حازم حسني: 3 عورات في فيلم العساكر

حازم حسني

انتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حازم حسني، فيلم "العساكر" الصادر عن قناة "الجزيرة"، حول التجنيد الإجباري في مصر، مؤكدًا إنه احتوى على 3 عورات.

 

وكتب "حسني" عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك": "عودة إلى الفيلم الوثائقي القطري عن الجيش المصري، وفيلم إدارة التوجيه المعنوي للرد الإستباقي عليه.. ولأبدأ بهذا الأخير، فهو فيلم دعائي، يزين الواقع بما لا يحتمل، ويظهر المجندين وكأنهم فى رحلة سفاري تنظمها شركة سياحية خمس نجوم شعارها هو "راحة الزبون"!.

 

وتابع: "نعلم جميعاً ما في الخدمة العسكرية من خشونة ومن ضغوط نفسية وبدنية، مما تتطلبه طبيعة الخدمة العسكرية؛ وقد يصلح مثل هذا الفيلم فقط في بث حب الجندية في نفوس الناشئة، وفي التخفيف عن أهالي المجندين، لكنه لا يثبت واقعاً مختلفاً عما يعيشه المجندون بالفعل فى معسكراتهم!".

 

وأكد "حسني": "طبيعة هذا الفيلم الدعائي المصري لا علاقة لها بطبيعة الفيلم الوثائقي القطري، الذى ينتمي لما يعرف بالإعلام الاستقصائى، وهو نوع من الإعلام اللازم للحفاظ على صحة المجتمعات الإنسانية المعاصرة، بكشف السلبيات والبحث عن الحقائق غير المرئية أو عما هو وراء الخبر - أو أمامه - من كواليس، .. إلخ؛ أي هو نوع الإعلام الذي لا نعرفه في مصر إلا على سبيل إلهاء الشعب عن قضاياه الهامة، مثلما رأينا فى قضية الحمامات العامة، التي حولها الإعلام الفاسد إلى أوكار لممارسة الشذوذ، أو مثلما رأينا في حفلة موسيقى الميتاليك، التي حولها نفس الإعلام الفاسد لطقوس عبادة الشيطان، والقائمة تطول!".

 

 

وأضاف أستاذ العلوم السياسية: "شاهدت الفيلم القطري مساء أمس، وهو ليس فيلماً تافهاً كما حاولت أذرع النظام الإعلامية وكتائبه الإلكترونية أن توهم جموع المصريين، الذين ربما ما كانوا قد انتبهوا للفيلم لولا الدعاية المجانية التى قدمها له النظام!.. على الرغم من هذا، فإن الفيلم تشوهه موضوعياً ثلاث عورات".

 

"أولى عورات الفيلم أن من أنتجته وقامت ببثه هى قناة "الجزيرة"، الذراع الإعلامية القطرية، التى نعلم موقفها من الجيش المصرى بعد 30 يونيو، كما نعلم موقفها من محاولة التطاول فى البناء على حساب العملاق المصرى - الذى صار رجل الشرق الأوسط المريض - منذ ما قبل 30 يونيو بسنوات؛ فهو إذن فيلم غير مبرأ من الغرض، ويتناول شأناً وطنياً مصرياً بغرض البحث عن ثغرات تسمح لقطر "الفتية" أن تنال من مصر التى شاخت دولتها وأخذت شمسها الذهب فى الأفول منذ عقود تحت سمع وبصر الجميع؛ ولو أن هذا الفيلم كانت قد أنتجته وبثته قناة مصرية بهدف استعادة شمس مصر الذهبية لكنا قد صفقنا له جميعاً لأنه يزيح الكثير من الغمام الذى غطى على هذه الشمس حتى نسيت الأجيال الجديدة أنها كانت موجودة أصلاً!".

 

"ثاني عورات الفيلم أنه انتقائى، وإن كانت انتقائيته تسير عكس اتجاه الانتقائية التى سار عليها فيلم إدارة التوجيه المعنوى، فكلاهما فى الانتقائية سواء! كما أنهما وقعا فى نفس أخطاء التعميم الذى لا هدف له إلا التعمية عن رؤية الحقائق الإيجابية منها (رغم وجود السلبيات) والسلبية (رغم وجود الإيجابيات) ! ... نعلم أن قوام الجيش المصرى هو التشكيلات المقاتلة، لكن هذا لا يمنع من وجود هذا القطاع من المجندين "الغلابة"، الذين ركز عليهم الفيلم الوثائقى القطرى، ممن لا يستفيد منهم الجيش فى التشكيلات القتالية، ويعاملون بالفعل هذه المعاملة التى صرح بها من أدلوا بشهاداتهم فى الفيلم الذى أثار كل هذه الزوبعة الإعلامية!".

 

 

ثالثة العورات (من وجهة النظر المصرية) أنه أصاب الكبرياء المصرى فى مقتل، فبعد عقود من تكثيف توجيه موارد الدولة لدعم القوات المسلحة حتى تحتل مكانة متقدمة فى جداول تصنيف الجيوش العالمية (مع تحفظى على معايير هذه التصنيفات الخادعة)، وبعد أن فقد المصريون القدرة على الفخر بأى شئ آخر فى بلادهم بخلاف ما تبقى لهم من كبرياء انتساب هذا الجيش لهم، فإذا بهم يواجهون بإعلام استقصائى (متحيز ولا شك، ومغرض بلا أدنى مواربة) يطعن هذا الكبرياء، وينزع عنهم ما تبقى لهم منه، الأمر الذى طغى - عند شعب لم يتعود على التفكير النقدى - على ما تبقى للمصريين من الحكمة الفطرية، ودفعهم بلا وعى إلى الدفاع الفطرى عن الممارسات السلببية التى ركز عليها الفيلم بمنطق "أنا واخويا على ابن عمى، وانا وابن عمى على الغريب" .. الأمر الذى جعلهم غير قادرين على أن يروا فى ضارة الفيلم نافعة تعيد لهم كبرياءهم القومي!".

 

وأكمل "حسني": "هذا الكبرياء القومي المهدد دائماً فى الفضاء الإعلامي، وفي الواقع الاقتصادي، وعلى أرض الواقع فى سيناء، وفى غير ذلك كله مما يحيط بنا فى عالم لا يعرف إلا لغة العقل وإلا طريق الرشاد، لا يمكن له أن يعود فتياً كما كان، ولا يمكن للدولة أن تستعيد شبابها بعد كل ما أصابها من مظاهر الشيخوخة التى تفضحها حالة الخرف التى وصلنا إليها إلا إذا عملنا بالحكمة المأثورة - مع بعض التصرف - وهى أن ننصر جيشنا ظالماً أو مظلوماً!".

 

وتابع: فأما نصرته مظلوماً فلأننا لا نستحق هذه الدولة، ولا نحن نستحق تاريخها وأصولها الحضارية، إذا لم ندرك جميعاً - مدنيين وعسكريين - أهمية الجيش وحقيقة مكانه ومكانته فى بنية الدولة المصرية، وفى بنية معادلات الحكم فيها لا معادلات السياسة والاقتصاد! ... وأما نصرته ظالماً فبأن نواجهه بأخطائه، وبظلمه لنفسه قبل ظلمه لأهله من هذا الشعب الذى لم يجد من يحنو عليه أو يرفق به، فلا أقل من أن يرفق الجيش بنفسه بأن يعمل بالحكمة القائلة: "امشى عدل، يحتار عدوك فيك" ! ـ

 

مقالات متعلقة