على الرغم من تراجع العمليات العسكرية في الموصل والتي دخلت أسبوعها الرابع ضد تنظيم داعش المسلح، إلا أن ساسة وصناع القرار العراقي بدأوا في الإعلان عن مبادرات للإصلاح السياسي والتعايش الوطني عقب القضاء على التنظيم في الموصل، آخرها التي جاءت على لسان زعيم التحالف الوطني العراقي، عمار الحكيم، تحت مسمى مبادرة "التسوية التاريخية".
فتحت سقف الدستور، ودولة المواطنة، وتصفير الأزمات، طرح زعيم التحالف الوطني العراقي، عمار الحكيم، مبادرة "التسوية التاريخية"، وذلك في إطار ما قال إنه سعي منه للملمة الوضع العراقي، وتحقيق المصالحة التاريخية التي يفترض أن تكون حاضرة في عراق ما بعد تنظيم الدولة.
وتضمنت المبادرة عدة بنود وفقرات، منها اعتماد تنوع قوى الاتفاق، حيث وسعت المبادرة من قاعدة القوى المشمولة بالحوار والاتفاق، فهي لم تستثن سوى حزب البعث وتنظيم الدولة، وكل "كيان إرهابي وتكفيري وعنصري".
عمار الحكيم
كما أنها نصت على اعتماد وحدة الرؤية والتمثيل لجميع الأطراف، وطالبتهم في ذات الوقت بتقديم رؤية شاملة، إضافة إلى تمثيل رسمي لممثلي المكونات والأطراف العراقية.
وأوضحت المبادرة أنها ستعتمد على مبدأ العقد السياسي تحت سقف الدستور، وتأكيد دولة المواطنة والمؤسسات، واعتماد مبدأ التسوية الشاملة لا الحلول المبتسرة، واعتماد مبدأ لا غالب ولا مغلوب، وتصفير الأزمات، ورفض استخدام العنف سياسياً، وأيضاً الاعتماد على خطة من خمس مراحل، تبدأ بحسم الرؤية والتمثيل، وتنتهي بالتفاوض الشامل المفضي إلى اتفاق نهائي يصادَق عليه عراقياً.
وأكدت المبادرة اعتماد الشراكة الأممية، وأن تكون بضمانة المجتمع الدولي؛ الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامية، والاتحاد الأوروبي، والدول المؤثرة.
توقيت إطلاق مبادرة "التسوية التاريخية" يحمل الكثير من التساؤلات.. فلماذا الآن؟ خاصة وأنه أتى رغم تعثر الجيش في الموصل، وكذلك بعد وصول ترامب للبيت الأبيض والحديث عن إستراتيجية أمريكية جديدة في العراق، وجوارها عقب التلميحات بحل الاتفاق النووي الإيراني.
الرئيس الإيراني حسن روحاني
المحلل السياسي العراقي اللواء دكتور محمد شنشل قال: إن مبادرة زعيم التحالف الوطني عمار الحكيم لن تنجح، مضيفا أن لهجة تلك المبادرات والمؤتمرات ذات صبغة إيرانية بحتة، وأن تلك المبادرات مخطط لها من قبل.
وأوضح السياسي العراقي لـ"مصر العربية" أن الحكيم يسعى لترتيب الأوراق استباقا لتخوفاته مما قاله ترامب من قبل، " لن يتكلم أحد"، فأمريكا تسعى لجعل العراق دولة مؤسسات، وبالتالي الجميع متخوف.
وتابع: "مبادرة الحكيم ليست هذه المرة الأولى التي يعلن عنها، بل أعلنت من قبل 3 مرات وتم رفضها، والآن يسعى لفرضها لحماية مصالحه، متسائلا: "أي مصالحة يدعون لها، وملشياتهم تنفذ عشرات عمليات الإبادة في بغداد، وأقصد هنا ملشيات بدر.
وعن معركة الموصل، أشار شنشل إلى أن الأمر صعب، بل ومن المستحيل تحرير المدينة الآن.
بدوره، رأى الناشط السياسي العراقي محمد أبو عدنان، أن مبادرة الحكيم يصعب الحكم عليها الآن، فرغم أنها تحمل رائحة إيرانية من حيث التوقيت، بعد الحديث عن تهديدات أمريكا لإيران من جانب، وشعور الأخيرة بضعف دورها مع ترامب، وكذلك التدخل التركي في العراق، إلا أنّ الخطوط العريضة بها تقبل.
وأوضح أبو عدنان لـ"مصر العربية" أن العراق يصعب جمعه من خلال المؤتمرات والندوات، فوقف الحرب والعداء والانتقام الطائفي بداية إرجاع العراق لما قبل 2003، (تاريخ غزو أمريكا للعراق)، مشيرا إلى أن الجميع يتكالب الآن ضد العراق، ويسعى لنيل حصة منها.
وأشار إلى أن تطهير العراق من الدواعش ليس بالسهل، فطالما هناك اضطهاد وانتقام طائفي سيظهر دواعش، وهو ما يتعمد تجاهله ساسة وصناع القرار العراقي حتى في مبادراتهم ومؤتمراتهم.
في حين، قال السياسي العراقي إياد الدليمي: "لا يمكن فصل توقيت المبادرة عن وصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الأصل أن التحالف الوطني الشيعي في ظل استحواذه على كل مفاصل الدولة العراقية بدعم ونفوذ إيراني واضح، أنّه ليس بحاجة إلى أن يتحاور مع العرب السنة، خاصة أنه كثيراً ما ردد أنهم مشاركون بالعملية السياسية، فلا داعي للحوار مع من هم خارج تلك العملية السياسية، كما أن الوضع الإقليمي والدعم الأمريكي اللا محدود لحكومة حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة الشيعي، في أوجها، فما الداعي إذن لمثل هذه المبادرة، التي شملت حتى من حكم عليهم بالإعدام أو ملاحقين خارج العراق؟".
حيدر العبادي
وأضاف: "تقديري أن مبادرة عمار الحكيم هي محاولة إيرانية لاستباق أي خطوات يمكن أن يقدم عليها ترامب لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، معروف أن هذا الرجل صرح بعدائية تجاه إيران، كما أن طاقمه الذي بدأ يشكله له نفس الملامح التي يحملها، وأعتقد أن اللوبي الإيراني القوي في واشنطن سرب بعض المعلومات عما يمكن أن يفعله ترامب في العراق، ومن ثم جاءت إيران بهذه المبادرة لتحصين نفوذها بالعراق، ومنع أي خطوات أمريكية قادمة قد تحجم من هذا النفوذ".
المبادرة- بحسب الدليمي- فيها الكثير من النواقص، فهي ليست على شاكلة مبادرة المصالحة في جنوب أفريقيا، كما أنها تفتقر للكثير من المقومات التي يمكن أن تسهم في إنجاحها، مشيراً إلى أن "نفس الإقصاء ما زال واضحاً فيها". وفق الخليج أونلاين.
في السياق، أكد النائب عن كتلة بدر النيابية، رزاق الحيدري، أن مبادرة "التسوية التاريخية" التي قدمها زعيم التحالف الوطني، عمار الحكيم، جاءت لطمأنة الكتل الأخرى، مبينا أن التسوية ستكون مع الذين انجروا لعداء الشعب العراقي من النظام السابق والذين عارضوا العملية السياسية في البلاد.
وقال الحيدري، في تصريحات صحفية، إن "مبادرة التسوية التاريخية اختلفت بالاسم وهي المصالحة الوطنية باعتبار أن المصطلح الأخير لم ينتج شيئا، مبينا أن التحالف
الوطني المكون الأكبر وطرحه للمبادرة لتكون مؤثرة على جوانب الحياة السياسية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع.
وأضاف أن التحالف الوطني قدم التسوية ليشعر الجميع بالاطمئنان، مشيرا إلى أن المصالحة مع من أنجز لعداء الشعب العراقي إن كان ضمن النظام السابق أو من أنجر لأجندات خارجية ضد العملية السياسية على أن ألا يكون متورطا بالدم العراقي.
ولفت إلى أن بعض الشخصيات قال عنها القضاء العراقي كلمته بحقهم، ولا يمكن المصالحة معهم، والمصالحة لا تعني التدخل بالشأن القضائي، موضحًا أنه إذا كانت هناك إرادة صادقة من جميع الأطراف حتما ستتحقق التسوية الشاملة لكل أطياف الشعب العراقي.