومعدلات الدخول المنخفضة".
لمطالعة النص الأصلي