لدى الشعب المصري العديد من الثقافات الجيدة والأخرى السيئة، ولكن من أبرز الثقافات السيئة والتي تعوق تقدّم الوطن وترسيخ مفهوم العدالة الاجتماعية والنفسية لدى المواطنين وفقدان الثقة الدائم في التغير إلى الأفضل.. هي ثقافة الواسطة والمحسوبية وهي تلك العقيدة المترسخة في الأذهان باستمرار هي أن ابن القاضي يصبح قاضيًا، وابن الضابط بصبح ضابطًا...
وحتى لا يفهم حديثي أنه في نطاق الحقد على تلك الفئات فأحب أن أوضح نفطة جوهرية في الأمر وهي إذا كان ابن القاضي أو ابن الضابط أو ابن عضو مجلس النواب يصلح وفق الضوابط والمعايير التي تؤهلهم لذلك فمن حقهم كمواطنين مصريين لهم نفس الحقوق والواجبات إلى مواطن آخر..
ولكن أن يتم قبوله في سلك النيابة العامة أو الشرطة أو أي وظيفة حكومية لمجرد أن والده أو أحد أقاربه يمتهن تلك المهنة أو لديه من العلاقات والنفوذ التي تمكنهم من قبول أبنائهم مغتصبا في ذلك حق مواطن آخر في التأهل في هذا المكان ولديه الإمكانيات والقدرات التي تميزه عمّن تم قبوله بالواسطة والمحسوبية..
إن الذى حدث في الأيام الماضية من تسريب أسماء العديد من أعضاء مجلس النواب تفيد أن أبناءهم وأقاربهم تم قبولهم بكلية الشرطة والخطابات الموجهة مباشرة إلى وزير الداخلية التي تزكى أسماءً بعينها لقبولهم بكلية الشرطة فإنَّ في ذلك استخدام خاطئ للنفوذ ويجب إعادة النظر من جانب الدولة في ذلك وإلا فنحن نعيد إنتاج الحقد والكراهية واتساع الفجوة بين فئات المجتمع والتي نحن في أمسّ الحاجة إلى التوحد والتكاتف لمواجهة كافة الاخطار الخارجية التي تحدق بنا والعمل على إجهاض المخططات التي تحاك لمصر لمنع مصر من استعادة موقعها وريادتها واستقرارها بالمنطقة..
يجب تغيير المفهوم الراسخ لدى الشعب المصري أن الكليات العسكرية والقضاء حكر على فئة معينة دون غيرها من فئات الشعب، وإنما يتغير إلى مفهوم الإمكانيات والقدرات المؤهلة للالتحاق بتلك الكليات العسكرية وفقًا لضوابطها ومعاييرها التي يتم الاختيار بناءً عليها..
العجيب في الأمر أنَّ وزارة الداخلية لم تصدر بيانًا واحدًا توضح فيه كل ما جاء تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي من تسريبات للأسماء أو الخطابات الموجهة من النواب إلى وزير الداخلية بشخصه ومختومة بأختام النواب المعتمدة هل هي صحيحة من عدمه..
ولكن يبدو أن عدم الرد يفيد أن ما تم تداوله صحيح، وبالفعل تدار تلك العملية بهذه الطريقة المعتادة بالواسطة، وبالمحسوبية تحجز مكانًا لك في كل الوظائف المرموقة في البلاد وعلى الجانب الآخر تلك الثقافة تخلق جيلاً، بل أجيالا ناقمة على الوطن لأنهم لم يجدوا فيه تكافؤا للفرص، وهذا الأشد خطرًا على مصر أكثر من أعدائها الخارجيين أن يكون أبناء الوطن أنفسهم فقدوا الثقة في وطنهم ولم يجدوا فيه بهذا الشعار المسمى بالعدالة الاجتماعية..