ضاعت هيبة الزى الأزهري، بعد أن كان رمزا للعزة والفخر، وكان يميز رجال الدين الإسلامي الحقيقيين عن غيرهم، بسبب أعمال فنيه شوهت صورة من يرتدي هذا الزى بتصويرهم على أنهم تجار دين يفتون على حسب الهوى تارة، أو بتصويره كشخصية أكولة يسيل لعابها لرؤية الطعام- على حد تعبير بعض المنتسبين للمؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر-.
وازداد الوضع سوءً - حسب قولهم - بظهور أدعياء لا يعرفون عن الإسلام شيئا، خلطوا الأوراق من أجل شهرة زائفة وإحداث بلبلة فى المجتمع ومن هؤلاء " الشيخ ميزو، ومصطفى راشد، وغيرهم ممن خرجوا على الساحة الإعلامية مؤخرا لتحليل الخمر والزنا، والطعن فى سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم-، ولم يعد الزى الأزهري، زيا يميز علماء الدين الإسلامي الوسطيين أمثال الشيخ محمد عبده والمراغي وشلتوت، وعبد الحليم محمود وجاد الحق، وآخرين، عن غيرهم من عامة الشعب.
وفى الوقت الذى تسابق فيه الأدعياء على ارتداء الطربوش الأحمر الملفوف بعمامة بيضاء وجبة وقفطان والذى يرمز للعزة والفخر، عجزت مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف على الوقوف بالمرصاد ضد هؤلاء، واكتفت فقط بتحفيز أبنائها على ارتدائه إما للحصول على بدل الزي كما يحدث فى الأوقاف، أو أن تكون الأفضلية في الترقيات لمن يرتديه كما قال المسئولون فى الأزهر، وغضت الطرف عن من يرتديه من غير المتخصصين من أبنائها.
التأصيل الشرعي وعن التأصيل الشرعي للزى الأزهري، أكد الشيح عاشور محمد، أحد علماء وزارة الأوقاف المعارين فى إسبانيا، أن ارتداء الزي الأزهري "مسألة استحسانيه، لا يوجد نص شرعي يلزم بها".
وذكر عاشور أن الإمام الشافعي كان يرى ضرورة أن يرتدي أصحاب كل صنعة زيا يميزهم عن غيرهم، خاصة أهل الدين.
وأضاف عاشور: "الزي شيء رائع، أشعر بعزة وفخر وأنا أرتديه، وأجني من ورائه ثمرات كثيرة، فعندما أسير فى الشارع بالزي الأزهري أجد الناس تأتي إلي تسألني فى أمور دينها ودنياهم، وعندما أخلعه أتحول لشخص عادي من عامة الشعب، نحن ندل الناس على الله بهذا الزي ونفيدهم عندما نكون أهلا له، كما أنه رمزا للعلماء ومن يسيء إليه فقد أساء للدين".
أعيدوا للأزهر هيبته وبدوره طالب الكاتب الصحفى فاروق جويدة في مقال له، الشرطة بإلقاء القبض على هؤلاء الأدعياء الذين يتحدثون فى شئون الدين بغير علم أو ثقافة أو فهم ويسيئون للإسلام ويضللون المسلمين، مطالبا الدولة المصرية والقائمين على زمام الأمور فى المؤسسة الدينية بأن يعيدوا للأزهر هيبته.
وتساءل في مقاله، ما الذى يمنع الأزهر الشريف أن يمارس حقه فى حماية هذا الزى التاريخى الرفيع حتى لو لجأ إلى الشرطة بحيث تقتحم الاستديوهات وتلقى القبض على مشايخ الغفلة الذين يرتدون الملابس الأزهرية ويعتبرونها جواز سفر إلى الحديث فى الدين حتى ولو كان نوعا من التخاريف؟
وتابع : " لماذا لا يصدر الأزهر قرارا يمنع ارتداء زيه إلا للعاملين فى جامعته أو من الدعاة أو الأساتذة وهل يحق لأى مغامر أن يستخدم اسم الأزهر بما يسىء لهذه المؤسسة العريقة؟
وأضاف جويدة أن هذه النماذج التى تتمسح فى الإسلام وتسىء إليه وتدعى أنها تتكلم باسم الأزهر ثم يخطئون فى تلاوة القرآن وينكرون الأحاديث والسنة ويشوهون رموز الإسلام عبر تاريخه الطويل.. هل كان يمكن أن تظهر هذه الوجوه فى عصر الشعراوى وخالد محمد خالد ومحمد الغزالى والشيخ شلتوت وعبدالحليم محمود؟"، مشيرا إلى أنه حين يفلت الزمام يسود الأدعياء وأصحاب القلوب المريضة.
الإعلام السبب من جانبه حمل الدكتور عبد المنعم فؤاد، عميد كلية الوافدين بجامعة الأزهر، وسائل الإعلام المسئولية الكاملة عن ظهور أمثال الشيخ ميزو ومصطفى راشد، قائلا :" الإعلام هو من جاء بهؤلاء واشترى لهم الزى وسوقهم للناس على أنهم رجال دين، فى الوقت الذى تبرئ منهم الأزهر"، مشيرا إلى أن الأزهر يعاني كثيرا مع وسائل الإعلام عندما يدفع بأحد أبنائه للظهور والدفاع عن الدين.
وطالب "فؤاد" فى تصريحات لـ"مصر العربية"، مجلس النواب بإصدار قانون يحرم ارتداء الزى الأزهري على غير المتخصصين من أبنائه، وأن يعامل معاملة زي رجال الشرطة والجيش.
وافقه الرأي الشيخ محمد عبد الرازق رئيس القطاع الديني السابق بوزارة الأوقاف، الذى قال إن رجال الأزهر مثل القوات المسلحة والشرطة لهم زي موحد لابد أن يحترم ويعاقب من يرتديه من غير أهله".
وأشار الشيخ محمد عبد الرازق، إلى أن الأوقاف تسلم الزي للأئمة التابعين لها وعددهم 60 ألفا، وتدفع مبالغ طائلة مقابل ارتدائه وتعاقب كل إمام صعد المنبر بدونه، مستبعدا خطباء المكافأة من قرار الوزارة لـ "كونهم غير ملزمين بارتداء الزي الأزهري" حسب قوله.
الزى فى الأعمال الفنية فى العقود الأخيرة خرج صناع الأعمال الفنية ليشوهوا الزي الذي يعبر عن رجال هذه المؤسسة بالسخرية منه تارة كما حدث فى أحد مشاهد مسرحية "رئيس جمهورية نفسه" للفنان محمد رمضان، أو بتصويرهم على أنهم تجار دين يفتون على حسب الهوى تارة أخرى كما هو الحال في فيلم " مولانا"، الأمر الذي اعتبره أزهريون إهانة، مطالبين بتجريم ما أسموه بالإساءة لـ "زي الأزهري".
و حرصت بعض الأفلام السينمائية على إظهار "المأذون" ممسكًا بدفتر كبير مرتديًا الزي الأزهري، يتحدث اللغة العربية الفصحى بشكل يجلب الاستهزاء إليه وإلى اللغة ذاتها، أو تصويره كشخصية أكولة يسيل لعابها لرؤية الطعام، أو تظهره وهو يشارك في زواج باطل شرعًا كما جاء في فيلم "زوج تحت الطلب"، أو يطلق امرأة عنوة من زوجها ليزوجها للعمدة كما في فيلم "الزوجة الثانية".
وفى تعليقه على هذه الوقائع قال الشيخ إسلام النواوي أحد علماء وزارة الأوقاف، : "إن المشكلة ليست في الزي الأزهري، ولكن السخرية منه يحدث حالة من الجرأة والتشكيك لدى بعض المشاهدين، فمثلا رسخ في ذهن كثير من المشاهدين صورة الشيخ في فيلم الزوجة الثانيه المشهد الشهير (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .. طلق يا ابو العلا ) أن الشيخ يحلل الحرام ويلتف على حدود الله".
وأضاف لـ"مصر العربية": "نحن لا نتحدث عن قداسة للشيخ ولا محاربة للإبداع، وإنما نتكلم عن حواجز تنتهك فتصير السخرية بديلا، فمن حق المبدعين أن يبدعوا ومن حقنا أن نحفظ للزي الأزهري قيمته".
وتابع: "الزي الأزهري ليس رمزا للإسلام، ولكنه صار رمزا للعاملين في الحقل الدعوي فلو افترضنا مثلا أن أحدهم ارتدي الزي الأزهري وهو ليس من العاملين في الدعوة ودخل مسجدًا فإن رواد المسجد سيقدمونه للصلاة بهم لماذا ﻷن هذا ليس رمزًا للإسلام لكنه رمز على أن هذا الشخص شيخ"، مشددا على التفرقة بين نقد المؤسسات وهدمها.
السلفيون والزى فى الوقت يحرص أئمة الأوقاف ووعاظ الأزهر على ارتداء الزي الأزهري لكونه رمزا للعزة والفخر، يرفضه المنتمون للتيار السلفي لاعتباره يرمز لـ"وظيفة بالدولة" أكثر من رمزيته للشهادة الأزهرية، ويفضلون عليه "الجلابية البيضاء والطاقية".
وقال مصطفي البدري القيادي بالجبهة السلفية: "نرفض ارتداء هذا الزي خشية النظرة المجتمعية لصاحبه على أنه خاضع للسلطة منفذ لتوجيهاتها"، مشيرا إلى أن كثيرا من السلفيين يحملون شهادات أزهرية.
وأضاف أن "عموم الشعب يطمئن للسلفيين الذين يلبسون القميص (الجلابية) الأبيض والطاقية لأنها أقرب للسنة -حسب قوله- باستثناء الطبقة الأرستقراطية التي تهتم بالشكليات وتقدمها على المضمون فإنها تبحث عن شيخ يلبس زي الأزهر حتى لو كان جاهلا بالشرع، باعتبار أن هذا الشخص سييسر عليهم أكثر من غيره، وقد ظهر ذلك في فتاوى شهيرة كالتعامل مع البنوك والحصول على أرباحها الربوية".
وفي المقابل، قال الشيخ سمير حشيش، أحد وعاظ الأزهر: "هذا الزي هو رمز للأزهر منذ زمن بعيد، والكلام عن أنه رمز لوظيفة وليس للأزهر فيه لبس، لأن الزي، وإن كان ملزما للموظفين، في وظيفة إمام بالأوقاف أو واعظ بالأزهر، فإنه فى المجمل رمز للأزهر خاصة أن هذه الوظائف المشار إليها هي حكر على الأزهريين، ولا تقبل غير خريجيه".
ورغم إلزام مشيخة الأزهر للوعاظ بارتداء الزي الرسمي فإن "حشيش" يحرص عليه من باب أنه "نصف الخطبة"، حسب وصفه.
وأوضح حشيش أن نصف القبول من المصلين للخطبة يرتبط بزي الخطيب، وتزداد ثقتهم في الإمام كلما كان متمكنا من العلم جيدا في عرض كلامه.
جدير بالذكر أن الدكتور عمرو حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، اقترح مشروع قانون يجرم ارتداء الزى الدينى سواء الإسلامى أو المسيحى لغير المتخصصين، على أن تكون عقوبة من يقدم على ارتداء الزى الغرامة المالية أو الحبس، والجمع بينهما حال تكرار هذا الأمر، مشددا على ضرورة وضع ضوابط صارمة على من يرتدون الزى الأزهرى لأنهم يمثلون مؤسسة إسلامية عريقة.