عندما تضيق بك أرض الوطن ولا تجد طريقًا غير عبور المحيطات بحثًا بر أخر للنجاة للحياة، لم يكن ببالك في تلك اللحظة سوى الهروب من الواقع الذي تحياه، دون لحظة تفكير واحدة ما الذي ينتظرك بالبر التاني. لا ترتبط هذه القصة بعالم محدد أو دول بعينها، فحلم الهجرة يراود كل من يعانون من الفقر أو ذات مستوى مادي متدني أي كانت دولهم، فظروفهم هي من تقرر وتحدد مصيرهم، لتتكرر مرارًا في أرجاء هذا العالم. وخلال 108 دقيقة عاش جمهور القاهرة السينمائي لحظات حرجة مع "آنا" في فيلم "حياة آنا" حين تصبح الإنسانية أقصى طموحات البشر. "آنا" أم شابة لطفل مصاب بالتوحد، تجد نفسها وحيدة بعد أن تركها زوجها لتعاني من قسوة الحياة وفقرها.
ومن الدقائق الأولى يرواد "آنا" حلم واحد هو أن تهاجر إلى أمريكا، بعد أن فقدت كل أمالها في العيش بسعادة. تعمل"آنا" العديد من الأعمال في وقت واحد حتى تستطيع أن تعالج ابنها في أحد الأماكن المتخصصة، ففي الصباح تعمل نادلة، كما تخدم في أحد البيوت، وبالرغم منذ ذلك فهي بالكاد تستطيع أن تجمع قوت يومها.
"ماهي معاييركم.. هل يجب أن أكون مشردة" فهذه الكلمات التي كانت ترصخ بها "آنا" عندما قررت أن تلجأ إلى بلدها حتى تحصل على دعم مادي يعينها، ولكن اللجنة المخصصة ترى أنها بالرغم من كل ظروفها لا يجب أن تحصل على الدعم فهناك أناس لا يعرفون شكل النقود في هذه البلد وهم يستحقونها أكثر منها.
وتخرج "أنا" من المكان حاملة خيبات فشلها في الحصول على الدعم وهمومها في حياتها القادمة، ليزداد هوسها بالحلم الأمريكي.
وتقف "آنا" أمام شباك السفارة الأمريكية أملا في الحصول على تأشيرة وبعد العديد من اﻷسئلة تتلقى جوابًا بالرفض وبعد أن ينتابها الغضب، تعود إلى الشباك تتسائل "هل يمكنني التقدم مرة أخرى"؟، ربما هذا تكرار هذا السؤال يوضح تمسك "آنا" بالرحيل مهما كان الثمن. لا تجد البطلة مفر من أن تسلك طريق غير شرعي للهجرة إلى أمريكا، بعد أن اقتراح صديقتها فهي تعرف أحد أشهر العاملين في الهجرة غير الشرعية، ولكنها تُصدم بعد معرفتها بالمبلغ الكبير الذي تتطلبه هذه الرحلة. وتظل "آنا" عالقًة بين حلمها بالسفر ومحاولة الحصول على المال، هل تبيع شقتها وكيف ستؤمن مستقبل ابنها، ولكنها لا تجد مفرًا من سلك طرق غير شرعية لتحقق حلمها. وقررت "آنا" التضحية بأشياء كثيرة من أجل الهجرة، وفي لحظة فارقة يخبرها الرجل بأن رحلتها إلى أمريكا تتطلب منها بعض المغامرة وعليها السفر إلى المكسيك أولا، مما افقدها صوابها فهي تحملت الفقر، وباعت الشقة التي تملكها من أجل السفر، ولكن هذا الحلم الذي كان يقترب أصبح بعيدًا مرة أخرى، فتطلب من الرجل أن يعيد أموالها. وبعد محاولتها للحصول على أموالها التي باءت بالفشل، قررت أن تخطف ابنة الرجل، لكن مشاعر الأمومة جعلتها تندم على فعلتها بعد تعرض الطفلة للضياع، لتبحث عنها بكل حواسها ومشاعرها وفور إيجادها تأخذها بين احضانها، فالحاجة أحيانا هي من تتحكم بنا وتجعلنا نسلك سبل لم نتخيل أننا قد نلجأ لها.
ومع كل تلك الأحداث وبين الضياع والحلم تشعر "آنا" أن الحرية تكمن داخلها في اختيارتها وتصرفتها. جاءت ملامح المدينة ملائمة لطبيعة الأحداث فالعمارات والأحياء السكنية التي استعادت بها في الفيلم بنيت بطريقة عشوائية مناسبة للحالة العامة للعمل.
أما أداء البطلة فكان متوازنًا بين لحظات الصمت في محاولة التغلب على ظروفها وقهرها، ولحظات انفجارها بسبب معاندة الظروف لها.
و"حياة آنا" إخراج نينو باسيليا، وبطولة أيكاترين ديميترازي، ولاشا مورجكنيلي، ولي لي أروكرونشيدز.