"هي البلد رايحة بينا فين؟".. سؤال يتبادر إلى ذهن الكثير من المواطنين عندما يتحدثون مع من المتابعين للشأن الاقتصادي سواء كانوا خبراء أو لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالأسعار وارتفاعاتها وتقلباتها.
ويظل ما يعرب عنه الخبراء بالشأن الاقتصادي توقعات ولكن تبقى الشواهد هي الأمر المنطقي الوحيد في توقع حال ومعايش المواطن المصري.
وبحسب البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارة المالية خلال العام الجاري بلغت أدوات الدين المحلي من أذون وسندات خزانة خلال العام الجاري الذي بدأ في يناير من العام الجاري حتى شهر ديسمبر الحالي 1.13 تريليون جنيه بفوائد مختلفة لامست حد 20.5%.
أما عن الدين الخارجي، فبحسب البنك المركزي، فقد صعد بكل آجاله مسجلاً 55.8 مليار دولار أمريكى بارتفاع قدره 7.7 مليارات، بمعدل 16%، وذلك في نهاية السنة المالية 2015-2016، وذلك وفقًا لأحدث بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي.
وجاء الارتفاع نتيجة لكل من زيادة صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بنحو 7.4 مليارات دولار، فضلا عن زيادة أسعار صرف معظم العملات المقترض بها أمام الدولار الأمريكي، مما أدى إلى زيادة الدين الخارجى بنحو 3 مليارات دولار.
وبالنسبة لأعباء خدمة الدين الخارجى "متوسط وطويل الأجل"، بلغت نحو 5.2 مليارات دولار خلال السنة المالية 2015-2016، والأقساط المسددة نحو 4.3 مليارات دولار والفوائد المدفوعة نحو 9 مليارات دولار".
وتظهر المؤشرات ارتفاع نسبة رصيد الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالي لتبلغ 17.6% في نهاية يونيو 2016 مقابل 14% في نهاية يونيو 2015.
وقال رئيس الوزراء شريف إسماعيل، خلال الشهر الماضي إن الدين العام في الموازنة العام الحالي ارتفع ليتراوح بين 95 و100%.
ووصف إسماعيل، خلال كلمته بالمؤتمر الاقتصادي الثالث لمؤسسة أخبار اليوم، ارتفاع الدين العام إلى هذه النسبة بـ"المؤشر الخطير"، مضيفا أن اعتمادات خدمة الدين العام تمثل 31% من موازنة 2016-2017.
وقال إسماعيل إن برنامج الحكومة للاصلاح الاقتصادي يهدف خلال الثلاث سنوات المقبلة إلى "خفض الدين العام الإجمالي ليكون ما بين 85 ــ90%، حيث زادت نسبته من 79% من الناتج المحلى الإجمالي في عام 2009-2010، إلى نحو 95-100 % في موازنة العام الحالي".
وتوصلت مصر لاتفاق مع البنك الدولي لاقتراض 3 مليارات دولار، بهدف دعم الإصلاح الحكومي، بحسب البيانات الرسمية، كما توصلت مصر خلال الشهر الماضي لاتفاق اقتراض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات.
وقال وزير المالية عمرو الجارحي في تصريحات له إن قرض صندوق النقد الدولي فتح المجال أمام "الاستثمارات غير المباشرة" على حد تعبيره، وهو الأمر الذي فسر بعدها بأنه إقبال المستثمرين الدوليين على شراء أدوات الدين الحكومية المصرية.
وعقب حصول مصر على قرض النقد الدولي، أعلنت الحكومة عن أنها أصدرت سندات ببورصة إيرلندا بقيمة 4 مليارات دولار من خلال طرح خاص لصالح البنك المركزي.
وذكرت الحكومة أنه تم إصدار سندات بقيمة 1.360 مليون دولار بعائد سنوي قدره 4.62% تستحق في 10 ديسمبر 2017، وسندات بقيمة 1.320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 6.75% تستحق في 10 نوفمبر 2024، وسندات بقيمة 1.320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 7% تستحق في 10 نوفمبر 2028.
مصادر التمويل
وقال وزير المالية، إن هذا الإصدار يأتي في إطار حرص وزارة المالية على تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة، وإيجاد موارد مالية من خلال وسائل تمويل متنوعة وجديدة تساهم في سد الاحتياجات التمويلية المطلوبة وبالأخص خلال الفترة الحالية التي ترتفع فيها تكلفة الاقتراض من السوق المحلية، كما سيساهم هذا الإصدار في تخفيف الضغوط على مصادر التمويل المحلية وخفض تكلفة وفاتورة خدمة الدين العام وكذلك المساهمة في إنعاش النشاط الاقتصادي من خلال إتاحة موارد مالية إضافية للقطاع الخاص للقيام بتوسعات واستثمارات جديدة.
وأكدت الحكومة أن هذا الطرح الخاص للسندات يأتي بخلاف خطة وزارة المالية بإصدار سندات دولية في أسواق المال العالمية خلال الفترة المقبلة، التي حددتها لاحقا بأنها في الشهر الأول من العام القادم بقيمة تصل إلى 6 مليارات دولار.
وأوضح وزير المالية أن خطته إصدار سندات دولية في أسواق المال العالمية كان من المفترض أن تصدر في وقت سابق عن المقرر له في يناير المقبل إلا أن لجوء السعودية لاقتراض 17 مليار دولار من السوق في هيئة سندات أربك حسابات السوق بالتالي تأجل الإصدار.
السيناريو الأسوأ
الدكتور نائل الشافعي، خبير الاتصال والمعرفة والاستشاري ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أوضح أن صناديق التحوط الأمريكية ينتابها سعار وتكالب على السندات المصرية المزمعة في يناير بـ 2.5 مليار دولار، وتليها سندات بـ4-6 مليار دولار قبل نهاية 2017، وكذلك على سندات الخزانة المصرية بالجنيه.
وأكد أن سعر الفائدة على الجنيه المصري "المعوّم" يفوق 15% وهي نسبة شاهقة، يندر مثيلها في أي استثمار، حتى الأفراد في تلك الصناديق سيشترون من أموالهم الخاصة سندات مصرية، مشيرا إلى أن سعر الفائدة على السندات السيادية المصرية باليورو والدولار تتراوح بين 7.5 - 8%.
وتساءل الشافعي: " إذا كان وزير المالية نفسه يطمح لأن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% في العام المقبل.. فمن أين ستسدد مصر هذا الدين؟". وأوضح أنه في ظل الفائدة للديون، من الممكن تكرار كارثة الأرجنتين في مصر، والتي طرحت في 2002 سندات سيادية بقيمة 10 مليارات دولار بفائدة تتراوح بين 10-12%، وبعدها بسنوات تبين لها استحالة سداد الفائدة، فطلبت إعادة جدولة الديون، واستبدال السندات الباهظة بسندات بسعر فائدة أقل (6%)، ما دفع حملة السندات على الموافقة.
وقال إن صندوق التحوط "إليوت مندجمنت" الشهير بـ"آكل الجيف"، والذي لم يكن لديه إي سندات أرجنتينية، قام بشراء سندات أرجنتينية (من الاصدار القديم بفائدة 12%) ونشر إعلانات يحث حملة السندات الآخرين على بيعها له بدلاً من بيعها للحكومة الأرجنتينية، وسرعان ما جمع سندات بأكثر من 2 مليار دولار، وأصر على ِأن يحصل من الحكومة الأرجنتينية على كوبونات (فوائد 12%).
فلما رفضت الأرجنتين، استصدار حكمين من محكمتي نيويورك ولندن بإفلاس الأرجنتين، مضيفا أنه في نهاية الأمر لم يجدي الأمر وانتهي حكم الرئيسة الأرجنتينية، ليستجيب الرئيس الجديد لشروط الدائنين.
الإفلاس
بدوره، توقع أحمد سليم، نائب المدير العام للبنك العربي الأفريقي تكرار وضع الإرجنتين عام 2002 الكارثي لمصر وللاقتصاد الوطني في حالة طرح الحكومة لـ8 مليار دولار على أقل تقدير خلال العام المقبل وفقما صرح محمد معيط نائب وزير المالية.
وقال سليم، إن الخطر سيكون أشد ضراوة في مصر عنها في الإرجنتين خاصة مع الوضع السياسي الحالي ومع وجود أعداء كثيرون لمصر، مضيفًا أن مصر ليس لديها ما تسدد به فوائد هذه السندات خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وشدد على رفضه التام للجوء لمثل هذه السندات، مضيفًا أن المالية لم توضح مدى الاستفادة منها وإلى أي قطاع ستوجه، مشيرًا إلى أن نسبة 3% كفائدة على مثلب هذه السندات كثيرة جدًا ناهيك عن 6.5% كفائدة كما صرح نائب وزير المالية أحمد كوج.
ولفت سليم، إلى وجود احتمالات كبيرة باتجاه مصر إلى الإفلاس في حالة عدم قدرتها على سداد هذه الفوائد الدولارية إلى جانب قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مؤكدا أن الدول الدائنة لن تتنازل عن سداد أموالها في الوقت المحدد وهو ما قد يضع الدولة في مآزق خطير ، مطالبًا بأن يكون اللجوء إلى مثل هذه السندات هو الحل الأخير أمام الحكومة بعد البحث عن البدائل الأخرى.
متخوفا من تكرار السيناريو الذي تعرضت له مصر خلال حكم الخديوي إسماعيل عام 1882 عند إنشاء قناة السويس الأمر الذي دعا الدول الأجنبية إلى اللجوء إلى فرنسا وانجلترا للرقابة على المالية المصرية والتحكم فيها وهو ما أضاع قضية الاستقلال الوطني قائلا: " قدي يتكرر الأمر في الوقت الحالي بصورة أكبر تحد من استقلال مصر.
الاقتراض
وفي سياق آخر، تسعى مصر لاقتراض 20 مليار يوان صيني لتعزيز الاحتياطي النقدي لديها بعد دخول العملة الصينية سلة عملات صندوق النقد الدولي.
وقال سونغ أي قوة، السفير الصيني بالقاهرة، لـ"مصر العربية" في وقت سابق إنه جرت عدة اتفاقات مع عدة دول خلال الفترة الماضية لضخ قروض للاحتياطي النقدي المصري، عبر دعم ثنائي؛ لتسهيل حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي.
وأضاف قوة أنه كان من المقرر للصين توفير نحو 2 مليار دولار أي حوالي 20 مليار يوان، إلا أن الإجراءات لم تنته بعد.
وفي تصريح سابق لـ"مصر العربية"، كشفت مصادر صينية عن أن المفاوضات التي بدأت منذ شهرين متوقفة حاليا عند كيفية استفادة الجانب المصري من القرض. وأوضحت أن الحكومة المصرية طلبت وضع المبلغ في حسابات البنك المركزي المصري دفعة واحدة، الأمر الذي وافقت عليه الصين ، شريطة أن يستخدم المبلغ كرصيد احتياطي في دفع رسوم المرور بقناة السويس للشركات الصينية العابرة في الممر المائي خلال السنوات الخمس المقبلة، و أن تشتري مصر معدات طبية وأدوية من الشركات الصينية. وتعذر على الجانب المصري منح الموافقة على الشروط الصينية، حتى الآن بسبب عدم اعتماد الحكومة المصرية استخدام الأدوية الصينية في السوق المحلية.
ووصفت مصادر مصرية الشروط الصينية بـ"المبالغ فيها"، بعد أن طلبت الصين أيضا أن يتم منح السفن الصينية خصما يزيد على 5% تخفيضا عند عبورها لقناة السويس، بينما عرضت هيئة قناة السويس منح الشركات التي تدفع الرسوم مقدما لمدة 3 سنوات، نسبة خصم لا تزيد على 3%.