ممر ضيق مفتوح على شارع بورسعيد أكبر شوراع المدينة، ينتهى لمدخل أضيق منه لا يتعدى الـ 120 سنتيمتر، كان مقصد أهالي البلدة التى تقع على الجانب الغربي لنهر النيل وقراها القابعة في ظلمات الفقر.
مشهد لا تري فيه إلا رؤس تتحرك بلا أجسادها التى ذابت في زحام الراغبين في الحصول على إعانة الحكومة "تكافل وكرامة" كُلُُ يُمني نفسه بالوصول إلى موظف السجل المدني بمدينة شبراخيت التابعة لمحافظة البحيرة المندرجة ضمن المحافظات الفقيرة بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات.
كانت الساعة تقترب من التاسعة صباحًا، عندما بدأ الموظف فتح نافذته الضيقة لاستقبال طلبات الجمهور، لكن الحضور اقتربوا من الألف شخص، وسط وزحام قاتل لا تسمع فيه إلا صرخات الصغار الذين حملتهم أمهاتهم معهن رغبة في الحصول على شهادة قيد ميلاد لاستكمال أوراق طلبتها الحكومة من الفقراء ومن لا عائل لهم لتقديم مساعدات تحت مسمى برنامج " تكافل وكرامة".
لكن مشاهد الزاحام المريرة كانت خالية تماما من الكرامة أو حتى التكافل هكذا قال سامى خضر الذى خرج من قريته التابعة لمركز شبراخيت قاصدا الحصول على منحة الحكومة المزعومة.
ما أن وصل الرجل لمقر الوحدة المحلية التابع لها حتى أبلغه الموظف القابع خلف نظارته الغليظة بأنه يتوجب عليه احضار شهادات قيد لزوجته وأولاده وإفادة من فصولهم التعليمة، وصورا لبطاقات الرقم القومي لجانب مستخرج من الجمعية الزراعية بقريتهم يفيد عدم امتلاكه لحيازة زراعية.
كل اﻷوراق المطلوبة لم تكن في حوزة الرجل قرر على إثرها التوجه لمقر السجل المدني لاستخراجها.
حكاية سامي خضر، تعد نموذجا من حكايات آلاف الفقراء القابعين على الأرضة المقابلة لمراكز السجلات المدنية بمراكز ومدن الجمهورية رغبة في استكمال أوراقهم.
صرخة ممزوجة بالقهر أطلقتها إحدى السيدات من الداخل بعدما ألقت رضيعها الذى لم يتجاوز عامه الثاني فوق رؤس المتزاحمين ليتلقفه الناس من فوق رؤسهم حتى أخروجه بالشارع.
وجه عبوس وملابس شبة ممزقة وحجابها أصبح في يدها بعدما أرغم على تركه رأسها من شدة التدافع، لتقول بعد أن حبست دموعها "مكنوش 300 جنيه اللى هنتزل علشانهم كدا".
وتمنح الحكومة بموجب برنامج التكافل للأسر المستفيدة 325 جنيها لكل أسرة لا يوجد مصدر دخل لها، وفي حال وجود أبناء، يقدم البرنامج مبالغ مادية طبقاً للمراحل التعليمية كالتالي 60لطلاب الإبتدائية و80 للإعدادية، و100 للثانوية، بحد أقصى 3 طلاب في المرحلة الواحدة.
وتضيف السيدة: "منذ الأمس وأنا هنا لاستخراج بطاقة رقم قومي ولم أنحج بسبب الزحام، حتى استكمل أوراقي المطلوبة في برنامج تكافل وكرامة ﻷن بطاقتى منتهية وأبلغنى الموظف المختص أنها لن تصلح وكذلك كل السيدات هنا حالتهن ممثالة.
وتكمل: عندما أتينا في الصباح كان هناك سوق سوداء تباع فيها الاستمارات وصلت لـ40جنيها أى بزيادة 100% على سعرها الأصلى.
بصوت جهوري يدخل خالد أحمد 35عاما في الحديث بالأمس كان الزحام أشد فلم يعرف سكان القري التابعة لمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة بهذا البرنامج الحكومي او حسب ما يسميه بلهجته القروية "معاش" إلا أول الأسبوع الجاري وبالتالي جاء الجيمع.
ويضيف أن إدارة السجل المدني استدعت الأمن بالأمس وتدخلوا للفصل بين الناس بعدما اشتد الزحام خصوصا وأن السجل المدني بالدور الثالث من إحدى العمارات هنا.
على الرصيف المقابل للسجل المدني بالمدينة الواقعة غربي نهر النيل بشمال البلاد اتخذ العجائز والقواعد من النساء مقاعدهن بجوار بعضهن، الملامح كانت تقول بأنه لم يعد هناك أمل في الحصول على المعاش المنتظر.
سنية محروس 50عاما تقول إن الحاجة وزيادة الأسعار هي التى أجبرتها للحضور إلى هنا، فرغم تدنى المبلغ الذى تمنحه الحكومة للأسر إلا أنها مجبرة على الوقوف في هذا المشهد المهين بحسب وصفها حتى تستكمل أوراقها.
وبدأت الحكومة في أواخر عام 2014، بتطبيق برنامج تكافل وكرامة لرعاية الأسر الأكثر فقرا، وبحسب تصريحات لرئيس الحكومة شريف إسماعيل سيزيد عدد المنتفعين من برنامج "تكافل وكرامة" من مليون أسرة إلى مليون و700 ألف أسرة بنهاية 30/6/2017، بدعم إضافى 2.5 مليار جنيه تتحملها الموازنة العامة للدولة وخفض سن المستفيدين من 65 إلى 60 سنة، يستفيد منه 14 ألف أسرة بتكلفة 200 مليون جنيه