"ملأتم فكرنا كذبًا وتزويرًا وتأليفا.. أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا؟".. بيت شعر للمصري هشام الجخ، يعبر في سطر واحد عن سلسلة من النزاعات الكروية، ستبقى في ذاكرة كل مصري وجزائري وربما عربي، كان شاهدا على فصولها.
منذ عقود، واللقاءات الكروية المصرية الجزائرية تتسم بالحماس والتوتر الشديدين، ما يتطلب التعامل الحكيم مع مجرياتها كي تخرج إلى بر الأمان، وأزمة مصر والجزائر 2009، كانت نموذجا حيًا يدلل على قدرة الإعلام وبعض "أصحاب النفوذ" تأجيج نار الفتنة في صدور أبناء شعبين شقيقين، لمجرد تحقيق مكاسب سياسية أو تنفيذ "تعليمات عليا"، كما أضحت شاهدا على علو صوت "الموتورين" الذين أشعلوا - بقصد أو بدون - فتيل أحداث كادت أن تتطور إلى ما لا يحمد عقباه.
"مصر العربية" في ذكرى مباراة أم درمان الشهيرة بين منتخب البلدين في تصفيات بطولة كأس العالم 2010، يستعرض 4 من أبرز النماذج التي تسببت في تأجيج نار الفتنة المصرية الجزائرية على مدار السنوات الماضية، سواء بالتحريض، أو سوء التصرف، أو عدم الالتزام بالمبادئ الرياضية التي تدعو إلى الإخاء والتسامح.
1- حسام وإبراهيم حسن:
التوأم إبراهيم وحسام حسن، ضرب بكل قواعد الروح الرياضية عرض الحائط، وأبى إلا أن يكون الشرارة لاندلاع الأزمة المصرية الجزائرية الأخيرة، بما ارتكباه على ملعب شبيبة بجاية الجزائري، حينما كانا يتوليان الإدارة الفنية للمصري البورسعيدي.
ففي 2008، غادرت بعثة النادي المصري بورسعيد للقاء شبيبة بجاية في إياب الدور قبل النهائي لبطولة شمال إفريقيا لأبطال الكؤوس، متسلحة بالتفوق في الذهاب بهدف نظيف.
سارت رياح المباراة بما لا يشتهي حسام حسن ورفاقه، إذ استطاع الجزائريون إنهاء المباراة لصالحهم بالتفوق بهدفين نظيفين، والصعود إلى النهائي بمجموع المباراتين (2 - 1) ذهابا وإيابا.
وبحسب رواية ثابتة عن وكالات عالمية للأنباء فإن حسام حسن، أبدى اعتراضه الشديد على حكم المباراة في الشوط الأول، بسبب إلقاء مشجعي الفريق الجزائري الشماريخ، وتوقف اللعب أكثر من 10 دقائق، ليتخذ الحكم قراره بطرد المدير الفني للمصري البورسعيدي.
قبل نهاية اللقاء بدقائق، قرر حكم المباراة طرد إبراهيم حسن، مدير الكرة، إثر توصية من الحكم الرابع، ما أثار جنون إبراهيم حسن الذي ركل الطاولة الفنية للحكام، واعتدى بالضرب على الحكم الرابع الجزائري.
شاهد اعتداء إبراهيم حسن على الحكم الرابع الجزائري:
هاجت الصحافة الجزائرية وماجت بعد تصرف التوأم، وأفردت مساحات واسعة لما وصفته بـ"بلطجة إبراهيم حسن"، ولعل افتتاحية جريدة الشروق الجزائرية عبر موقعها الإلكتروني عن الواقعة، تؤكد مدى الغضب الجزائري من اعتداء "هيما" على الحكم المساعد.
شاهد رد فعل "الشروق" الجزائرية على اعتداء إبراهيم حسن:
جاء العقاب على قدر الفعل، وتم إيقاف "هيما" لمدة 5 سنوات محليا ودوليا، كما قرر الدكتور علي فرج رئيس النادي المصري آنذاك، إقالة التوأم من تدريب المصري، فضلا عن رفع الحكم الجزائري الدولي جاب الله تواتي، دعوى قضائية ضد إبراهيم حسن، يتهمه فيها بالاعتداء عليه.
لم يكتف التوأم بهذا الحد، وإنما ناصبا كل ما هو جزائري العداء، وساهما بشكل كبير في تأجيج نيران أزمة الجزائر بتصريحاتهم المعادية للشعب الجزائري، والتي تمادى فيها إبراهيم حسن ليهاجم الجماهير الجزائرية التي حضرت لقاء "أم درمان" ويصفهم بـ"المساجين الذين خرجوا خصيصا لحضور المباراة والاعتداء على المصريين".
شاهد مداخلة إبراهيم حسن مع الإعلامي إبراهيم حجازي:
2 - أحمد شوبير:
لعب الإعلامي أحمد شوبير دورا فاعلا في تأجيج نار الكراهية بين الشعبين المصري والجزائري إبان أزمة 2009 الشهيرة، إذ ساهم بتعليقاته واتهاماته للجانب الجزائري، في سكب الزيت على النار ونزع فتيل قنبلة موقوتة كادت تعصف بالعلاقات بين البلدين.
بدأ دور شوبير الرئيس في الأزمة، حينما استجاب لمبادرة صحيفة الشروق الجزائرية في أكتوبر 2009، وسافر إلى الجزائر وتم تكريمه، ليقدم إحدى حلقات برنامجه "الكورة مع شوبير"، على قناة "الحياة"، من مقر الجريدة الأشهر في الجزائر، لتحقق الحلقة التي كان موضوعها نبذ التعصب ومحاولات درء الفتنة بين البلدين الشقيقين أعلى نسب المشاهدة في الوطن العربي، ليتعرض بعدها شوبير إلى هجمة شرسة من الإعلام المصري، ويتم وصفه بعدها بأنه استغل الأزمة ليكسب شعبية بوصفه "الحكيم" الذي حاول منع الفتنة.
شاهد لقطات من تكريم شوبير في الجزائر:
شاهد مدح "الشروق الجزائرية" لشوبير بعد زيارته إلى الجزائر:
شاهد دفاع شوبير عن نفسه بعد زيارة الجزائر:
نقطة التحول:
تبدل الحال 180 درجة، بعد هزيمة المنتخب المصري من نظيره الجزائري في مباراة أم درمان الشهيرة، وما أشيع حينها من أن الجماهير الجزائرية اعتدت على نظيرتها المصرية بالضرب في شوارع الخرطوم، وتناقل روايات صحفية تفيد بأن مشجعي الجزائر كانوا يتسلحون بأسلحة نارية وبيضاء، فخرج شوبير ليعتذر على الهواء عن زيارته للجزائر وقبوله مبادرة التهدئة، قائلا "التكريم ده أنا مش عايزه، ويروح في 60 داهية".
لم يدخر شوبير وسعا بعد ذلك في مهاجمة كل ما يتعلق بالكرة الجزائرية، لدرجة أنه هاجم مانويل جوزيه مدرب الأهلي الأسبق، حينما كان البرتغالي المخضرم يتولى الإدارة الفنية لمنتخب أنجولا في بطولة الأمم الإفريقية 2010، متهما إياه بالتواطؤ مع الجزائر، ومساعدته محاربي الصحراء للصعود إلى الدور الثاني بعد التعادل السلبي بين أنجولا والجزائر في الجولة الثالثة من الدور الأول بالبطولة.
شاهد اتهام شوبير لمانويل جوزيه بالتواطؤ مع الجزائر:
بعد ثورة يناير 2011، خرج شوبير باعترافات مثيرة حول أزمة مصر والجزائر 2009، إذ أكد أنه تلقى مكالمة هاتفية من أحد عناصر "أمن الدولة" يطالبه فيها بتأجيج الهجوم على الجزائر، كما اعترف في وقت لاحق بأن الاتهامات التي وجهها الإعلام المصري للجزائريين كان "مبالغا فيها"، وأكد أن مسؤولين باتحاد الكرة المصري اتفقوا مع بعض قيادات الألتراس، برعاية أمنية على إيذاء بعثة منتخب الجزائر القادمة لخوض مباراة مصر والجزائر في القاهرة، والتي انتهت بفوز مصر بهدفين لصفر، وتساويها في النقاط مع الجزائر.
شاهد.. شوبير: أمن الدولة طالبني بإشعال أزمة الجزائر:
شاهد.. شوبير: الأمن واتحاد الكرة والألتراس اتفقوا على إيذاء منتخب الجزائر.
ويبدو أن الإعلامي المصري اللامع لم ينس الهجوم الجزائري عليه في أعقاب أحداث أم درمان، فخرج عقب مشاركة المنتخب الجزائري الأخيرة في كأس العالم 2014، والتي خرج فيها محاربوا الصحراء من دور الـ16 على يد المنتخب الألماني بصعوبة بالغة، وبعد وقت إضافي، ليؤكد، أثناء استضافته مع الإعلامي خالد أبو بكر ببرنامج "القاهرة اليوم" أن المنتخب المصري كان ليقدم أداء ويحقق نتائج أفضل من الجزائر لو كان صعد إلى مونديال البرازيل.
رد "الشروق" الجزائرية لم يتأخر، وهي التي كرمت شوبير قبل سنوات، إذ حمل أحد تقاريرها عنوان "شوبير يتقيّأ حقدا على الخضر..!"، وافتتحته بالقول: "عاد الإعلامي المصري وحارس المنتخب المصري الأسبق أحمد شوبير لنشر حقده الدفين على الجزائر، محاولا التشكيك في انجاز المنتخب الوطني الجزائري خلال مشاركته في مونديال البرازيل ... الإعلامي والرياضي شوبير كان ضمن ثلة من إعلاميي الفتنة الذين شاركوا في الحملة الإعلامية المسعورة التي تم شنها على الشعب الجزائري".. إلى آخر التقرير.
شاهد.. "الشروق الجزائرية": "شوبير يتقيّأ حقدا على الخضر..!"
3 - الأخضر بلومي:
في عام 1989، التقى المنتخبان المصري والجزائري في الدور الرابع والنهائي للتصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم 1990، وانتهى اللقاء الأول بالتعادل في الجزائر بدون أهداف، وفي المباراة الثانية فاز الفراعنة برأسية حسام حسن الشهيرة، ليصعد المصريون إلى كأس العالم للمرة الثانية في تاريخهم. تخللت المباراة اعتراضات عديدة على أداء الحكم التونسي علي بن ناصر، من طرف لاعبي الجزائر، الذين رأوا أنه انحاز إلى المصريين.
بعد انتهاء اللقاء توجهت بعثة المنتخب الجزائري إلى فندق إقامتها بالقاهرة، الذي أحاط به مشجعون مصريون، نشبت بينهم وبين لاعبي "الخضر" اشتباكات، ترتب على إثرها فقء الأخضر بلومي، نجم المنتخب الجزائري - في رواية أخرى حارس المرمى كمال قادري - عين طبيب مصري متواجد في بهو الفندق يدعى الدكتور أحمد عبد المنعم.
قدم الدكتور أحمد عبد المنعم أكثر من 15 شهادة طبية للسلطات المصرية تثبت تعرضه لعاهة مستديمة، متهما بلومي بالتسبب في هذه العاهة، ما دفع الشرطة للقبض على اللاعب والتحقيق معه، قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة بعد تدخل حكومة بلاده.
أصر الطبيب على الاستمرار في إجراءات التقاضي، وأصدر القضاء المصري أمرا دوليا بالقبض على بلومي، وبحث عنه الإنتربول ووضع صوره في كل المطارات، ابتغاء القبض عليه، وظل بلومي حبيسا داخل بلاده طيلة 18 عاما، ولم يستطع أن يؤدي مناسك الحج خوفا من ملاحقة الإنتربول.
دافع النجم الجزائري عن نفسه بكل الوسائل الممكنة، ولم يترك أي وسيلة إعلامية عربية كانت أو دولية، إلا وأكد فيها أنه بريء من تهمة فقء عين الطبيب المصري، وأن المتسبب هو حارس المرمى كمال قادري.
شاهد.. بلومي لـ"الشروق" الجزائرية: اللاعبون شهدوا أن قادري هو المتسبب في إصابة الطبيب المصري:
بعد العديد من المحاولات الدبلوماسية، قرر الطبيب المصري أحمد عبد المنعم أن يتنازل عن شكواه ضد الأخضر بلومي في 2009، ليسدل الستار على إحدى أهم الوقائع التي أدت لإشعال نار الفتنة الرياضية المصرية الجزائرية.
شاهد.. الطبيب المصري يسحب دعواه القضائية ضد بلومي:
برغم انتهاء الواقعة قضائيا، إلا أن بلومي رفض زيارة مصر قائلا في حوار لشبكة "سي إن إن": "لن أزور مصر، ليس كحقد لي على هذا البلد الشقيق، بل أظل أعترف أن مصر تبقى أم الدنيا، حب من أحب وكره من كره، واحترامي لشعبها وتاريخها الكبير لا يمكن وصفه، لكن السبب وراء عدم تنقلي إلى مصر هو أن ما عشته من ظلم لن أنساه، لأنني قلتها وأقولها في كل مرة، ليس بلومي من اعتدى على طبيب المنتخب المصري، وإنما هو لاعب آخر، وأنا من دفع الثمن".
اقرأ.. بلومي: لن أنسى ظلم المصريين:
4 - الشروق الجزائرية:
يتحمل للإعلام الجزائري هو الآخر، وفي القلب منه صحيفة "الشروق" ذائعة الصيت، جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن إشعال الفتنة بين شعبين شقيقين، فكما تبادل اللاعبون ركل الكرة على المعشب الأخضر، تبارى الإعلام الجزائري ونظيره المصري في اللعب بكرة النار التي أوقدت الكراهية حتى كادت تأتي على أخضر ويابس أواصر متينة منسوجة من فتائل الدين الواحد واللسان العربي والطباع الشرقية.
قادت "الشروق" الحملة الجزائرية على المصريين في 2009 منذ البداية، فبادرت منذ أوقعت القرعة المنتخب المصري مع نظيره الجزائري، باستباق النية السيئة، وتأويل كل ما يرد في الإعلام المصري حول استعدادات الفراعنة للتصفيات، وتحفيزه لمنتخب بلاده، على أنه تقليل وتحقير من شأن محاربي الصحراء.
ومع احتدام المبارزة الإعلامية شيئا فشيئا، تصاعد الخطاب العدائي الجزائري المصري، ففي حين اعتمد الإعلام المصري على منبر القنوات الفضائية للهجوم على المحاربين، اتخذ الجزائريون الصحف قوسًا يوجهون منه سهامهم المضادة.
شاهد.. "الشروق": مودرن سبورت تلفّق أكاذيب عن الشروق وتحرض الشارع المصري ضد أنصار الخضر:
وبعد ادعاء الإعلام الجزائري رشق أتوبيس المنتخب الجزائري بالحجارة في القاهرة، قبل مباراة الـ(2 - 0) الشهيرة، شنت "الشروق وأخواتها" حملة ضارية على مصر، استندت فيها على جزء حقيقي، لتنطلق منه وتنسج حملة منظمة من "الأكاذيب" على لسان من وصفتهم بـ"شهود العيان":
شاهد عيان: جوعونا وتبولوا علينا وأحضروا لنا الرقاصات
وذهبت الشروق إلى تصوير الرشق بالحجارة على أنه "عدوان غاشم" وطالبت بـ"لجنة دولية محايدة".
نحو تشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق في العدوان المصري:
وبعد الهزيمة الصادمة للمحاربين، والهدف القاتل برأسية عماد متعب في الدقيقة الأخيرة من مباراة القاهرة، جن جنون الجزائريين و"شروقهم"، التي نسجت سلسلة من الافتراءات والمبالغات الصارخة التي وصلت إلى حد ادعاء وقوع قتلى جزائريين في ستاد القاهرة، رغم نفي عبد القادر الحجار، سفير مصر في الجزائر آنذاك.
شاهد.. مناصرو الخضر قضوا ليلة رعب في القاهرة:
رضا سيتي: لقنت مواطنا جزائريا الشهادة وهو يلفظ أنفاسه بالفندق وقمت بحماية امرأة فقدت جنينها:
وذهبت الصحيفة الجزائرية إلى اتهام الأمن المصري بالتعدي على "حرمات الجزائريات المحجبات وإجبارهن على خلع الحجاب":
وبعد أن تقرر لعب المباراة الفاصلة في السودان، كان شغل "الشروق" الشاغل هو تحفيز الجزائريين وتصوير لقاء أم درمان على أنه معركة ثأرية لإثبات "الرجلة" ورد اعتبار إهانةالجزائريين في القاهرة.
انتهت مباراة السودان الفاصلة بفوز منتخب الجزائر بهدف نظيف أمن لمحاربي الصحراء الصعود لمونديال 2010، فانطلقت الأفراح في الدولة الشقيقة، وسط اتهامات مصرية بالتعدي على جماهير وفناني الفراعنة في السودان، ما نفته "الشروق" وصورته بـ"الهولوكوست المصري":
بعد المباراة والتأهل، أسكرت نشوة الانتصار جريدة "الشروق" حتى ثمل القائمون عليها، واعتبروا أنفسهم قد دحروا "بربرة" الإعلام المصري، وأغلقوا "دكاكين الفتنة"، و"فجروا"الفضائيات المصرية، بل وذهبوا إلى اعتبار أن نصر المحاربين نسف مشروع توريث جمال مبارك، فضلا عن رسوم الكاريكاتير الهازئة بالمنتخب المصري، والمقالات التي تصف مصربـ"أرض الراقصات"
شاهد.. هكذا فجرت "الشروق" الفضائيات المصرية:
جولة جديدة:
لم يمهل القدر البلدين سوى فترة وجيزة لالتقاط الأنفاس، فكان الموعد في أنجولا، حيث تقدم الفريقان في بطولة الأمم الإفريقية، حتى اصطدما مجددا، في نصف نهائي البطولة، ليثأر الفراعنة برباعية مذلة، وتنتفض "الشروق" ورفيقاتها للطعن في الفوز المستحق للفراعنة، مدعين مساندة الحكم البنيني كوفي كودجي للمصريين، رغم أن الاتحاد الإفريقي أوقف كودجي لعدم طرده فوزي شاوشي حارس المحاربين بعد تعديه عليه في الشوط الأول.