يرى الكاتب عبدالحليم قنديل، أن القرارات الاتي اتخذتها الحكومة مؤخرًا، من تحرير لسعر الصرف، ورفع الدعم عن الوقود، تعتبر بمثابة إعلانًا للحرب على الشعب المصري.
وفي مقال نشره "قنديل" على موقع "القدس العربي"، وأعاد نشره الفنان خالد أبو النجا، حمل عنوان "إعلان الحرب على الشعب المصري"، قال إنه ليس من الفرحين بقرارات تعويم الجنيه وإشعال أسعار الوقود، ولا ممن يصفون ما جرى بالقرارات الجريئة، مؤكدًا أن "الجرأة في الحق غير الجرأة على الحق"، والقرارات بدت "كإعلان حرب اجتماعية على غالبية المصريين من الفقراء والطبقات الوسطى".
وهاجم "قنديل" الإعلاميين ممن طالبوا الشعب بالتقشف وتحمل الغلاء، قائلًا إن "دخول وأجور الغالبية لا تفي بشيء من متطلبات الحياة في الحد الأدنى الضروري، ومآسي الفقر والبطالة والتعاسة والمرض تنهش أبدان غالبية المصريين، وحتى «الفرقة الناجية» التي تعمل وتتلقى مقابلا ماليا زهيدا، فلا يصل متوسط أجورها إلى عشر متوسط الأجر العالمي، بينما يطلب منها أن تشتري كل شيء بالسعر العالمي".
وأكد "قنديل": "ما قيل إنه زيادات في الأجور أثقلت كاهل الموازنة العامة خلال السنوات الأخيرة، يعاير به صغار وأواسط الموظفين، وكأنهم هم الذين سرقوا البلد، وليس مليارديرات المال الحرام، بينما لم يطبق الحد الأدنى للأجور بعد الثورة إلا في دواوين الحكومة وحدها، ولم يطبقه أحد من الحيتان الذين يسمونهم رجال الأعمال، وظلت أجور العاملين في القطاع الخاص متهافتة، لا تكفي لشراء العيش الحاف وطبق الفول".
واستنكر "قنديل" من قرار إعفاء مضاربي البورصة من ضريبة الأرباح الرأسمالية: "لم تكن مصادفة أن قرارات إشعال الغلاء أعقبت قرار إعفاء مضاربي البورصة من ضريبة الأرباح الرأسمالية، ولا هي مصادفة ألا أحد في الحكومة يفكر جديا في فرض نظام الضرائب التصاعدية، التي تصل في أعلى شرائحها إلى ستين بالمئة بالمتوسط في كل رأسماليات الدنيا، بينما الحد الأقصى لضرائب الدخل في مصر يقف عند سقف 22.5%، هذا أن كانت تطبق أصلا، ولا يجري التهرب منها ببركة الفساد، كما يجري التهرب من أداء الجمارك المستحقة، وإهدار مبالغ سنوية على إيرادات الدولة تصل إلى مئات المليارات من الجنيهات".
واستطرد "قنديل": "والمثير للأسى والسخرية المريرة في التفاصيل المسكونة بالشياطين، أن تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، لن يخفف من عجز الموازنة، بل يزيده، وربما يضاعفه، فزيادة أسعار الوقود تزيد تكلفة إنتاج الكهرباء، وتكاليف إنتاج الخبز المدعوم، وبمبالغ أكبر من التوفير المنتظر للموازنة بعد قرارات إشعال أسعار البنزين ومشتقاته، فوق أن وصول سعر صرف الدولار رسميا في البنوك إلى ما يقارب العشرين جنيها، يضاعف تكلفة استيراد البترول والغاز، ويضاعف ـ كما قلنا ـ تكلفة خدمة الديون في الموازنة العامة".
وتابع المنسق العام لحركة كفاية: "وقد بلغت التكلفة المذكورة في الموازنة الحالية إلى 292 مليار جنيه سنويا، وهي مرشحة للتضاعف على الأقل، خاصة في ظل تفاقم عبء الديون الداخلية والخارجية معا، فقد وصل حجم الديون الداخلية إلى ثلاثة تريليونات و33 مليار جنيه، وقد لا تكون المشكلة الكبرى فيها، بل في الديون الخارجية المطلوب سدادها، وأداء تكاليف أقساطها وفوائدها بالدولار، ويتوجب على الحكومة أن تشتري الدولار بالأسعار الجديدة المعترف بها رسميا".
مضيفًا: "وهو ما يضيف فواتير مرعبة تهدد بخطر الإفلاس، فقد قدرت الحكومة رسميا عبء الديون الخارجية بحوالى 489 مليار جنيه قبل قرار التعويم، وهو العبء المرشح للتضاعف الآن مع تدهور قيمة الجنيه، وبما قد يصل بعبء الديون الخارجية إلى تريليون جنيه مصري، فوق أن الديون الخارجية مرشحة للإضافة إليها، ليس فقط بقرض صندوق النقد البالغ 12 مليار دولار، ولا بالإضافات من موارد أخرى مرتبطة بموافقة صندوق النقد على إقراض مصر، وهي في حدود 9 مليارات دولار قروضا جديدة، وقد جرى تجاوز الرقم فعليا".
وتابع: "مع الإفراط في إصدار سندات الخزانة الدولارية لتمويل عجز الموازنة، والانزلاق إلى طلب قروض تتحول إلى ديون بالكوم، مع الاقتراض لتمويل مشروعات كبرى، وهو ما قد يقفز برقم الديون الخارجية من 55 مليار دولار بحساب يوليو 2016، إلى نحو مئة مليار دولار في القريب العاجل، وهذه طامة كبرى قد تقعد حركة الاقتصاد، وتثقل كاهل الأجيال المقبلة، فليس الغلاء الحارق هو وحده الخطر، بل تلال الديون والأعباء المضافة على الموازنة العامة".
مفسرَا: "خاصة في ظل التدني المريع في إنتاجية الاقتصاد المصرى، وعجزه الخلقي عن الاستفادة بانخفاض سعر الجنيه في حفز طاقة التصدير، والمحصلة كارثية، وتقود تلقائيا إلى النقطة الأخطر في شروط الصندوق، وهي خصخصة و»مصمصة» الشركات الاستراتيجية العامة في قطاعات البنوك والبترول ومحطات الكهرباء، والتهام الأجانب لها برخص التراب مع هلاك قيمة الجنيه، وهذه هي المصيبة الكبرى المقبلة، وبيع لحم مصر قطعة قطعة على طريقة المرابي اليهودي «شيلوك» في مسرحية شكسبير الشهيرة «تاجر البندقية»".