يدور كلام الصحافة اليابانية على بصمات تاريخية ستخلفها زيارة رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، الى اليابان لثلاثة أيام. فهذه الزيارة أثارت الانتباه لثلاثة اسباب: اقتراح اليابان استراتيجية أعدت لها طوال سنوات تشمل المنطقة من المحيط الهادئ إلى المحيط الهندي؛ وإبرام الدولتين اتفاقاً نووياً سلمياً، وتلميح الطرفين إلى إمكان إدراج النزاع في بحر الصين الجنوبي في بيانهما الختامي.
ويجب تقويم هذه الزيارة من طريق النظر الى المتغيرات في الجغرافيا السياسية. فمنذ أن زار قادة الفيليبين وماليزيا وفيتنام الصين، خفت حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي المضطرب. وعلى ضفاف المحيط الهادئ من الجهة الأخرى، لوّح دونالد ترامب، وهو يشارف على تسلم رئاسة الولايات المتحدة، بالابتعاد عن اليابان. ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ على مفترق طرق. وهذا ما حمل رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، على التفكير في أن بلاده لا يمكنها مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة لأسبابها الخاصة.
وإلقاء نظرة إلى نهج الديبلوماسية اليابانية في السنوات الأخيرة، يظهر إن إدارة شينزو آبي صارت أكثر تأثيراً في تحريك القوى الإقليمية لتطويق الصين.
وتريد اليابان التوسل بالنزاع بين الصين والهند لإقناع الهند بالمساهمة في إحكام الطوق على الصين واحتوائها. وطوكيو تسعى الى حث الهند على التدخل في قضية بحر الصين الجنوبي، ولو اقتضى إقناعها تغيير اليابان سياستها الرامية الى الحد من استخدام الطاقة النووية من طريق التعاون مع نيودلهي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وتمس حاجة الهند الى حيازة تكنولوجيا نووية وعسكرية من اليابان وجذب كثير من الاستثمارات اليابانية في قطاعات مثل الصناعة والبنى التحتية، منها صناعة القطارات السريعة وسكك الحديد. ولا شك في ان بروز الصين وتعثر الاستدارة الأميركية الى آسيا فاقما الضغوط الجيوسياسية على دول المنطقة. ومع هذا، ليست الهند في وارد أن تغير موقفها نزولاً على اهواء اليابان. وتنحو ديبلوماسية نيودلهي منحى متعدد الاتجاهات، وتسعى الهند إلى الارتقاء الى مرتبة قوة عظمى. والخطط اليابانية متضاربة وعدائية، وهي تتعارض مع سياسة الهند. لذا، تنظر نيودلهي في التعاون مع اليابان في كل قضية على حدة. وهي لن تصبح بيدقاً تحركه اليابان لمحاصرة الصين واحتوائها، لأنها تريد أن تضاهي الصين واليابان وأن تكون نداً لهما. لذا، هي تسعى الى الاستفادة من الدولتين هاتين. والتقارب الهندي مع اليابان لن تترتب عليه علاقة أخوة متينة. وثمة مشاكل كثيرة بين الصين والهند. ولكن العلاقات الصينية - الهندية تتحسن. وقادة البلدين يلتقون باستمرار ويحاولون التوصل إلى الطريق الأمثل لحل مشاكلهم الثنائية. ولو وقّعت الهند «اتفاق المحيطين الهندي والهادئ» مع اليابان، لن تشكل مصدر خطر يذكر. وليس في مقدورها احتواء الصين كما يتوقع شينزو آبي. وتفتقر طوكيو الى استراتيجية بعيدة المدى، وهي تسير، من غير شك، في طريق مسدود.
نقلا عن الحياة