منذ بدء معارك السلطات العراقية لطرد تنظيم داعش من عدة مناطق سيطر عليها بالعراق منذ 2014 وآخرها معركة الموصل، وتتكرر مأساة الشتاء القاسي على النازحين الذين يهربون من الموت في أرض المعركة ليواجهوا المعاناة في مخيماتهم التي تتحول بفعل الشتاء لمستنقعات لا تصلح للوقوف عليها.
وتبدأ المعاناة بالصقيع مع الإطلالة الأولى للشتاء على أرض مدينة الموصل التي يدور عليها معارك شرسة بدأتها القوات العراقية الشهر الماضي بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض المليشيات، لطرد تنظيم داعش الذي يسيطر على المدينة منذ إعلانه دولة الخلافة علىى أرضها عام 2014.
هذه المأساة التي تتكرر بشكل سنوي خاصة مع عدم وجود حلول جذرية للأزمة الراهنة سواء من الحكومة العراقية، أو من خلال المنظمات الحقوقية الدولية بسبب تزايد أعداد النازحين وعدم قدرة المنظمات على تغطية الخدمات لجميع النازحين، وعدم وجود نية للسلطات العراقية لتقديم العون للنازحين أو لتفشي الفساد الحكومي بحسب مراقبين.
تزايد أعداد النازحين
ومنذ الحملة العسكرية الجارية حاليا في مدينة الموصل انضم نحو أكثر من 85 ألف نازح لقائمة النازحين العراقيين التي وصل عددها في العراق إلى أكثر من ثلاثة ملايين و250 ألفا، وفقا لجمعية الهلال الأحمر العراقية.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن مئات الآلاف قد يتشردون بسبب المعارك التي تتحول إلى حرب مدن طويلة الأمد ضد تنظيم الدولة.
في غضون ذلك، قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن تدمير التحالف الدولي للجسور في الموصل قد يعطل إجلاء المدنيين، وسيترك مئات الآلاف منهم دون طريق مختصرة للخروج من مناطق القتال.
يأتي ذلك في وقت أوضح المتحدث باسم الجيش الأميركي العقيد جون دوريان أن غارة أميركية دمرت الجسر الرابع -وهو الجسر الأبعد جنوبا من الموصل.
شتاء صعب
ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هناك 15 مليون نازح سوري وعراقي في الشرق الأوسط سيواجهون قريباً فصل شتاء آخر بعيداً عن موطنهم. وتقول: "سيكون هذا الشتاء صعباً للكثيرين الذين يعيشون في المرائيب المعزولة، والطوابق السفلية أو المباني غير المكتملة، وأكشاك الحيوانات أو مبان مؤقتة واهية أخرى".
وخصصت الحكومة العراقية، بمساندة منظمة الأمم المتحدة، مخيمات لإيواء النازحين عند أطراف الموصل، في الإقليم الكردي ومحافظة صلاح الدين (شمال)، ويشكو نازحون ومنظمات حقوقية محلية ودولية من تردي أوضاع المخيمات وسوء التغذية وانتشار عدد من الأمراض.
وأمام الإعلان عن مساعدات ضخمة من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إضافة لما تعلنه الحكومة العراقية من وعود بالمليارات لحل مشاكل النازحين، يتحدث ناشطون عن عدم وجود تغير ملموس يعكس تلك التصريحات، مع انتشار شبهات بعمليات فساد كبيرة.
تجاهل
بدوره قال الباحث السياسي العراقي، أحمد الملاح، إن الأمم المتحدة والحكومة العراقية والمنظمات الدولية تمتلك الإمكانات لتغطية المساعدات لكن لا تتحرك، وذلك لأنه لايوجد لديها نية صادقة في تقديم الدعم للنازحين.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن هناك تجاهلا حقيقيا للنازحين والمواطنين في معركة الموصل، لافتاً إلى أن المدنيين يواجهون الموت سواء على يد داعش أو على يد القوات ليأتي الشتاء ويزيد من معاناتهم.
وأشار إلى أن تصريحات الحكومة حول توفيرها للإمكانيات اللازمة للنازحين غير ملوس على أرض الواقع، وعلى سبيل المثال لا يوجد تجهيز لمستشفى ميداني واحد شرق الموصل لاستقبال الجرحى رغم إمكانية ذلك أمنيا أو على الأقل في منطقة الخازر بين أربيل والموصل.
وأكد الملاح أن هناك حالات ماتت وستموت من برد الشتاء القارص، محذراً من تباطؤ المنظمات الحقوقية الدولية في مساعدة النازحين، بالإضافة للتقصير الحكومة الذي سيجعل فاتورة المدنيين ترتفع بشكل خطير.
فساد حكومي
وقالت الإعلامية العراقية نداء الكناني، إن هناك تباطؤ ملحوظ من الحكومة العراقية في توفير أبسط الإمكانيات للتقليل من معاناة النازحين، وهذا كان ظاهر جيدا في فترة الصيف في معارك أخرى وكذلك في الشتاء من كل موسم.
وطالبت في تصريحات لـ"مصر العربية" الحكومة العراقية بضرورة تجهيز مخيمات وكرفانات لحماية الآلاف من المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل.
وأكدت أن عدم تنفيذ ما تفرضها الحكومة على نفسها من مسؤليات تجاه النازحين هو بسبب الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة، وأشارت إلى أن الفساد أخطر من داعش على الدولة العراقية.