إيليا أبو ماضي.. الفيلسوف المجنح بشعره

إيليا أبو ماضي

“كم تشتكي وتقول إنك معدم.. والأرض ملكك والسما والأنجم.. ولك الحقول وزهرها ونخيلها.. ونسيمها والبلبل المترنم.. والماء حولك فضة رقراقة.. والشمس فوقك عسجد يتضرم" أبيات تبعث الأمل حفظها عن ظهر قلب كل من مر على مرحلة الثانوية العامة الفيلسوف المجنح بشعره إيليا أبو ماضي، والذي تمر اليوم ذكرى وفاته الـ59.  

يشتهر أبو ماضي في الكثير من أبياته بالفلسفة والأمل الذي يفوح من رائحة كلماته فهو القائل :”قال: الليالي جرعتني علقما، قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما!، فلعل غيرك إن رآك مرنمًا، طرح الكآبة جانبا وترنما، أتراك تغنم بالتبرم درهمًا، أم أنت تخسر بالبشاشة مغنمًا".

 

في عام 1889 ولد إيليا ضاهر أبي ماضي في المحيدثة بالجزء الشمالي في جبل لبنان، الفقر كان أول عدو ﻹيليا حيث نشأ في عائلة بسيطة الحال، فلم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة، فدخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة.

 

دفعه الفقر لهجر بلاده فرحل إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة مع عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك نشر قصائد له في مجلات لبنانية صادرة في مصر أهمها "العلم" و"الاكسبرس".

 

وكانت مصر أولى محطاته الأدبية، حيث التقى بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع مجلة "الزهور" مع أمين تقي الدين فدعى إيليا إلى الكتابة بالمجلة، فنشرأولى قصائده بالمجلة، وتوالى نشر أعماله، ثم جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم "تذكار الماضي" وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية.

 

كانت تلك الإنطلاقة الأدبية في عمر مبكر ﻷبي ماضي حيث كان يبلغ من العمر وقتها 22 عام، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية فهاجر عام 1912م إلى أمريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916م وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة "مرآة الغرب" وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب.

 

يعد إيليا من أشهر شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، تعرف عل شعراء القلم بالمهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة "الرابطة القلمية" التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث.

 

في 15 أبريل 1919م أصدر إيليا أبو ماضي أهم مجلة عربية في المهجر وهي"مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر، وتحولت عام 1936م إلى جريدة يومية امتازت بنبضها العروبي.

 

لم تخطف القضايا الوطنية، والاتحاه الفلسفي والفكري، قلم إيليا فكتب في إطار رومانسي حالم قصائد عاطفية ومنها نقرأ:”“أي شيء في العيد أهدي إليكِ؟...يا ملاكي وكل شيء لديكِ أسواراً؟ أم دملجاً من نضارٍ...لا أحب القيود في معصميكِ أم خموراً؟ وليس في الأرض خمر...كالذي تسكبين من عينيكِ أم ورداً؟ وليس أجمل عندي...كالذي قد نشقت من خديكِ أم عقيقاً كمهجتي يتلظى...والعقيق الثمين في شفتيك ليس عندي شيء أعز من الروح...وروحي مرهونة بين يديك".  

تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة وأصدر عدة دواوين أهمها "تذكار الماضي، تبر وتراب، الجداول، الخمائل، ديوان إيليا أبو ماضي".

 

توفي أبو ماضي على إثر نوبة قلبية أسكتت قلبه في 13 نوفمبر 1957.

 

ومن أشعاره نقرأ:-

أقبلَ العيدُ ، ولكنْ ليسَ في الناسِ المسرَّهْ لا أَرى إلاَّ وُجُوهاً كالحاتٍ مُكْفَهِرَّهْ كالرَّكايا لم تَدَعْ فيها يدُ الماتحِ قطرَهْ أو كمثلِ الرَّوضِ لم تَتْركْ به النكباءُ زهرَهْ وعيوناً دَنقتْ فيها الأماني المُسْتَحِرَّهْ فَهْيَ حَيرى ذاهلاتٌ في الذي تهوى وتكرَهْ وخدوداً باهتاتٍ قد كساها الهَمُّ صُفْرَهْ وشفاهاً تحذرُ الضحكَ كأنَّ الضحكَ جمرَهْ ليسَ للقومِ حديثٌ غير شكوى مستمرَّهْ قد تساوى عندهُمْ لليأسِ نفعٌ ومضرَّهْ لا تَسَلْ ماذا عراهُمْ كلُّهم يجهل ُ أمرَهْ حائرٌ كالطائرِ الخائفِ قد ضَيَّعَ وكرَهْ فوقَهُ البازِيُّ ، والأشْرَاكُ في نجدٍ وحُفْرَهْ فهو إنْ حَطَّ إلى الغبراءِ شَكَّ السهمُ صدرَهْ وإذا ما طارَ لاقى قشعمَ الجوِّ وصقرَهْ كلُّهم يبكي على الأمسِ ويخشى شَرَّ بُكْرَهْ فهمُ مثل عجوزٍ فقدتْ في البحرِ إبرَهْ

مقالات متعلقة