في تحد واضح للجلسة الأممية الطارئة التي تعقدها الأمم المتحدة بشأن هدنة محتملة في حلب، والتي دعت إليها تركيا والسعودية وقطر والإمارات، كثفت روسيا قصفها شرق حلب وريف إدلب بالصواريخ المحرمة والقنابل الفسفورية الحارقة.
الطيران الروسي لم يتوقف يوما عن قصف وإبادة المدنيين السوريين، لكنه ازداد مؤخرا تزامنا مع الحملة الشرسة التي يشنها الطيران الروسي والأسدي على أحياء حلب.
وفي الساعات الأخيرة قتل عشرات المدنيين نتيجة غارات روسية استهدفت مناطق عدة في ريف إدلب، وحلب، ما أدى إلى إغلاق ما تبقى من المدارس والأسواق التي استهدفت بعضَها بالقصف.
ويتزامن مع القصف الروسي الوحشي تقدم لمليشيات بشار الأسد في الأحياء الشرقية من حلب، التي رفض مقاتلو المعارضة الانسحاب منها قبل التصويت اليوم على مشروع قرار دولي لوقف النار، في رد على دعوة موسكو لانسحاب كامل لمقاتلي المعارضة من المدينة المنكوبة.
عبد الرحمن القيطاز أحد أهالي قال إن الأسد والروس لا يزالون يقصفون الأطفال بحلب، مضيفا أن حي الميسر في شرق حلب تحول لركام، ولا تزال جثث الأطفال تحت الأنقاض، حتى ما تبقى من الأبنية السكنية تقصفها روسيا أيضا.
وأوضح الناشط الإعلامي بحلب لـ"مصر العربية" أن مليشيات النظام اجتاحت أحياء جديدة وسط وشرق حلب ووسعت من سيطرتها على المدينة، فأحياء الميسر وكرم الطحان والقاطرجي باتوا بقبضة الملشيات، قائلا: "نعيش الموت كل لحظة، وللأسف خذلنا الجميع، حتى الأمم المتحدة تساعد في قتلنا بصمتها".
وتابع: "خيارتنا للنجاة مرعبة، لا نعرف إلى أن نذهب!، ولا نعرف كيف ننجوا من القصف، والله لا نستطيع العيش وننتظر الموت كل لحظة".
أما المحلل السياسي السوري أحمد المسالمة فقال: "أملنا كبير بأن تنجح الهدنة ليتوقف حمام الدم الذي تقوم به روسيا و عصابات الأسد بحق أهلنا في حلب، الهدنة مصيرها النجاح إذا ضغطت دول العالم والأمم المتحدة لإنجاحها، ولكن على الأرض فالآلة العسكرية لروسيا وعصابات الأسد مستمرة بعملها بدون أي رادع.
وأوضح السياسي السوري أن بوتين والأسد لا تعنيهم قرارات الأمم المتحدة، وخصوصا إذا قاد الحراك الدولي دولة مثل السعودية، مشيرا إلى أن روسيا وعصابات الأسد لا يمثلان تحديا، إنما يقومان بعمل ممنهج تستمر به لإبادة حلب وأهلها، علما أن التقارير التي تتوارد عن خروج المدنيين من مناطق وأحياء مدينة حلب ما هي إلا فبركة من إعلام عصابات الأسد الذي يلقى التوجيه والمشورة من إعلام روسيا.
وأكد المسالمة أن المنهجية التي يقوم عليها عمل الآلة العسكرية هي إرضاخ حلب، وحلب تنتفض رغم القصف والغطرسة، فهي تحاول النهوض برجالها الذين يقارعون هذا الطغيان وأي هدنة لوقف الأعمال العسكرية فهي مرحلة لجمع النفس والتحضير لمرحلة قادمة، ولن توافق روسيا وعصابات الأسد على أن يجمع الحر والفصائل الثورة أنفاسه بحلب، لأنهم يعلمون بأن هناك رجال بحلب ستنقض عليهم.
في السياق أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتنفيذ طائرات "روسية" غارات استهدفت مدينة معرة النعمان وبلدة كفرنبل وقرية النقير في ريف إدلب الجنوبي. وتسببت هذه الغارات بمقتل "19 شخصاً على الأقل بينهم أطفال في معرة النعمان".
من ناحية أخرى، قال الدفاع المدني في حلب إن قصف قوات النظام للأحياء المحاصرة في المدينة أمس خلف 24 قتيلا وعشرات الجرحى، في حين قال ناشطون إن حصيلة القتلى تجاوزت الثلاثين.
وذكر ناشطون أن القتلى سقطوا في أحياء لا تزال بيد المعارضة بينها الشعار والفردوس وصلاح الدين، وكذلك في بلدات بريف حلب.
من الجهة الأخرى، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا إنه منذ اجتاح جيش النظام الشطر الشمالي من الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة قبل أسبوع وسيطر على عدة أحياء كبيرة كثيفة السكان فر ما لا يقل عن 30 ألف شخص عبر الخطوط الأمامية من مناطق المعارضة.
وأضاف المكتب أن الإحصاءات أكثر صعوبة في حلب الشرقية بسبب عدم وجود مؤسسات دولية في المنطقة غير أن ألوفاً آخرين تراجعوا إلى القطاع الخاضع لسيطرة المعارضة بما في ذلك الأحياء شديدة الكثافة في الحي القديم. ويقدر مكتب الأمم المتحدة أن 5000 نزحوا عن بيوتهم في حلب الشرقية.
ويصوت مجلس الأمن الدولي، اليوم، في نيويورك، على مشروع قرار يدعو إلى هدنة لا تقل عن سبعة أيام في حلب، وإلى وصول المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين في أحيائها الشرقية من جراء المعارك.
وعملت على نص المشروع كل من مصر ونيوزيلندا وإسبانيا، بعد مفاوضات طويلة مع روسيا التي أبدت تردداً كبيراً.
وقد تسلمت إسبانيا رئاسة مجلس الأمن لشهر ديسمبر.
وعلى الرغم من التنازلات التي قدمتها الدول المروجة لمشروع القرار، ليس مؤكداً إن كانت روسيا ستسمح بإمراره.
وينص مشروع القرار على أن "يضع جميع أطراف النزاع السوري حداً لهجماتهم في مدينة حلب" خلال فترة أولية مدتها سبعة أيام قابلة للتجديد.
كذلك ينص القرار على أن يسمح هؤلاء "بتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة"، من خلال إتاحة مرور المساعدة الإغاثية لعشرات الآلاف من سكان الأحياء الشرقية المحاصرة في المدينة.
ويشير مشروع القرار إلى أن هذه الهدنة المؤقتة ستشكل مقدمة لوقف الأعمال القتالية في كل أنحاء سوريا.
وواصلت قوات النظام هجومها في مدينة حلب للسيطرة على كامل الأحياء الشرقية، تزامناً مع شنها غارات كثيفة على مناطق الاشتباك والأحياء السكنية، وفق ما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبلغت حصيلة القتلى في الأحياء الشرقية منذ بدء الهجوم 319 مدنياً بينهم 44 طفلاً، في حين قتل 69 مدنياً بينهم 28 طفلاً في غرب المدينة في الفترة ذاتها.