بالفيديو| نقص الأدوية والسرطان يتآمران على مرضى الأورام

مرضى أمام معهد الأورام بالقاهرة

على الرصيف المقابل لمعهد الأورام التابع لجامعة القاهرة، كان محمد سيد 35 عامًا يجلس القرفصاء، طأطأ رأسه في الأرض ثم بدأ ينفس دخان سجارته محلية الصنع، يفكر فيما يخبئه له اليوم هل سيعود بوالده الذى اكتشف إصابته بالسرطان قبل ثلاثة أشهر أو ينجح هذه المرة في الحصول على سرير حكومي على نفقة الدولة.

 

محمد الذى يعمل مزارعا بمركز اللاهون بمحافظة الفيوم جنوبي القاهرة، يقول إن الأمور تفاقمت مؤخرا بسبب غلاء أسعار الأدوية، وأسعار الكشف لدى أطباء علاج الأورام لذا نصحه بعض أقاربه بالحصول على كشف على نفقة الدولة بمعهد الأورام بالقاهرة.

 

ويضيف الشاب الثلاثيني أنه خرج منذ الرابعة فجرًا من قريته بالفيوم حتى يصل للمركز مع الصباح وبمجرد الوصول بدأ شقيقه الأصغر بمرافقة والده داخل المعهد للحصول على كشف يرحمهم من نار الأسعار.

 

ويوضح أن أسعار الأدوية ارتفعت في الأيام الأخيرة فقط أكثر من 30% لجانب الكشف الخارجي الذى تضاعفت تكاليفه، مبينًا أن الطبيب الذى ذهبوا إليه في البداية طلب منهم إشاعات مقطعية ورنين، لجانب تحاليل، وفحوصات أخرى.

 

وصلت التكاليف التى دفعها المزارع لوالده قرابة 3000 آلاف جنيه خلال شهرين فقط، وحتى الآن لم يعرف التشخيص الحقيقي لوالده ﻷنه لم يُعرض على الطبيب المختص بسبب كثرة الأعداد والزحام.

 

بعد ارتفاع أسعار الأدوية اضطر محمد للاقتراض لسد تكاليف علاج والده، بعدما تفاقمت المصاريف عليه فهو لا يمتلك دخلا ثابتا، كما أن الأدوية التى صرفت له من قبل المستشفى الحكومي بالفيوم تأثيراته غير فعالة "أبويا مش بينام بياخد الحقنة المسكن وساعة ويقوم يصرخ من الآلم تاني".

 

هوجة الأسعار

 

“كل حاجة زادت الضعف بعد الهوجة الأخيرة اللى حصلت في الأسعار" بهذه الكلمات بدأ محمود سلامة من حي السلام بالقاهرة حديثه، كان ينتظر أمام معهد الأورام إلى أن تخرج شقيقته التى دخلت لتلقي جلسة علاج كيماوي.

 

“ الهوجة التى يقصدها الرجل هي تحرير أسعار الصرف التى أقدمت عليها الحكومة مطلع نوفمبر الجاري، وتحريك أسعار الوقود وبعض السلع.

 

ويضيف سلامة أن الأدوية التى كان يحضرها لشقيقته من خارج المنافذ الحكومية زادت أسعارها الضعف تقريبا حتى أن الصيادلة يمحون الأسعار القديمة المدونة على عبوات الدواء ويضعون أسعار جديدة بزيادة تقترب من 40% أو أكثر في بعض الأصناف.

 

لكن معاناة سلامة لا تتوقف عند أسعار الدواء فتحرك مع هذه الإجراءات الاقتصادية كل الأسعار بحسب كلامه فزادت أسعار سيارات الأجرة والطعام وكل شئ تقريبا، وهو مازاد من معاناة أسرته وخصوصا وأنها تحتوى على مريض سرطان.

 

 

لكن محمود سالم الذى جاء من المطرية مع والدته صباحا لتوقيع الكشف الطبي بالمعهد، اضطر إلى التخلى عن بعض مستلزمات بيته لسد تكاليف العلاج التى تصل لـ500جنيه كل 10أيام مؤكدا أن باقي الأسرة يمكن أن تتحمل نقص في بعض السلع لكن والدته المريضة لن تتحمل آلام السرطان.

 

إجراءات لا تعرف المرض

 

على هامش الرصيف المجاور لمبنى معهد الأورام الجديد كان راشد عبدالله يفترش الأرض هو ونجله أشرف صاحب 13 عاما منتظرا دوره في الدخول.

 

 

قبل ثلاثة أشهر اكتشف الرجل الذى جاء من محافظة البحيرة صباح اليوم السبت متجها للقاهرة وجود ورم في بطن نجله وبعد ذهابه للطبيب أبلغه أنه كيس دهنى ولا يستدعى القلق لكن مع تزايد الآلم اتجه الرجل لمستشفى حميات دمنهور ليكتشف أن ولده مصاب بورم خبيث في الكبد.

 

 

 

" قالولي ابنك عنده بوئرة في الكبد" ولا يمكن الانتظار ويجب أن يحال فورا لإحدى مستشفيات علاج الأورام، وبالفعل أحالت المستشفى الحكومية الطفل ووالده لمستشفى الشاطبي بالإسكندرية، إلا أنه لم يجد مكانا بها، وأوصوه بالانتظار 20يوما حتى يتصلوا به.

 

ما أن انقضت المهلة المحددة للانتظار حتى عاد الرجل بابنه المصاب للمستشفى ليجد الحال لم يتغير وأبلغوه بالانتظار، "ابنى بيروح منى ومش عارف أعمل أيه" عاد بعدها راشد عبدالله صاحب 66 عاما والذى يعمل مزارعا بقرية تابعة لمركز حوش عيسى بالبحيرة لمستشفى دمنهور ليحال لمعهد الأورام بشبين الكوم بمحافظة المنوفية.

 

 

 

في مستشفى شبين الكوم كان الأمر أيسر بالنسبة ﻷشرف ووالده، إلا أن عقبة الإجراءات تعقدت بسبب عدم توجيه أوراق الكشف الطبي الصادرة من التأمين الصحي للمستشفى المراد وطلبت منه إدارة المستشفى العودة لدمنهور لتخلص أوراق نجله.

 

في المنوفية طلب الأطباء بعض الإشاعات والفحوصات وأبلغو الرجل المسن أنه سيحصل على تكاليفها من هيئة التأمين الصحي بمجرد تسليمهم الفواتير التى تحتوى على المبالغ، إلا أنه موظفي الهيئة بدمنهور رفضوا إعطاءه أى بدلات.

 

“بتوع دمنهور قهروني" هكذا يصف الرجل ما حدث معه داخل المستشفى الحكومي، بعدما أنفق قرابة 8 آلاف جنيه على الفحوصات والإشاعات المطلوبة رغم تمتع نجله بمظلة التأمين الصحي، ﻷنه طالب بالصف الثاني الإعدادي.

 

راشد عبدالله ونجله على الرصيف المجاور لمعهد الأورام

 

في آخر مرة قبل تحويل أوراق نجله لمعهد الأورام بالقاهرة اضطر راشد للسفر من المنوفية للبحيرة بعدما ترك ولده مع أحد مرافقي المرضى بمستشفي شبين، "نمت في الطريق ووصلت هيئة التأمين الصحي الساعة 4 الفجر حطيت كرتونة بين الزجاج والحديد وقعدت مستنى للصبح" هكذا يصف الرجل رحلته أمام المكاتب الحكومية للحصول على موافقة لكى يخضع نجله للعلاج.

 

بعد التحويل للقاهرة أصبح الأمر معلقا بضرورة عمل إشاعة مسح ذري بأحد المعامل الحكومية إلا أن معهد الأورام بالقاهرة محجوز حتى 28 ديسمبر المقبل، وبالتالي لن يخضع نجله للكشف حاليا، توجه بعدها لمستشفى 57357 لعمل الإشاعة هناك ليجد الأماكن محجوزة حتى نهاية نوفمبر، بعدها نصحه أحد الأطباء بأن يسأل بمعهد ناصر وبالفعل حدد له موعد 21نوفمبر لعمل الفحوصات المطلوبة.

 

التكاليف العلاجية بمعهد الأورام بالقاهرة مجانية لكن المشكلة تكمن في صعوبة الحصول على فرصة للتداوي بسب كثرة أعداد المرضى وصعوبة تخليص الإجراءات.

 

 

وتسببت الأزمة الاقتصادية الأخيرة والإجراءات التي أقدمت عليها حكومة المهندس شريف إسماعيل بتحرير سعر الصرف لنقص الأدوية خصوصا "الهولكسان والبرينثول وسبيراجيينز" التى تستخدم لعلاج أمراض السرطان.

 

ودشن عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج "صيدلية تويتر"، على موقع التدوينات المصغرة تويتر، وانتقل إلى "فيس بوك" في محاولة لتوفير الأدوية التى تعالج الأمراض المزمنة من خلال جمعها في هيئة تبرعات بعد وجود نقص شديد في كميات هذه الأدوية بالصيدليات والمنافذ الحكومية.

 

 

 

مقالات متعلقة