قال الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن البنك المركزي كان يراهن على دخول 80 مليار دولار بالسوق السوداء إلى الجهاز المصرفي من خلال خطوة تعويم الجنيه التي تمت مؤخرا، مؤكدا أنه في حال دخول هذه المبالغ إلى الجهاز المصرفي سيستقر سوق الصرف بصورة كبيرة.
وأضاف "الإدريسي" خلال حوار خاص مع "مصر العربية" أن الحكومة لا تمتلك حلولا واضحة للأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، موضحا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعد حلا جوهريا لأزمة الاقتصاد ككل، قائلا "عندما ننظر إلى اقتصاد كالاقتصاد الصيني نجد أن أكتر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي مكون من مشروعات صغيرة ومتوسطة".
وإلى نص الحوار..
-كيف ترى المشهد الاقتصادي الحالي في ظل الوضع الراهن؟
في البداية، يجب أن نعلم أن مصر مرت بفترة عدم استقرار سياسي في السنوات الماضية وهو ما أثر علي الوضع الاقتصادي بشكل مباشر، خاصة بعد ثورتين، وكان من الطبيعي أن ينتج عن هذا الوضع حالة من التذبذب وعد الاستقرار الاقتصادي، فيما انعكس ذلك على الكثير من الأمور منها معدلات التضخم التي تخطت الـ 16%، وعجز الموازنة العامة الذي وصل إلى 340 مليار جنيه، والدين الخارجي الذي تجاوز الـ 55 مليار دولار، والدين الداخلي الذي سجل 2.8 تريليون، وكل هذه مؤشرات تؤكد أننا في أزمة.
المهم الآن أن نعرف كيف نخرج من هذه الأزمة، الحكومة تبنت برنامجا خاصا بالإصلاح الاقتصادي وعرضته على البرلمان وتم الموافقة علية، والبرنامج متعلق بقرض صندوق النقد الدولي، أو هو متعلق بسياسات الصندوق المعروفة، وأبرزها: عملية تحرير سعر الصرف، وتخفيض الدعم خاصة على المحروقات، وقانون القيمة المضافة، والخدمة المدنية، جميعها قوانين وسياسات من شأنها أن توصلنا إلى الإصلاح الاقتصادي.
-من الذي سيتحمل فاتورة هذه السياسات؟
الاشكالية في هذه السياسات أن لها تكاليف لابد أن يتحملها جميع فئات المجتمع وليس فئة بعينها، خاصة أننا نرى أن فئة محدودي الدخل هم من يدفعون الثمن وحدهم، والحكومة تقدم بعض المبررات والمبادرات لحماية محدودي الدخل ولكن جميعها لم نشعر بها، ومازالت الطبقة الفقيرة تشتكي من غياب السلع وزيادة الأسعار، وذلك بجانب المشاكل الأساسية سواء التعليم أو الصحة.
-هل برأيك درست الحكومة أثر القرارات الأخيرة علي المواطن البسيط قبل إقرارها؟.. خاصة أنها كانت دفعة واحدة؟
الحكومة اتخذت قرارات جريئة، أولها تحرير سعر الصرف، الذي جاء متأخرا جدا، حيث وصل الفرق بين سعري الدولار الرسمي والسوق السوداء إلى مستوى كفيل بتدمير الاقتصاد في أي بلد، فضلا عن أنه ينفر الاستثمار الأجنبي بشكل خاص.
-هل كان توقيت تعويم الجنيه مناسبا؟
قرض النقد الدولي من أهم شروطه تحرير سعر الصرف، وفيما يخص التوقيت، اعتقد أن المحافظ والجهاز المصرفي كان بينهما تنسيق بحيث يكون وقت اتخاذ القرار تكون البنوك قادرة علي تطبيق قواعد سعر الصرف الحر، لكن عموما هناك حالة من الارتباك منذ تحرير سعر الصرف والوضع غير واضح لدى الكثير خاصة أن سعر الدولار متغير لدى كثير من البنوك.
-هل قرار المركزي كان بالتعويم المدار أم الحر؟
التعويم الحر هو أن تترك سعر الصرف للسوق يتحكم فيه وفقا للعرض والطلب، أما التعويم المدار يتدخل البنك المركزي في حالة التقلبات الشديدة في السعر بحيث إنه يشتري أو يبيع، بمعني أنه لو ارتفع السعر يقوم بالبيع أما لو انخفض يشتري حتى يرتفع السعر فهو يدير بشكل جزئي وليس كلي.
-طلبات الاستيراد لدى البنوك وصلت إلى نحو 11 مليار دولار، هل البنوك قادرة على توفير هذا المبلغ في الأجل القصير؟.. أم أنه لابد من تدخل المركزي؟
قبل تحرير سعر الصرف كان البنك المركزي يطرح نحو 120 مليون دولار أسبوعيا في صورة عطاءات أسبوعية كانت تخلق شيئا من التوازن في سعر الصرف، ولكن الوضع الآن مختلف فسعر الصرف حر ويعتمد على قوى العرض والطلب، لكن المركزي يراهن علي أن السوق السوداء كان بها حوالي 70 أو 80 مليار دولار، وفي حال دخول هذه المبالغ إلى الجهاز المصرفي بالإضافة إلى تحويلات المصريين في الخارج سيكون الوضع مختلفا.
عموما أؤيد تدخل البنك المركزي الآن في إدارة سعر الصرف حتى لو كانت هذه الإدارة جزئية لأن سعر الصرف لو ترك للعرض والطلب، في ظل سوق غير مستقر وسياسة نقدية غير واضحة، سوف يكون هناك كثير من التقلبات في سعر الصرف قد تصل بسعره لتخطي الـ 25 جنيها وهو ما يؤثر سلبا علي أسعار السلع والخدمات.
-فكرة أن البنوك تشتري ولا تبيع الدولار هل يمكن أن تستمر كتيرا؟
البنك يشتري فقط أو يبيع فقط، هذا أمر غير مقبول، ومعنى التعويم هو ترك السوق للعرض والطلب، بيع وشراء، ليس هناك عملية منفصلة عن الأخرى، ويجب وضع ضوابط محسوبة، لكن عموما هناك مؤشرات إيجابية كان أبرزها ارتفاع البورصة.
في المجمل هناك حالة من الارتباك في السوق ومازالت البنوك في بداية التجربة، وهذا الارتباك سيقل نسبيا مع تحويل المبالغ من السوق السوداء إلى الجهاز المصرفي حتى تنتهي.
بالإضافة إلى أننا في حاجة إلى أن تكون السياسات النقدية واضحة فلسنا في وقت يسمح بالمفاجآت، وكل ما كانت السياسة النقدية تمتاز بالشفافية سيكون هناك حالة من الطمأنينة لدى المتعاملين ويكون لديهم المعرفة والوعي الكامل في التعامل مع الأمور في المستقبل.
-الفترة ما قبل قرار التعويم، كانت التوقعات تقود سوق الصرف صعود وهبوطا في السوق السوداء فهل سيبقى الحال أيضا بالنسبة للبنوك؟
قوى العرض والطلب تتأثر بالتوقعات ولكن التأثير سيكون أقل الفترة القادمة، وقبل قرار التعويم الدولار تراجع لـ12 جنيها، والناس كلها اعترضت وقالت لماذا لم يتدخل المركزي ويقوم بالتعويم في هذا الوقت، الفكرة هي أن السوق اعتمد على إشاعة وليس قرار، ولا يمكن حل الأزمات بالشائعات وتوقعات كان لابد من وجود سياسات واضحة.
-لدينا مصادر رئيسية للدولار وجميعها تراجع بنسب تصل إلى 50%، لماذا لا نجد برامج واضحة من الحكومة لإنعاش هذه المصادر؟
مشكلة الاقتصادي المصري السنوات الماضية أنه اقتصاد ريعي، بمعني أنه يعتمد علي الإيرادات القادمة من السياحة وقناة السويس وخلافة، وفكرة أن الاقتصاد يكون معتمد علي الاستثمارات ومساهمات الزراعة والصناعة، هذه الأشياء هي جوهر الاقتصاد التي تعطيه القوة، لذلك نحتاج أن نركز على القطاعات الإستراتيجية.
مصر لديها مشاكل اقتصادية كبيرة فهي تستورد أكتر مما تصدر وعجز الميزان التجاري يصل إلى 50 مليار دولار، كما أن هناك سلع تنتج في مصر وتستورد من الخارج، لأن سعرها أقل، لدينا أيضا اقتصاد غير رسمي لو تم دمجه بالاقتصاد الرسمي، يمكن أن نوفر ضرائب بأكثر من 300 مليار جنيه، وهناك مشاكل موجوده في المشروعات الصغيرة والمتوسطة مازلنا نبحث لحلول لها.
وعندما ننظر إلى اقتصاد كالاقتصاد الصيني مثلا نجد أن أكتر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي مكون من مشروعات صغيرة ومتوسطة تشارك بإنتاجها، لكن الغريب أن الصندوق الإجتماعي للتنمية لا يجد حلول للأزمات الخاصة بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكن لا شك أنها حل جوهري لأزمة الاقتصاد ككل.
-لكن من أين يأتي الإنتاج والمصانع المتعثرة وصلت لنحو 7000 مصنع خلال أخر 3 سنوات؟
المشكلة أننا للأسف حتى لو وجدنا حلولا لا نجيد تطبيقها فنحن نعيش بيروقراطية، ومشاكل المصانع المتعثرة أبرز مثال على ذلك، كما أننا لا نملك رفاهية الوقت لحل المشكلات والحكومة بدأت بإصلاح اقتصادي لكن المشكلة تؤثر علي محدودي الدخل فأين دور الدولة في الرقابة على جشع التجار والتجاوزات الشديدة التي تحدث هناك أزمة يعيشها المواطن في الوقت الحالي ولا يوجد هناك رقابة ولا تغليظ للعقوبات.