رصدت الكاتبة البريطانية بريا فيرماني تسليط كل الضوء في نتيجة الانتخابات الأمريكية على الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وكيف تمكنت حملته الغريبة من إحراز الفوز؟ وكيف أوصلته تعليقاته المشوشة التي لا تعكس ذرة من نضج، إلى البيت الأبيض؟ وكيف انتخبته النساء جماعات رغم تعليقاته المميِزة ضدهم؟ وكيف لشخص عديم الخبرة في العمل العام أن يحصل على أخطر وظيفة على ظهر الكوكب؟ وأكدت فيرماني – في مقال نشرته مجلة (نيوستيتسمان) البريطانية أن الدهشة بشأن الرئيس المنتخب هي أمر مفهوم، غير أن تسليط الضوء لم يكن ينبغي أن يكون على ترامب وإنما على الشعب الأمريكي الذي انتخبه رئيسا. ورأت الكاتبة أن نتيجة الانتخابات الأمريكية لم تكن بسبب العنصرية على نحو ما تردد كثيرا في الخطاب السياسي لهذه الانتخابات؛ إنما السبب الرئيسي في تصويت الشعب الأمريكي لترامب يتمثل في الاقتصاد الذي عانت منه الأغلبية الأمريكية على مدى جيل كامل، منذ 1979 على وجه الدقة. ونبهت فيرماني إلى أن أغلبية الأمريكيين (نسبة 83%) لم تشعر بنمو حقيقي، فيما يتعلق بالقوة الشرائية والأجور منذ عام 1979... وقد كشف استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2014 عن أن دخول ثلث الأمريكيين (نسبة 37%) كانت على نفس خط تكاليف المعيشة، بينما دخول نسبة 56% كانت تكافح للتعايش مع التضخم، فيما كانت دخول نسبة 5% فقط هي القادرة على التغلب على التضخم – بمعنى آخر، كانت نسبة 98% من الأمريكيين لا يعيشون "الحلم الأمريكي". ورأت صاحبة المقال أن هذا الوضع نجم عنه استياءٌ اقتصادي شديد، لا سيما بين أبناء الطبقة العاملة من ذوي البشرة البيضاء. ولفتت فيرماني إلى أن التفاوت في الدخول في أقوى أمة في العالم قد أخذ في الوضوح بشكل متزايد؛ وبحسب نتائج نشرها "مركز النمو المتكافئ" العام الماضي، فإن نسبة 1ر0 % من النخبة الأمريكية (أهل القمة) يتجاوز دخلها 184 مرّة دخل نسبة 90% من الأمريكيين في القاع، كما أن دخل النخبة الأمريكية بنسبة 10% الآن يعادل تسع مرّات دخل نسبة 90% من أهل القاع الأمريكي، وأن دخل نسبة 1% من أهل القمة يتجاوز 38 مرة دخل نسبة 90% من أهل القاع. وأكدت الكاتبة أنه عندما تصبح نسبة 90% من الأمريكيين تمثل القاع فإن ثمة مشكلة خطيرة من المؤكد أنها أثرت بشكل كبير في نتيجة الانتخابات الأمريكية. ونبهت فيرماني إلى أن العمال الأمريكيين من ذوي الياقات البيضاء والزرقاء في منطقة "حزام الصدأ" ذات المصانع المهجورة كانوا قد تملك منهم الإحباط من المؤسسة الأمريكية الحاكمة حتى جاءهم خطاب ترامب متحدثا عن الصناعة فوجد حديثُه هذا صدىً في أسماعهم، حتى أنه للمرة الأولى تحولتْ مدنٌ ذات طبيعة صناعية في بنسلفانيا و"أوهايو" جنبا إلى جنب مع "فلوريدا" إلى اللون الأحمر (لون الجمهوريين) في الانتخابات. واختتمت الكاتبة قائلة إن نتيجة الانتخابات هي "المقياس التصحيحي" الوحيد الذي يملكه الشعب الأمريكي ردًا على قصة النمو الاقتصادي غير المتكافئ، وإن هذا الرد الشعبي لجدير بأن يكون جرسَ إيقاظ قويًا للنخبة وأهل القمة لتقيس نبض الجماهير... وإذا لم تنتبه تلك النخبة لما تقوله هذه النتيجة فإن "النتائج السياسية المفاجئة" ستكون هي المعيار والنمط مستقبلا.