أعادت الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات التي يقودها المشير خليفة حفتر، والمنبثقة عن مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق) هذا الأسبوع حسابات المجتمع الدولي إزاء تلك القوات، لا سيما بعد توسيع حفتر مناطق سيطرته ونفوذه على الأرض في منطقة بنغازي (شرق)، الأمر الذي قد يؤشر أيضا على إعادة الحسابات الخاصة بالمعادلة السياسية الليبية رغم إقرارها من المجتمع الدولي.
فالخميس الماضي، أعلنت قوات حفتر، سيطرتها علي كامل منطقة القوارشة، غربي مدينة بنغازي (شرق)، التي تعد أهم المناطق التي كان يتحصن بها كتائب مجلس شورى ثوار بنغازي، وتنظيم أنصار الشريعة وعناصر "داعش"، قبل أن تعود، الجمعة الماضية، لإعلان سيطرتها على جزء مهم من منطقة قنفودة، غربي المدينة، مقتربة من إحكام سيطرتها على كامل المدينة.
هذا التقدم على الأرض، جعل الاتحاد الأوروبي يشيد، في بيان له على لسان ناطقة باسم خدمة العمل الخارجي بالاتحاد، بانتصارات "الجيش الوطني الليبي"، وذلك في أول تعليق من الاتحاد يصف قوات حفتر صراحة بـ"الجيش الوطني الليبي".
وحمل بيان الاتحاد الأوروبي اعترافا آخر؛ بوصف الجماعات التي تقاتلها قوات حفتر، في بنغازي بأنها "إرهابية"، وذلك في فقرته التي قال فيها "يدعوا الاتحاد الأوروبي جميع الليبيين للوحدة في الكفاح ضد الإرهاب"، مقدما تعازيه لـ"ضحايا أفراد الجيش أو اللبيبين الذين سقطوا وهم يكافحون ضد الإرهاب في بنغازي".
وفي سياق إعادة الحسابات أيضا، رحب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا "مارتن كوبلر"، بتقدم " قوات الجيش الليبي في بنغازي".
وأكد كوبلر، أن "القضاء على الإرهاب لمصلحة جميع الليبيين"، وذلك من خلال تغريدتين على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وأعادت الصفحة الرسمية للبعثة الأممية على موقع "فيسبوك"، نشرها إحداها.
وقبل كل ذلك كان التغير في الموقف الغربي على ما يجري في بنغازي، صادر من المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا "جوناثان وينر"، الذي أشاد بما أسماها "تضحيات جنود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب في بنغازي".
وقال وينر، في تغريد له على صفحته في "تويتر"، ليلة الخميس - الجمعة الماضي: "تضحيات صعبة من جنود الجيش الوطني الليبي، ذكرت هذا الأسبوع، 20 قتيلاً و40 جريحًا، في اشتباكات مكافحة الإرهاب في بنغازي".
ويخوض الجيش الليبي المنبثق عن مجلس النواب طبرق ضد قوات تنظيم أنصار الشريعة وتحالف كتائب الثوار (قاتلت نظام معمر القذافي في 2011 )، و"داعش"، معارك مسلحة منذ أكثر من عام ونصف بالقوارشة، غرب بنغازي، فيما تصاعدت حدة المعارك في المنطقة قبل أيام.
تلك التطورات على الأرض والتغيير في المواقف التي تحسب لصالح حفتر، وقواته علق عليها نعيم الغرياني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي، قائلا، إن "الغرب لا يعترف إلا بمبدأ القوة، وهو ما يفسر تغير التصريحات بشأن الجيش بعد أن قارب من حسم المعركة لصالحه (في بنغازي)".
الغرياني، يري في حديث للأناضول، أن "الغرب لا يراهن على الحصان الخاسر".
وتابع: "انتصار الجيش حاليا في بنغازي في ظل حظر السلاح الذي يفرضه المجتمع الدولي يحرج الغرب كثيرا، لذلك سارع بعض سياسييه في تبني تلك الانتصارات ومباركتها".
وسابقا، ورغم تحصل قوات حفتر (تضم جميع الوحدات النظامية في شرق البلاد، وبعض الوحدات في غربها، إضافة لمتطوعين) للشرعية بعد اعتراف البرلمان بتلك القوات بعد انتخابه في يوليو 2014، إلا أن المجتمع الدولي سحب الاعتراف بتلك القوات بشكل غير مباشر، لأنها غير خاضعة لسلطة المجلس الرئاسي المنبثق عن جولات الحوار، والذي يعتبره المجتمع الدولي صاحب الشرعية في البلاد.
لماذا حقق الجنرال نجاحات لافتة في الفترة القصيرة الأخيرة؟
وفتحت تلك النجاحات التي حققتها قوات حفتر، خلال الفترة الأخيرة القصيرة، الباب لعديد التساؤلات أهمها لماذا هذا التقدم في الوقت الحالي، بعد أن كانت المعارك في بنغازي تسيير بوتيرة بطيئة جدا، جعلت الكثير من مؤيدي الجنرال يتذمرون بسبب طول فترة الحرب؟
هذا التساؤل أجاب عليه، صالح عبد اللطيف رئيس تحرير صحيفة "الراصد الإخباري"، الليبية (خاصة)، قائلا للأناضول، إن "السر وراء ذلك يكمن في أهمية المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد".
وبأكثر تفصيل، يقول عبد اللطيف، أن "ليبيا الآن تمر بمرحلة هامة يعاد فيها الحسابات السياسية؛ خاصة بعد إعلان نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق علي القطراني، أن كوبلر، وافق على فتح مسودة الحوار من جديد وإلغاء المادة الثامنة منه".
والمادة الثامنة في الاتفاق السياسي، الموقع في 17 ديسمبر 2015، في الصخيرات المغربية، هي سبب الخلاف الحاصل بين رافضي الحوار السياسي، والموافقين عليه، حيث تنص على نقل كافة الصلاحيات السيادية في الدولة إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بما فيها منصب القائد الأعلى للجيش الليبي، (منصب حفتر حاليا).
وعن ذلك يوضح الصحفي عبداللطيف، "يري المشير حفتر، أنه لابد من حصوله على ورقة رابحة خلال الجولة المقبلة من الحوار بعد فشل الحوار السابق، ولن يجد أفضل من ورقة بنغازي في التفاوض؛ بالتالي هو يسعى لإنهاء المعركة والسيطرة التامة على المدينة".
أما جعفر البهلول، المحلل السياسي الليبي، فأيد وجهة نظر الصحفي عبد اللطيف، لكنه ذهب لأسباب أخرى بينها أن "حفتر، لن يستطيع تحمل أوزار وضريبة الحرب أكثر من ذلك"، ويقصد "تزايد التذمر الأهلي في بنغازي، وخاصة المهجرين منها بسبب المعارك؛ بعد أن طالت الحرب في المدينة".
ويري البهلول، أن "حفتر، يهتم كثيرا بالدعم الشعبي له من قبل الليبيين لأنه من أهم الأسباب التي أدت لأن يصبح ورقة هامة، ورقم كبير جدا في المعادلة الليبية".
وأضاف: "مع قرب حسم معركة مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) لصالح قوات البنيان المرصوص، الموالية للوفاق فإن ذلك سيشكل إحراجا كبيرا لقوات حفتر، في حال تم ذلك دون أن تحقق هي انتصارات مماثلة على الأرض ضد الجماعة نفسها (داعش) في بنغازي".
وأوضح: "من يكسب معركة القضاء على الإرهاب سيحكم ليبيا".