مع إحكام قوات الحشد الشعبي (مليشيا شيعية) حصارها لمسلحي تنظيم داعش في مدينة تلعفر بحافظة نينوى شمالي العراق، تتواتر تصريحات من قادة في هذا الحشد عن نية في الدفع بتلك القوات إلى الجارة سوريا؛ بدعوى محاربة داعش، الذي يتخذ من مدينة الرقة السورية مقرا له.
سيطرة الحشد، الموالي لإيران، على تلعفر رأى خبير أمني، في حديث مع وكالة الأناضول، أنها تهدف إلى ربط إيران بسوريا بريا؛ استعدادا لما أسماها معركة حلب الكبرى في مواجهة قوات المعارضة السورية، فيما ذهب خبير عسكري إلى أبعد من ذلك باعتباره أنها خطوة لاستكمال ما يسمى بـ"الهلال الشيعي" (إيران - العراق - سوريا).
وضمن عملية متواصلة منذ أكثر من شهر لدحر داعش، بدعم من التحالف الدولي، تمكنت القوات العراقية من دخول أحياء الجانب الأيسر من مدينة الموصل، مركز نينوى، بعد تطهير مئات القري على أطراف المدينة (450 كم شمال العاصمة بغداد)، فيما يقاتل الحشد الشعبي في غربي الموصل باتجاه مدينة تلعفر (60 كم غرب الموصل).
وفي لقاء متلفز الأربعاء الماضي، قال أمين عام منظمة بدر، القيادي في الحشد الشعبي، هادي العامري، إن هيئة الحشد "تلقت طلبا من الرئيس السوري بشار الأسد للقضاء على تنظيم داعش في الأراضي السورية"، مضيفا أن "قوات الحشد ستدخل سوريا عقب تحرير كل الأراضي العراقية التي يحتلها داعش".
وقبلها بأربعة أيام، قال المتحدث باسم هيئة الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، في مؤتمر صحفي ببغداد، إن "الساحتين السورية والعراقية متداخلتان؛ ما يستدعي الذهاب إلى أي مكان يكون فيه تهديد للأمن القومي العراقي"، مضيفا أن "هذا سيكون من خلال التنسيق بين الحكومتين (العراقية والسورية)".
وفي 29 أكتوبر الماضي، رجح مستشار الأمن الوطني بالحكومة العراقية، رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، أن تدخل قوات بلاده الأراضي السورية بعد تحرير الموصل؛ وذلك بدعوى ملاحقة مسلحي داعش.
هذه التصريحات المتواترة تتعارض مع إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في أكثر من مناسبه، رفضه أي تدخل، مهما كان نوعه، في الشأن العراقي، مشددا في الوقت نفسه على التزام العراق بعدم التدخل في شؤون دول الجوار وبقية دول العالم.
ولا يستبعد الخبير العراقي في الشؤون الأمنية، عبد الرحمن الجبوري، دخول مليشيا الحشد الشعبي الأراضي السورية في المرحلة القادمة، لكنه اعتبر أن "دخولها سوريا مرهون بمعطيات وتطورات ميدانية وسياسية".
على رأس هذه المعطيات تأتي روسيا، حليف الأسد، فبحسب الجبوري في حديث مع الأناضول، "توجد أهمية كبيرة للموقف الروسي في هذا الملف؛ فالنظام السوري و(حليفاه) إيران وحزب الله اللبناني ينتظرون من موسكو موقفا واضحا، فإما الدخول في المعركة حتى نهايتها، وإما عدم دخولها مطلقا".
وفي مدينة حلب السورية (شمال) قرب الحدود مع تركيا، وفقا للخبير العراقي، "تكمن المعركة الكبرى.. والحسابات في هذه المعركة تختلف عن سابقاتها، فإيران ستضع ثقلها إلى جانب الجيش السوري وحزب الله والطيران الجوي الروسي.. والحشد الشعبي في العراق يعمل حاليا على تحرير المحور الجنوبي الغربي في نينوى؛ لملاقاة الحلفاء على الحدود العراقية السورية قرب دير الزور".
وتسيطر قوات النظام السوري على الجزء الغربي من حلب، فيما يخضع الجزء الشرقي لسيطرة قوات المعارضة، التي ترفض الاستسلام، وتحاول فك حصار قوات النظام لنحو 300 ألف مدني في الأحياء الشرقية، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية.
وختم الجبوري بأنه "في حال إتمام السيطرة على حلب، سيعمل عناصر الجيش السوري وحزب الله على إنشاء خط دفاع أول عن المدينة باتجاه الحدود التركية، ثم توجيه الأنظار نحو دير الزور والرقة شرق حلب".
وبحسب الخبير العسكري الاستراتيجي، سلمان الحسن، فإن "إيران تقف خلف مخطط دخول قوات الحشد الشعبي إلى سوريا، حيث ترغب في ربط مناطق نفوذها في العراق بسوريا وصولا إلى لبنان".
الحسن، وهو ضابط رفيع المستوى في الجيش العراقي قبل عام 2003، مضى قائلا، إن "طهران، وعبر مليشيا الحشد الشعبي، تريد جعل تلعفر نقطة ارتكاز لربط إيران، عبر طريق أرضي، بمناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان، لاستكمال تشكيل ما يطلق عليه الهلال الشيعي (ساحات نفوذ وسيطرة إيرانية في المنطقة على حساب السنة)".
ومتحدثا عن أهمية استراتيجية للمدينة العراقية، تابع الحسن أن "تلعفر تمثل محورا رئيسيا على طريق إيران - سوريا، والسيطرة على المدينة يفتح طريق إيران إلى سوريا عبر معبر أرضي، مع تعطل المعابر الأرضية عبر (محافظتي) الأنبار ونينوى (العراقيتين)".
وتتهم منظمات حقوقية دولية، منها العفو وهيومن رايتس ووتش، ميليشا الحشد الشعبي بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السكان المدنيين في المناطق التي شارك الحشد مع القوات الأمنية العراقية في تحريرها من تنظيم داعش شمال وغربي العراق، وهو ما تنفي صحته هيئة الحشد الشعبي.
وترفض غالبية القوى السُنية المنخرطة في العملية السياسية بالعراق، مشاركة مليشيا الحشد الشعبي في معارك تحرير الموصل؛ خشية تكرار أحداث طائفية وانتهاكات ارتكبتها بحق مدنيين، وفقا لتقارير حقوقية محلية ودولية ترفضها هيئة الحشد.
ويشارك في عملية تحرير الموصل 45 ألفا من عناصر الجيش والشرطة العراقية، مدعومين بالحشد الشعبي، وحرس نينوى (أبناء عشائر)، إضافة إلى البيشمركة، وهي قوات إقليم شمال العراق.