ينتظر الكثيرون خلال الفترة القصيرة المقبلة تنفيذ مشروع الضبعة النووي الذي طال انتظاره، أملا في توليد احتياجات البلاد من الطاقة الكهربائية، بعد أن أصبح الوقود المتوافر غير كاف لتوليد الاحتياجات المحلية للكهرباء.
وتعاني مصر نقصًا كبيرًا في الطاقة الكهربائية، تظهر تداعياته في أشهر الصيف، وتأمل في إنتاج 20% من احتياجاتها من الكهرباء عن طريق مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2020.
"مصر العربية" توضح خلال التقرير التالي القصة الكاملة حول مشروع الضبعة عبر توضيح موقع المشروع وبداية فكرته وميزانيته والهدف منه وآخر ما تم الاتفاق عليه حتى اليوم..
مكان المشروع
تقع منطقة الضبعة، على شواطئ البحر المتوسط في محافظة مطروح بدءاً من قرية غزالة شرقًا حتى قرية فوكة غربا، وتبعد عن الطريق الدولي مسافة 2 كيلومتر.
ومن المقرر أن ينفذ المشروع على مساحة 45 كيلومترًا مربعًا، بطول 15 كيلومترًا على ساحل البحر، وبعمق 5 كيلومترات، وترجع أهمية المنطقة لكونها الأنسب لبناء مفاعل نووي في مصر .
وبحسب الدراسات التي أجريت على الموقع بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول موقع الضبعة، فإن هذا المكان يعد الأفضل لإقامة محطات نووية، إذ أنه يبعد عن حزام الزلازل بالإضافة إلى العديد من المميزات الفنية، بحسب مختصين.
الهدف
ويهدف المشروع إلى توليد الطاقة النووية، التي تعتبر الأرخص سعرًا من المصادر الأخرى، ومن المفترض أن يتم من خلاله تشغيل 4 مفاعلات نووية بقدرات إنتاجية تتراوح من 900 إلى 1650 ميجاوات للمحطة الواحدة.
وحسب البنك الدولي، فإن الطلب على الكهرباء في مصر زاد بنسبة 7% في المتوسط بين 1997 و2004 وينتظر أن يزيد بنسبة 6 إلى 7% خلال السنوات الاربع المقبلة.
البداية
كانت البداية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام1955، عندما قام بتوقيع اتفاقية تسمى "الذرة من أجل السلام" للتعاون في المجال النووي السلمي مع الاتحاد السوفيتي.
وبالفعل أنشأ الاتحاد السوفييتي لصالح مصر مفاعل "أنشاص" بمحافظة الشرقية عام 1961، إلا أن المشروع تعطل بسبب حرب 1967، حين توجهت إمكانيات الدولة جميعها للإنتاج الحربي، وكان أحد أسباب الحرب هو تعطيل المشروع النووي المصري، فليس من مصلحة إسرائيل إنشاء محطة نووية في مصر.
إحياء الفكرة
وبعد حرب أكتوبر 1973، تمت اتفاقية بين مصر والولايات المتحدة لإقامة محطة نووية، ولكن قبل التوقيع فرضت أمريكا شروطا سياسية لم يقبلها السادات وتعطل المشروع مرة أخرى.
وفي الثمانينيات، وضع السادات خطة لإقامة 8 محطات نووية، وتقدمت فرنسا، وتم تشكيل مجموعة مشتركة، وتم اختيار 23 منطقة بمصر، ثم تصفيتهم إلى 3 مناطق يصلحون لتنفيذ المشروع.
وفي عام 2002، أعلنت مصر عن نيتها في إنشاء محطة نووية بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين وذلك في غضون 8 أعوام، وترددت تصريحات من وزير السياحة السابق زهير جرانة، في عام 2004، بعد زيارتة منطقة الضبعة، لتحويلها لقرى سياحية، الأمر الذي أثار جدل كثير من العلماء والإعلاميين واعتبروه قضاء علي حلم توليد الطاقة النووية بمصر.
"شماعة"
وطرحت مصر بعدها مناقصة لإنشاء محطة توليد كهرباء بقدرة 900 ميجاوات في عام 1983، ولكنها توقفت بعد حادث محطة "تشيرنوبل" عام 1986، وحينذاك رفض الرئيس الأسبق محمد حسني تنفيذ المشروع، واتخذت الحكومة الحادث "شماعة" لعدم التنفيذ.
اختيار الضبعة
وبعد مرورو ثلاثة أعوام، من تصريحات زهير جرانة يعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2007 عن موقع أول منطقة نووية لتوليد الكهرباء، ستكون بالفعل منطقة الضبعة.
ويأتي عام 2012 بعهد الرئيس المعزول محمد مرسي، بوعود لأهالي المنطقة بتعويضات ومقابل عادل، لكن لم يقتنع به أهالي المنطقة فنظموا تظاهرات عديدة أدت ذلك إلى توقف المشروع.
خطوة للأمام
في عام 2015 بعد أن تولى السلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأعلن اهتمامه بالمشروع واتجه لتنفيذه، ودخلت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية في مفاوضات جادة مع 3 دول تقدموا بعروض لإنشاء المحطة النووية؛ وهى روسيا وكوريا الجنوبية والصين، وتم اختيار العرض الروسي.
ووقعت الحكومتان الروسية والمصرية اتفاقا للتعاون في بناء وتشغيل أول محطة للطاقة النووية في مصر داخل منطقة الضبعة على البحر الأبيض المتوسط وفقا للتقنيات الروسية الحديثة.
ولم تتوقف الانتقادات لمشروع بعد، إذ قال طلعت السويدي، رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان إن موقع الضبعة يمكن استثماره بمبالغ كبيرة من قبل رجال أعمال في إنشاء قرى سياحية.
وفي شهر مارس الماضي، قال المهندس مدحت كمال، رئيس هيئة المساحة بوزارة الموارد المائية والري، إن الهيئة تمكنت من نزع ملكية أرض مشروع الضبعة النووى بالكامل وتسليمها لهيئة الطاقة النووية، ويجرى حاليًا صرف باقي قيمة التعويضات للأهالي، مشيرًا إلى أنه تم صرف مبلغ ١٣٤ مليون جنيه حتى الآن.
وأكد كمال في تصريحات له أن الهيئة تمكنت من نزع ملكية نحو ١٢ ألف فدان من مشروع أرض الضبعة وتسليم الأرض بالكامل لهيئة الطاقة النووية التى بدأت أعمالها بالفعل وتقوم حاليًا ببناء مدينة سكنية للعاملين فى المشروع وجزء منها لأهالى الضبعة الذين تم نزع ملكية أراضيهم ومنازلهم.
نص الاتفاقية
ونصت الاتفاقية في المادة الأولى على أن يقدم الطرف الروسي قرضا لمصر، بقيمة 25 مليار دولار، من أجل تمويل الأعمال والخدمات الخاصة بمعدات الإنشاء والتشغيل لوحدات الطاقة الخاصة بمحطة الطاقة النووية.
ونصت الاتفاقية على أن يستخدم القرض بواسطة الطرف المصري لتمويل 85% من قيمة كل عقد لصالح تنفيذ الأعمال والخدمات والشحنات المتعلقة بالمعدات، ويسدد الطرف المصري القيمة المتبقية للتمويل والبالغة 15% في أقساط، إما بالدولار أو بالجنيه المصري لصالح المؤسسات الروسية.
ويبلغ أجل القرض 13 عاما خلال المدة الزمنية من 2016 وحتى 2028، بفائدة 3% سنويا، بحسب الاتفاق بين وزارتي المالية المصرية والروسية في صورة دفعات على سنوات، وتكون وزارة الكهرباء هي الملتزمة بتسديد القرض بضمان من وزارة المالية.
وقال الدكتور أيمن حمزة المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء، في تصريحات سابقة، إن تكلفة المشروع الإجمالية تقدر بنحو 29 مليار دولار، على أن يتكلف الجانب المصري ما يقرب من 4 مليارات دولار، ويمول الجانب الروسي بقيمة 25 مليار دولار.
الطائرة الروسية
وذكر مصدر مسئول بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، أن عقد مشروع الضبعة النووى كان من المقرر توقيعه نهاية أكتوبر الماضى، وتم تأجيله بسبب حادث الطائرة الروسية المنكوبة بشرم الشيخ.
وفي سياق ذي صلة، ذكر رئيس شركة "روس آتوم" التي تولت تنفيذ المشروع، أنه سيتم عقد الاتفاقية بالأحرف الأولى مع مصر سيكون في نهاية يناير 2016، ومن المقرر أن تشمل 4 وحدات، تبلغ طاقة كل منها 1200 ميجاوات،
ويكتمل تشييد المحطة النووية خلال 12 عاما.
حظر نشر
وفي شهر فبراير الماضي، أصدر المستشار نبيل أحمد صادق النائب العام، قرارًا بحظر النشر في تحقيقات كانت تجريها النيابة العامة في مشروع إنشاء المحطة النووية بالضبعة، وفقا لما ذكره التلفزيون المصرى فى نبأ عاجل.
وشمل قرار حظر النشر في التحقيقات التي تجري بمعرفة نيابة الأموال العامة العليا، تحت رقم 7 لسنة 2016، جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية المحلية والأجنبية وغيرها من النشرات أيا كانت والمواقع الإلكترونية لحين انتهاء التحقيقات عدا البيانات التي تصدر من مكتب النائب العام بشأنها.
المميزات السبع
ومن أهم بنود العقد أن روسيا ستقوم بإنشاء محطة نووية بقدرة 4800 ميجا وات بتكلفة تصل إلى 5 مليارات دولار للمفاعل بإجمالى 20 مليار دولار، وستقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100% على مستوى العالم.
ويضاف لمميزات الاتفاق أن روسيا لا تضع أية شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة النووية، وإنشائها لمركز معلومات للتقبل الشعبي للطاقة النووية ونشر ثقافة التعامل معها وفوائدها التي ستعود على مصر لحل أزمة الكهرباء والمكاسب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذا المشروع.
وتقوم مصر، بحسب الاتفاق، بسداد قيمة المحطة النووية بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، وذلك من الوفر الناتج من المحطة مع وجود فترة سماح يتم تحديدها بالاتفاق بين الجانبين، علاوة على إنشاء مصانع روسية فى مصر لتصنيع مكونات المحطة النووية محليا وهو ما سيعمل على تطوير الصناعة المحلية فى مصر.
ويشمل العرض أيضًا عقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية فى هذا المجال للمصريين.
وينص العقد على أن توفر روسيا 90% من المكون الأجنبي "عملة الدولة"، وتوفر مصر 10%، لافتًا إلى أن نسبة التصنيع المحلى ستصل إلى 25% لإدخال تكنولوجيا الطاقة النووية للبلاد وبناء كوادر مصرية فى هذا المجال.
يذكر أن أرض الضبعة يمكن أن تستوعب 8 محطات نووية مقرر إنشاؤها على 8 مراحل، وتستهدف المرحلة الأولى إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 1200 ميجا وات بإجمالى قدرات 4800 ميجا وات، والتى سيتم البدء فى إنشائها بداية 2016، ويتم تشغيل الوحدة الأولى فى 2022، والباقى تباعًا حتى عام 2026.
بدء التنفيذ
وتوقع الناطق باسم وزارة الكهرباء المصرية أيمن حمزة عقد إنشاء المحطة النووية، مع شركة روس آتوم الروسية بنهاية العام الجارى وبدء مراحل التنفيذ مع مطلع العام المقبل 2017.
استراتيجيات العمل
وقال حمزة فى تصريحات سابقة إن وزارة الكهرباء سوف تعلن عن استراتيجات العمل فور التوقيع على العقد ، مضيفا أن الاستراتيجية الأولى تستهدف إعلام المواطنين بمراحل تنفيذ مشروع المحطة النووية والترويج للمشروع، والثانية هي استراتيجية للتدريب، وتتضمن إعداد الكوادر اللازمة لتشغيل المحطة النووية فى كافة التخصصات.
أما الثالثة، بحسب حمزة، فهي لتوعية المواطنين بطبيعة الطاقة النووية للأغراض السلمية، خاصة وأن المحطة النووية هي الأولى من نوعها فى المنطقة، وتوضيح إيجابيات تكنولوجيا الطاقة النووية وكيف يمكن أن تساهم فى مخطط التنمية الاقتصادية والقضاء على المخاوف التى لدى البعض من استخدام الطاقة النووية".