ترامب يتبنى إرهاب الدول

حسان حيدر

لا يقدم دونالد ترامب جديداً بقوله أن المهمة الرئيسية لبلاده في الشرق الأوسط خلال ولايته، ستكون «مكافحة الإرهاب» والقضاء على «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية، فهذا شعار تعاقبت على رفعه إدارتان، جمهورية وديموقراطية، منذ اعتداءات 2001، لكن الجديد أنه يخلط عمداً بين الإرهابيين وبين المعارضين المتطلعين إلى استعادة حقوق بدهية، ويضفي في المقابل «شرعية» من لدنه على دول وأنظمة تمارس الاستبداد والإرهاب داخل حدودها وخارجها، بذريعة أنها تشاركه مهمته.

 

وعندما يقرن معركته المزمعة باستعداده للتعاون مع روسيا والنظام السوري، وبالنتيجة إيران، في محاربة «الإرهابيين» في سورية، ويشدد في الوقت ذاته على انحيازه التام إلى إسرائيل في شكل يقارب الوقاحة أحياناً، يكون اختار عملياً الوقوف في صف إرهاب الدول بحجة مواجهة إرهاب الجماعات، ضامّاً إلى هذه الأخيرة الشعب الفلسطيني بأكمله، بعدما انتقى بين معاونيه بعض كبار المغالين في تأييد الدولة العبرية وسياساتها العنصرية.

 

وإرهاب الدول والأنظمة سابق على إرهاب الجماعات ومشجع عليه. ولو لم يلجأ النظام السوري إلى العنف وسيلة وحيدة للرد على مطالبة شعبه بإصلاحات سياسية لما حمل المعارضون السلاح. وكان فرض قيام دولة إسرائيل بالقوة المسلحة وطرد الفلسطينيين من أرضهم سبباً للمواجهة المستمرة منذ سبعة عقود، ولا تزال إسرائيل تمارس عنفها اللامحدود على سائر محيطها وترفض الاعتراف بدولة فلسطينية ولو على جزء من فلسطين التاريخية.

 

وقد يعتبر البعض أن ما يقال خلال الحملات الانتخابية أو يتخذ من مواقف في حمأة الفوز بها، إنما هدفه تحفيز الناخبين ومواصلة تعبئة المؤيدين وطمأنتهم، وليس بالضرورة أن يستمر لاحقاً أو يطبق. لكن هذه التصريحات والمواقف تعكس عقلية سياسية وتعبر عن قناعات عميقة لدى فريق ترامب ومؤيديه ستجد بالتأكيد طريقها إلى التطبيق ولو جزئياً.

وباختياره حلفاءه الثلاثة، بوتين والأسد ونتانياهو الذين يعربدون في سورية وفلسطين والمنطقة، يصبح من المنطقي توقع أن الحرب على المعارضة السورية التي حشدت لها روسيا أفضل ما في ترسانتها البحرية والجوية والصاروخية، والتي تشارك فيها إيران بمروحة واسعة من الميليشيات المذهبية، مرشحة للتصاعد بهدف خنق الثورة وإنهائها.

 

ويعني ذلك أيضاً أن العسف الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة سيشهد طفرة واضحة بدأت إشاراتها قبل أيام باتخاذ سلسلة من القرارات تستهدف هوية الفلسطينيين من خلال الإمعان في مصادرة أراضيهم لمصلحة المستوطنين، ومنعهم من تأدية مشاعرهم الدينية في مدينة القدس.

 

وكان ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس التي وصفها بأنها «العاصمة الأبدية للشعب اليهودي»، ودعا الفلسطينيين إلى التخلي عن «مناهج الكراهية التي يدرسونها لأولادهم» والامتناع عن تسمية الساحات في مدنهم وقراهم بأسماء «الإرهابيين». واعتبر أيضاً أن «داعش يشكل خطراً على أميركا أكثر بكثير مما يشكله الأسد»، واتفق مع بوتين على «ضرورة تضافر الجهود في إطار مكافحة العدو الرقم واحد المتمثل بالإرهاب الدولي والتطرف».

 

لكن ما قاله وما قد يفعله يتناقض تماماً مع حديثه عن «إعادة السلام والاستقرار إلى الشرق الأوسط»، لأنه يفتح الطريق أمام المزيد من العنف والقهر والاستباحة، ويشجع المتطرفين الذين سيجدون في خطواته المنحازة مزيداً من المبررات لرفضهم نهج الاعتدال والبحث عن تسويات عادلة. أي أن ترامب يدعم في شكل غير مباشر الإرهاب الذي يدعي محاربته عبر تبنيه الإرهاب المنظم الذي يمارسه حلفاؤه الثلاثة الجدد، وإلى جانبهم إيران.

مقالات متعلقة