"قوات البيشمركة لن تنسحب من المناطق التي حررتها، والتي اتخذت منها خطا للدفاع قبل الشروع بعملية تحرير مدينة الموصل في 17 أكتوبر".. تأكيد شدد عليه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، وهو ما يراه مراقبون فتيل لحرب قادمة بين الأكراد والشيعة الذين لن يتخلوا أراض كانوا يحكمونها للأكراد، رغم تعاونهم الآن في الحرب ضد داعش.
برازاني أضاف في حديثه مع "بي بي سي" الفارسية نهاية الأسبوع الماضي بأن انسحاب البشمركة غير قابل للمناقشة أبدا وستبقى قواته هناك، وما يجري التفاوض حوله الآن هي المناطق التي حررت بعد انطلاق عملية تحرير الموصل والتي هي قرى من المسيحيين والتركمان وكذلك العرب.
ومع هذا لم يجزم البرزاني بالانسحاب من تلك المناطق فربط الانسحاب بما سماه " إذا توفر الأمن ورغب السكان بذلك فنحن سننسحب بعد هزيمة تنظيم داعش".".
تضارب الأحاديث
وقبل هذه التصريحات بأيام نقلت وسائل إعلام محلية عن بارزاني قوله إنه طبقا لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن البشمركة لن تنسحب من الأراضي التي سيطرت عليها في المعركة ضد داعش، واعتبارها مناطق تابعة لإقليم كردستان، وهو ما أثار حفيظة بغداد.
إلا أن رئيس إقليم كردستان جاء بعد ذلك وأعلن أن بقاء قوات البشمركة في بلدة بعشيقة في الموصل بعد استعادتها من داعش "أسيء ترجمتها"، وأخرجت من سياقها، وأن الإقليم ملتزم بأي إتفاق مبرم بهذا الخصوص.
جذور الخلاف
القصة بدأت قبل أن يغزو تنظيم داعش مدينة الموصل ويسيطر على عدة مدن حولها في 2014، فقبل هذا التاريخ كانت هذه المناطق تحت سيطرة حكومة بغداد وجيشها ذو الأكثرية الشيعية ولكنهم انهاروا أمام مئات الأفراد من داعش وانسحبوا من غالبية المناطق التي يحكمونها.
وملأ فراغ القوات العراقية قوات البشمركة التي حكمت على سبيل المثال مدينة كركوك الغنية بالنفط وهي محل خلاف كبير بين الشيعة والأكراد لأهمية المدينة اقتصاديا فتطالب الحكومة الكردستانية بضم مدينة كركوك لكردستان وتعتبر مدينة كركوك تاريخيا مدينة تركمانية رغم أن نسبة العرب من سكان محافظة كركوك 72%.
وفي منصف الشهر الجاري اتهمت منظمة ‹هيومن رايتس ووتش›، في تقرير لها، قوات في إقليم كردستان العراق، أنها «قامت بشكل غير مشروع بتدمير أعداد كبيرة من منازل العرب في محافظتي كركوك ونينوى شمالي البلاد».
نينوى
وأشارت المنظمة إلى أنها "عاينت منازل مهدمة في 17 قرية في محافظة كركوك و4 في نينوى، وجالت عبر غيرها من القرى المدمرة في الأخيرة بالقرب من الحدود السوري".
واتهم ائتلاف العربية واتحاد القوى الوطنية، قوات البيشمركة بحرق قرية قوشقاية التابعة لقضاء الدبس، غربي محافظة كركوك وإخراج أَهلها منها، محذراً من خطورة الاوضاع في المحافظة في حال عدم التحرك لإيقاف الانتهاكات ضد القرى العربية.
كما يطالب إقليم كردستان بضم عدة مناطق مختلطة ذات غالبية سريانية مسيحية وتركمانية وشبكية ويزيدية وعربية في سهل نينوى وتشمل أقضية الشيخان، والحمدانية وتلكيف، وأيضًا بمناطق أخرى في محافظة ديالى.
اشتباكات سابقة
ما يشبه علاقة الشيعة والأكراد بـ"النار تحت الرماد" هو أن الطرفين سبق لهما الاقتتال بشكل عنيف، في 23-4-2016، في قضاء طوزخورماتو وهي تتبع إداريا لمحافظة صلاح الدين وقبلها كانت عائدة إلى محافطة كركوك، بين الكرد وميليشيا الحشد الشعبي الشيعية سيئة السمعة التي تشارك الآن في معركة تحرير الموصل وخلفت الاشتباكات 16 قتيلا.
وفي نهاية يونيه سبق لقوات الحرس الثوري الإيرانية التي تحرك ميليشيا الحشد الشعبي وتسيطر بشكل أو آخر على الحكومة العراقية قصف إقليم كردستان بالمدفعية الثقيلة مناطق في ناحية سيدكان شمالي أربيل في كردستان العراق بدعوى استهداف مواقع للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
التمسك بالأرض
حسين دلي الناشط الإعلامي العراقي رأى أن التمسك بالأرض المحررة من قبضة داعش سيكون سببا في صراع كبير بين الشيعة والأكراد.
ورأى في حديثه لـ"مصر العربية" أن أمريكا من تضبط الإيقاع بين بغداد وأربيل الآن ولكن مستقبلا قد لا يستمر هذا.
وفق ما أفردت دراسة جديدة لمركز "عمران" للدراسات الاستراتيجية تحت اسم معركة الموصل والمآلات المحتملة فإن نقطة التحول ستكون بعد المعركة في سحب ذريعة حرب الإرهاب من يد الأطراف المشاركة في الحرب.
صراع طائفي
وتابعت:" حينها قد تشعل صراعات طائفية وعرقية بين السنة والشيعة العرب من جهة، والتركمان السنة والشيعة من جهة أخرى، إضافة إلى صراع نفوذ محتمل بين الحشد الشعبي والكرد، وبين الكرد أنفسهم في السليمانية الموالية لإيران وأربيل الموالي لتركيا، نظرا لتنوع التكوين الديمغرافي للمدينة وطبيعة الأطراف المشاركة فيها.
من جانبه يعتقد الشيخ ثائر البياتي أمين العشائر العربية في العراق أن الصراع المقبل بعد داعش سيكون شيعيا كرديا.
وواصل:" هذا شيء مؤكد والهدف من الصراع الشيعي الكردي المقبل هو السيطرة على كركوك من أجل منابع النفط هناك، ليس لسبب آخر، فبعد سيطرة القوات العراقية على محافظة صلاح الدين وسعيها للتحكم في مدينة الموصل تصبح العقبة المتبقية أمامها كركوك التابعة للحكومة المركزية على الورق والسيطرة الفعلية داخلها لقوات البشمركة."