المصالحة بين الإخوان والنظام السياسي المصري، حديث متجدد منذ 30 يونيو 2013، يتوقف لبعض الوقت ثم يعود مجددا لسطح الأحداث السياسية، وتتناقله وسائل الإعلام، ليتلقفه الخبراء والساسة بتعليقاتهم وآرائهم المختلفة.
و بعد فترة ابتعاد ليست طويلة لـ "المصالحة" عن المشهد السياسي المصري، أعادتها مرة أخرى الدعوة التي أطلقها إبراهيم منير، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، للحكماء بمصر والعالم لرسم صورة واضحة للمصالحة بين أطراف الأزمة المصرية، من أجل تحقيق السلم والأمن لكل الأمة المصرية – حسب قوله-، مؤكداً جديتهم في المضي نحو إقرار مصالحة بين جميع الأطراف.
دعوة منير لم تكن الأولى لطلب الإخوان المصالحة، فسبقها في صباح 18 يونيو، إعلان محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، عن وثيقة للتصالح، وهى المرة الأولى التي يقدّم فيها يده للنظام علنا.
ومنذ أحداث فض اعتصامي "رابعة العدوية والنهضة" الموالين للرئيس المعزول محمد مرسي، أُلقى بالعديد من المبادرات في المياه الراكدة للمصالحة، فشلت جميعها.
البرادعي
عقب استقالة الدكتور محمد البرادعي، من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الخارجية، اعتراضا على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة، تقدم بمبادرة للمصالحة، تضمنت الإفراج عن محمد مرسي وكافة معتقلي الإخوان، في مقابل تخلي الجماعة عن العنف والعودة مرة أخرى إلى ما أسماه بأحضان الشعب.
نائب الببلاوي
ثاني محطات مبادرات المصالحة، كانت من داخل مجلس الوزراء، عندما تبنى زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق للشئون الاقتصادية، مبادرة لم يعلن عن تفاصيلها، ولكنها قامت على بعض الأساسيات، تمثلت في عدم الإقصاء السياسي للإخوان طالما نبذوا العنف، والجلوس معهم للوصول إلى نقاط اتفاق تخرج الوطن من أزمته الحالية.
أبو الفتوح
لم يغب الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، عن مشهد المصالحة، حيث طرح أكثر من مبادرة للمصالحة الوطنية، كانت أبرز بنودها إقالة وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، مع تشكيل لجان لتقصي الحقائق بمراقبة دولية للتحقيق فيما وصفها بـ"الجرائم" التي ارتكبت ضد الثوار في عهد مبارك، المجلس العسكري، مرسي والنظام الحالي. كما تضمنت المبادرة، الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وكافة المعتقلين السياسيين، مع دخول الجماعة في المقابل في حوار وطني مع السلطة حينها بعد التبرؤ من كل أشكال العنف.
العوا
دخل الدكتور محمد سليم العوا، المرشح الرئاسي السابق ورئيس لجنة الدفاع عن مرسي، على خط المبادرات للمصالحة بين الإخوان والنظام السياسي الحالي، وتضمنت الإفراج عن مرسي وإعادته رئيسا شرعيا لمصر ولكن منزوع الصلاحيات بحيث يعطي كافة صلاحياته لحكومة مؤقتة وفقا للمادتين 141و142 من دستور 2012 ثم يعدل دستور 2012 المعطل وفقا لخارطة الطريق، ويعقب التعديلات انتخابات برلمانية بعد 60 يوما وتشكل حكومة دائمة تحدد موعدا لانتخابات رئاسية مبكرة.
تحالف دعم المعزول
طرح "التحالف الوطني لدعم الشرعية" المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي، مبادرة للمصالحة من خلال تشكيل لجنة وساطة بين الإخوان والدولة مكونة من "محمود مكي نائب المعزول وشقيقه أحمد مكي وزير العدل السابق مع كل من نادية مصطفى وفهمي هويدي"؛ لإقناع النظام الحالي بالموافقة على عقد استفتاء شعبي على خارطة الطريق مع تنازل التحالف عن فكرة عودة مرسي مرة أخرى إلى سدة الحكم بعد الإفراج عنه وعن باقي المعتقلين من أنصاره، إضافة إلى إعادة مجلس الشورى مرة أخرى لأداء مهامه التشريعية، وفي المقابل إصدار إعلان دستوري يحصن الجيش المصري وقياداته من المحاكمة بتهمة "الانقلاب" على الرئيس المعزول.
جبهة الضمير
محاولة أخرى قام بها السفير إبراهيم يسري رئيس جبهة الضمير ، وشملت مبادرته عودة مرسي رئيسا شرفيا للبلاد على أن تعطى صلاحياته لحكومة مؤقتة مع تحصين كافة أعمال النظام المصري الذي جاء بعد مرسي منذ 30 يونيو متضمنة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ، في مقابل وقف حل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها "الحرية والعدالة" مع الإفراج عن كافة السياسيين من الجماعة وأنصارها، إلا أن تحالف دعم "المعزول" باغته بالرفض.
رجال الدين
برز اسم الشيخ محمد حسان كأحد الشخصيات التي طرحت مبادرات للمصالحة، من خلال 9 نقاط شملتها مبادرته تمثلت أبرزها في "إطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي وإعطائه حصانة كاملة حالية ومستقبلية من أي ملاحقة قانونية، وإعطاء حصانة كاملة للقائمين على 30 يونيو من الملاحقة القانونية في مصر وخارجها".
أبو المجد
في أكتوبر 2013 أعلن الدكتور أحمد كمال أبو المجد ، نجاحه في الوصول لصيغة اتفاق مع بعض قيادات الجماعة للمصالحة، تمثلت في وقف تصعيد الجماعة ونبذها للعنف في مقابل هدنة مع الدولة وعدم اعتقال قيادات الإخوان وهدنة أخرى مع الإعلام، على أن تستمر المفاوضات في تلك الأثناء دون أن تتضمن عودة مرسي بل الإفراج عنه فقط، ولكن لم يكتب لها النجاح.
نافعة والمنشقون
تعاون الدكتور حسن نافعة مع الشباب المنشقين عن الإخوان، في طرح مبادرة للمصالحة، تضمت، اعتراف الإخوان بثورة 30 يونيو مع تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية من الأزهر والكنيسة وبرعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي للجلوس على مائدة التفاوض مع تحالف دعم مرسي، إلا أن الفشل لاحقها أيضا.
العمدة عقب خروجه من السجن ارتدى البرلماني السابق محمد العمدة، جواد المصالحةـ بطرحه مبادرة تتضمن، الاعتراف بالرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر ولكن لفترة انتقالية يتم بعدها انتخابات رئاسية جديدة لا يخوضها هو، الأمر الذي رفضته الدولة والإخوان بل والشعب أيضا.
الرفض في البداية
في فترة ترشحه للرئاسة أعلن السيسي بشكل قاطع رفضه للمصالحة مع جماعة الإخوان، إلا أنه بعد فترة من بداية حكمه حدث تحول في رأيه، فشهدت لقاءاته على مدار العامين الماضيين، تغير نسبي في موقفه، حيث لم يُبد أي اعتراض على الأمر وألقى الكرة في ملعب الشعب بالحديث عن أن قرار المصالحة في يده.
القرار للشعب
ففي 4 نوفمبر 2015، خلال حواره مع هيئة الإذاعة البريطانية" بي بي سي"، قال"جماعة الإخوان جزء من دولة مصر الديموقراطية، والشعب المصري وحده يرجع له القرار في إعطائهم دور آخر في مستقبل البلاد".
وفي سبتمبر 2015، أكد الرئيس أن جماعة الإخوان أزمتها مع الشعب المصري، وليست مع النظام أو الحكومة، قائلًا: "الجماعة قدمت خلال العامين الماضيين انطباعًا للشعب من الصعب نسيانه لما قاموا به من أعمال شغب وعنف"، جاء ذلك خلال حوار له مع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
وخلال مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، علق الرئيس على إمكانية المصالحة مع جماعة الاخوان حاليا، قائلا: "مش هقدر أخد فيها قرار لوحدي، دا قرار دولة، وأنا أكتر واحد أتحت ليهم فرصة في 3- 7، والبيان الذي تم إصداره كان متزنًا للغاية، وأنا مش طالب من حد يغير أفكاره علشاني، أنا بقبل كل الأفكار، لكن مارسوا أفكاركم بدون ما تهدوا بلدكم".
وكما هى العادة اختلف موقف المراقبين للمشهد السياسي تجاه المصالحة، فعقب دعوة منير بشكل رسمي وعلني للمصالحة، فالبداية كانت مع الإخوان أنفسهم عندما أعلن تيار الشباب رفضهم لها ورغبتهم في العودة لما قبل 30 يونيو.
انقسام
انقسم الإخوان إلى فريقين بعد 30 يونيو، جبهة محمود عزت الملقّبة بالقيادة التاريخية، وجبهة محمد كمال (التي يديرها الشباب)، ولا تزال المعركة دائرة بين الفريقين.
وهاجم المنشقون عن جماعة الاخوان المصالحة، رافضين عودتها مرة أخرى للحياة السياسية، وفي هذا الإطار وصف ثروت الخرباوي، إعلان نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير عن الاستعداد للمصالحة مع النظام المصري، بأنه صلح مستحيل.
وكتب الخرباوى، تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، قائلاً: "لم تكن هناك خصومة من آدم ضد إبليس ولكن الخصومة كانت من إبليس ضد آدم، فهل يمكن أن يحدث صلح بين أبناء آدم وإبليس؟!! هذا صلحٌ مستحيل".
الرفض
أما المعسكر الموالي للرئيس السيسي فرفضها بشكل قطعي، فسكينة فؤاد، مستشار رئيس الجمهورية الأسبق، أكدت على أن الشعب هو صاحب قرار إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان من عدمه، مشددة على أنها لا تتوقع موافقته عليها؛ لأن الجماعة أراقت الدماء وأشاعت الفوضى عقب رفضههم لـ 30 يونيو -بحد تعبيرها-. وأضافت فؤاد، لـ" مصر العربية"، أن الشعب عقد من قبل أكبر مصالحة في التاريخ مع الإخوان بانتخابه لهم لقيادة مصر عقب ثورة 25 يناير، إلا أنهم نقضوها ولم يكونوا على قدر ثقة الشعب فيهم، مشيرة إلى أن الجماعة لجأت لحيلة طلب المصالحة للعودة للحياة العامة مرة أخرى، وذلك عقب فشلها في العودة باستخدام العنف والإرهاب.
وأشارت مستشارة الرئيس السابق، إلى أن السيسي أعطى للإخوان أكثر من فرصة قبل قرار عزل مرسي وبعدها للاندماج في الحياة السياسية، إلا أنهم رفضوا الانصياع لآراء الجماهير، رافضة المصالحة مع الاخوان؛ لأنه حسب قولها "لا يجوز منح الأمن والأمان لمن لم يكونوا أمناء على الدولة، ولم يدركوا أخطاءهم حتى الآن".
واتخذ البرلمان نفس الموقف المعارض للمصالحة مع الإخوان، فالسفير محمد العرابي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أوضح، لـ" مصر العربية"،أن التصالح مع الإخوان ليس متاحاً حالياً، كما أن العدالة الانتقالية لا تعني إيوائهم مرة أخرى داخل الحياة السياسية بمصر.
الدستور يُحتم وعلى النقيض كان موقف الحكومة، حيث أكد المستشار مجدي العجاتي وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، أن هناك مصالحة مع الإخوان من غير المتورِّطين في الدماء تجرى يومًا ما، سيكون قريب، مطالبا المعترضين على حديثه بقراءة الدستور.
ويحتم الدستور المصري المستفتى عليه في 2014، أن يسن مجلس النواب قانونا جديدا للعدالة الانتقالية، يضع إطارا عاما للمصالحة الوطنية، ولتعويض ضحايا العنف وفقا للمعايير الدولية.
وفي نفس السياق، أوضح الكاتب عبدالله السناوي، أن السيسي يتعرض لضغوط اقتصادية وسياسية من الدول الغربية، لكي يفتح القنوات السياسية المسدودة في البلاد؛ عبر إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان، وإعادة دمجها في المشهد المصري.
وأوضح السناوي في مقال سابق له بصحيفة الشروق، أن الدول الغربية تخشى حدوث انهيار اقتصادي واجتماعي إذا استمرت الأوضاع في مصر على ما هى عليه؛ من انغلاق المجال العام، واستمرار القمع وحملات التحريض.
وأكد أن النظام في ورطة، حيث أن قبوله بإعادة دمج الجماعة مستحيل، وممانعته مكلفة، مشيرا إلى أن بعض الجهات الأمنية لا تمانع في التصالح مع "الإخوان" بسبب خبرتها السابقة في التعامل مع الجماعة.
قادمة لا محالة
وفي سياق متقارب من السناوي، أرجع الدكتور سعد الدين ابراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، طلب جماعة الاخوان للمصالحة مع النظام المصري، إلى رغبتهم الملحة في العودة للحياة العامة، وعلمهم استحالة حدوث ذلك سوى بإجراء المصالحة.
وقال سعد الدين إبراهيم، لـ" مصر العربية"، إن مطالبة نائب مرشد جماعة الإخوان إبراهيم منير للعقلاء بالتدخل، هى رسالة موجهة للنظام المصري طلباً للمصالحة، ولكن بشكل غير مباشر لحفظ ماء الوجه.
وأكد على أن الدولة لديها استعداد للاستجابة لها حالياً لأنها ستساهم في الاستقرار الذي سيأتي بنتائج إيجابية على المشروعات الاقتصادية التي يقيمها النظام.
ولفت إلى أن المصالحة في مصر لابد من إجرائها لأن الإخوان والنظام السياسي المصري في حاجة لبعضهما، مشيراً إلى أن أبرز ملامحها ستتمثل في العفو عن كل المعتقلين والسجناء السياسيين، وفتح الساحة أمام المشاركة في العمل العام.
الخوف سبب التأجيل
وتابع: " تأجيل المصالحة يرجع لتخوف بعض المسئولين بالدولة من طرح هذا الأمر على الشعب"، فيما يقترح سعد الدين إجراء استفتاء عام لمدى قبول الشارع المصري للمصالحة مع الجماعة.
كما أوضح رئيس مركز ابن خلدون أنه يتحدث عن ضرورة المصالحة منذ عامين، وهناك قبول من الجماعة للفكرة، مشيراً إلى أنه التقى في فبراير الماضي في إسطنبول كل من محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان، ومدحت الحداد، مسئول مكتب الإخوان في تركيا، وطلبا منه أن يكون وسيطاً في إجراء مصالحة مع النظام المصري.
واستطرد: "الاخوان حالياً منقسمين بشأن المصالحة فالقيادات التاريخية للجماعة ترغب فيها، وتريد العودة للعمل السياسي بضمانات فتح مجال الحرية لهم، في الوقت الذي يرفضها الشباب ويريدون العودة لما قبل 30 يونيو".
في الوقت ذاته أشار تقرير صحفي نُشر مؤخراً، إلى أن هناك اتفاقاً يُعد له حالياً بين الجماعة والنظام السياسي المصري برعاية سعودية يقضي بتجميد العمل السياسي للإخوان لمدة 5 سنوات، ولا يقومون بأي عمل مناهض للسلطة الحالية، على أن يكونوا في الوقت ذاته غير مطالبين بتقديم اعتراف رسمي بها، مؤكدين أن الاتفاق يتضمن تجميد الموقف الحالي، وفي المقابل يتم الإفراج عن السجناء وعودة المطاردين والمهجرين إلى منازلهم وأعمالهم السابقة.
وبعد مرور 3 أعوام على أحداث 3 يونيو، هل تخرج المصالحة من نطاق المبادرات الفاشلة، وتُصبح واقعاً، أم تستمر "محلك سر"؟.