من المبكر الحكم على نجاح العصيان المدني الذي دخل يومه الثاني في السودان احتجاجا على القرارات الاقتصادية التي اتخدتها الحكومة مؤخراً، لكن ثمة مؤشرات تفيد بأنه سيلقى اهتماما كبيرا من النظام خاصة بعد ظهور شوارع الخرطوم خالية من أي نشاط.
ودعا ناشطون سودانيون لبدء عصيان مدني الأحد في جميع المرافق بالتوقف عن العمل بجميع المؤسسات الحكومية والخاصة، يستمر حتى الثلاثاء المقبل احتجاجًا على قرارات تقشفية أقرّتها الحكومة وسط أزمة اقتصادية خانقة.
وتعتبر هذه الإجراءات الأحدث في تاريخ الخرطوم، ضمن خطة تقشف لجأت لها الحكومة منذ 2011 لتعويض الفارق الذي خلَّفه انفصال جنوب السودان مستحوذًا على 75 % من حقول النفط.
شوارع خالية
وبدت شوارع العاصمة السودانية الخرطوم هادئة حيث أظهرت صور ومقاطع فيديو نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدون للإضراب العام في البلاد الشوارع خالية من المارة، فيما لم يتأكد امتناع عمال المؤسسات الخدمية بشكل كلّي عن العمل، كما كان متوقعا.
وتتواصل دعوات المعارضين داخل السودان وخارجه لحثّ المواطنين على دعم العصيان المدني، وسط مطالبات من أحزاب المعارضة بإسقاط حكم الرئيس عمر حسن البشير، الذي يزور الإمارات العربية المتحدة حاليا.
وحظيت دعوات الاعتصام بدعم قوي من أحزاب سياسية معارضة وحركات مسلحة في الخارج، وسط تنامي الاحتجاجات اليومية في البلاد.
تنامي الاحتجاجات
وقطع حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي بضرورة إسقاط نظام الحكم القائم في البلاد، بعدما اتهمه بالطغيان والجبروت وارتكاب الجرائم بحق المواطن والوطن، وأكد أنه لا خيار للشعب السوداني غير مواجهته سلميا حتى إسقاطه.
ولم تقف حركة التصعيد عند بعض الأحزاب بل تخطتها لتعلن الجبهة الثورية -التي تضم فصائل عسكرية وأحزابا مدنية- أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما أسمته ببطش النظام ضد المواطنين.
كما أعلنت مجموعات مهنية مستقلة شملت صحفيين وإعلاميين ومهندسين وأطباء، دعمها لدعوة نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالدخول في عصيان مدني عام.
تأثيرات العصيان
وبسبب العصيان تأثر قطاع التعليم، حيث أغلقت بعض المدارس أبوابها، سيما المدارس الخاصة، كما منحت بعض المدارس طلابها عطلة لمدة ثلاثة أيام استجابة لدعوة العصيان.
ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعى عشرات الصور التى تظهر ضعف الحركة فى شوارع ولاية الخرطوم وإلزام الكثيرين منازلهم.
تفاعل شعبي
بدوره قال الناشط السياسي السوداني محمد إدريس، إنه من المبكر الحكم على نجاح العصيان المدني، لكن بلا شك فإنه لقى تجاوبا كبيرا من المواطنين، وبدا واضحا عدم قدرة السلطات التعامل مع الوضع خاصة أن الشوارع خالية، لافتاً إلى أن النظام يجيد التعامل مع الاحتجاجات وجها لوجه فقط.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن السياسات الاقتصادية التي يدار بها السودان هي السبب في جميع المشاكل الحياتية للمواطن السوداني، ومن حق الشعب أن يعبر عن رأيه الذي كفله له الدستور، لرفض مثل هذه القرارت.
وكان مجلس الوزراء السوداني اعتمد قرارات بنك السودان المركزي بتحرير سعر صرف الدولار لاستيراد الأدوية بنسبة 130%، وتحرير تحويلات المغتربين وتذاكر الطيران للشركات الأجنبية، وإعادة العمل بسياسة الحافز بدفع قيمة الدولار بالسعر الموازي 15.800 جنيه للدولار بدلا من سعره الرسمي 6.86 جنيهات للدولار عند شراء النقد الأجنبي.
واعتمدت زيادات في أسعار الكهرباء والوقود ليصبح سعر لتر البنزين للمستهلك بـ6.17 جنيهات (نحو دولار) بدلا من 4.67 جنيهات بمعدل زيادة بلغت 1.5 جنيه لكل لتر وبنسبة زيادة بلغت 32%، أما لتر الجازولين فأصبح بـ4.11 جنيهات بدلا من 3.11 جنيهات بزيادة بلغت نسبتها 32%، في وقت صار سعر لتر الكيروسين 18.8 جنيهًا.
انطلاق شرارة
وقال الدكتور سيد حسين ـ مدير مركز عرب للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه من الممكن أن تكون تلك الاحتجاجات بداية الشرارة التي تطيح بالبشير الذي أحكم قبضته على السودان بشكل، حتما سيؤدي للانفجار.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن السودان بلد يتآمر على نفسه من خلال المكونات السياسية الداخلية التي تختلف في أيديولوجياتها، كما أن القوى الحزبية نفسها لديها أجندات وارتباطات خارجية تشكل خطر على السودان.
ولفت إلى أن نظام البشير يستغل الانقسامات السياسية التي أدت لتفتيت البلاد وانفصال الجنوب، لتمرير مثل هذه القرارات الاقتصادية في توقيت صعب، من الممكن استغلال ذلك خارجيا على الرغم من أن السودان لايحتاج للاستغلال الخارجي لأنه بالطبع مستغل.