مصر بعد 10 سنوات من قرض صندوق النقد الدولي

أحمد سعيد

صندوق النقد الدولي التابع للأمم المتحدة، منوط به دعم الاقتصاد العالمي، وإثراء المعاملات التجارية بين الدول؛ لكنه أيضا محل اتهام دائم بكونه أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول.

وما قاله جون بيركنز، مؤلف كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم عن الصندوق وأنه أداة لـ"نهب وتدمير اقتصاد الدول النامية"، وتوضيحه أنّه "على الدول التي توافق على شروط صندوق النقد أن تقبل مجموعة مفاهيم جديدة: تحرير التجارة، حقوق المستهلك، الخصخصة الكاملة للصحة والتعليم والمياه والكهرباء"، يجعل من الضروري ألا نغفل هذا الاتهام خاصة مع وجود أدلة تثبت ذلك.

 

أدلة إدانة الصندوق

 

في بداية الثمانينيات، بدءًا من 1985، اقترضت البرازيل مليارات جديدة لسداد القروض القديمة، ثروة بلاد السامبا بالكامل عبرت الحدود إلى دول تدّعي أنها صديقة على شكل أقساط، فقد سدّدت في أربع سنوات،  148 مليار دولار، أكثر من نصفها "فوائد قروض أجنبية".

 

في الأخير استسلمت البرازيل لمقترحات "النقد الدولي"، فسرّحت ملايين العمال، وخفضت أجور الآخرين لعلاج التضخم المالي، وألغت التغذية المدرسية للطلاب، وسمحت لدول أخرى بالتدخل في سيادتها مقابل المبالغ المدفوعة كقروض، حتى أن مندوبي البنك الدولي فرضوا موادًا على الدستور البرازيلي أشعلت الاحتجاجات الأهلية.

 

وبالرغم من سداد البرازيل لقروضها بالكامل، إلا أنّ الآثار الجانبية لم تزل باقية، حيث ظلّ 20% من البرازيليين يمتلكون 80% من أصول الممتلكات، وفقًا لإحصاءات، و1% فقط يحصلون على نصف الدخل القومي، وهبط ملايين البرازيليين أسفل خط الفقر، حيث أصبح نصف الشعب يتقاضى أقل من 80 دولارًا شهريًا.

 

وطالما ظل ذلك الحال، ستبقى حاة الدول للصندوق وهو ما يتم الآن، حيث حصلت البرازيل على قروض جديدة من الصندوق بقيمة خمسة مليارات دولار، وظل البلد مدينًا للصندوق.

 

اليونان

ثاني أدلة الدور الخبيث للصندوق في هدم الدول النامية، هي اليونان.

فقبل دخول الاتحاد الأوروبي، كانت اليونان بلا استثمارات أو شركات أو سيولة مالية.

ومع دخولها الاتحاد الأوروبي رغم اقتصادها الهش، كان على الجميع أن يقدم خدماته لإنقاذها، فدفعت أوامر عليا منظمات التمويل الأجنبي لإقراض الحكومة اليونانية بصورة كبيرة، تبعها فرض سياسة التقشف في اليونان وارتفاع أسعار البترول، فتضاعفت أسعار جميع السلع وانخفض الوضع المعيشي للسكان ووصلت نسبة البطالة إلى 27%.

ذهبت سكرة الفرحة بالانضمام لمنطقة اليورو، والدعم الأوروبي الكبير، وحل موعد الحساب.

عام 2009، اكتشفت "أثينا" أن عليها أن تسدد دينها، بنسبة فوائد على الدين، تكسر ظهر اقتصادها، واستمرّت في الارتفاع حتى تدخل صندوق النقد الدولي ووضع شروطه وخطط التقشف التي سحقت الفقراء سحقًا، والمقابل هو استمرار الدعم، وهو ما لم تتحمَّله اليونان، إذ ارتفعت نسبة الديون إلى 175% عام 2015.

 

انخفض الوضع المعيشي للعمال والفلاحين والفئات الوسطى ووصلت نسبة البطالة إلى 27%، واندلعت احتجاجات، وخرجت مظاهرات، اعتراضًا على ذلك الوضع في معظم أنحاء البلاد، ووقع المواطن الرافض لتلك السياسة في مواجهات مع الشرطة، ووقعت إضرابات وصلت إلى العصيان المدني في الهيئات الحكومية ضد التقشف.

 

ورغم كل ذلك، أعلن صندوق النقد الدولي عجز اليونان عن سداد الديون، خاصة أنها فشلت في دفع مليار ونصف مليار يورو مستحقة عليها، وهو ما يبشِّر بخروجها من منطقة اليورو.

 

غانا أيضا دليل

أقنع صندوق النقد الدولي دولة غانا بإزالة التعريفة الجمركية على وارداتها الغذائية مقابل منحها القرض الذي طلبته، فغرق السوق بالسلع والمنتجات الأوروبية، ما أدّى إلى تضرر المزارعين، لأن أسعار الواردات أقلّ من نصف السعر المحلي، والمنتج المحلي خسر، وأدّى إلى خسارة العملة الصعبة، وعدم توفرها، وهبوط العملة المحلية، التي واجهت تضخمًا اقتصاديًا، فأصبحت منعدمة القيمة، وهو ما أدى إلى انهيار الاقتصاد الغاني تمامًا، ولا يزال يعاني آثار قرض صندوق النقد الدولي حتى الآن.

قرض يخالف الدستور

هذه الأدلة التي سقناها لما يمكن أن يكون نهاية هي الأسوأ لوطن عظيم كمصر، يجعلنا ضمن الفريق الرافض للتطبيل والتهليل لهذا القرض، خاصة وأن المبلغ الذي ستحصل عليه مصر ليس أكبر من تلك التي سبق وحصلتها من الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها المملكة السعودية والإمارات والكويت وغيرها من الدول الصديقة، ولم يبد وفق إدارة الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 30 يونيو 2013، أنها أحسنت إدارتها.

"وعلى أية حال، فهناك من يقول أن آلية الحصول على قرض صندوق النقد الدولي تخالف الدستور.

فيقول المحامي علي أيوب في نص وثيقة دعواه ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير المالية، أن هذا القرض يأتي مخالفا لنص المادة 127 من الدستور المصري التي تستوجب موافقة مجلس النواب على القرض، وطالبت بوقف تنفيذ إجراءاته لحين عرضه على مجلس النواب.

وتنص المادة 127 من الدستور على أنه "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب".

بشائر تسلط الصندوق

ما نأسف له حقا هو تجاهل الحكومة للدستور، ولمجلس النواب المصري، وعدم تمرير اتفاقها مع صنوق النقد عليه.. ثم هذه الإجراءات التي يرفض مسؤولو الحكومة الاعتراف أنها واقعة ضمن شروط الصندوق للحصول على القرض الذي قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات من أجل دعم خطتها الاقتصادية؛ بل والترويج أن قرض الصندوق جاء إحسانا من غير شروط.

فلماذا إذا تم تحرير العملة المحلية؟

لماذا إذا تم رفع الأسعار بهذه الطريقة المفزعة والصمت عليها؟

لماذا تم مضاعفة سعر البنزين بالرغم من علم الحكومة بأثر ذلك على أسعار السلع؟

لماذا قانون الخدمة المدنية الآن؟ ولماذا استمرار الإنكار ورفض الاعتراف بنية الحكومة تسريح حوالي 2 مليون موظفًا؟

وهل مثل هذه الحكومة التي فشلت في كل الاختبارات فلم تستطع جلب سياحًا أو استثمارات أو إنشاء مصانع أن تدير البلاد في ظل هذا القرض وفوائده، خاصة وأنها ستواجه فجوة تمويلية قيمتها 30 مليار دولار خلال هذه السنوات الثلاث المقبلة؟

هل هذه الحكومة بإمكانها خلال السنوات الثلاث المقبلة خفض الدين العام من 98% إلى 88% وخفض عجز الموازنة العامة ليصل إلى 5.5% من خلال زيادة الإيرادات بعد فرض ضريبة القيمة المضافة وترشيد الإنفاق من خلال تخفيض الدعم؟

أكاد أجزم أننا مقبلون على أيام صعبة للغاية، وأن الحكومة التي فضلت الضغط على الفراء لتقليل عجز موازنتها لن يكون بمقدورها تقديم أي حلول إدارية تمكننا من عدم انتظار السيناريو الأسود أو الأسوأ، ولكننا سننتظر.

مقالات متعلقة