تودع تونس عام 2016 وهو العام الخامس بعد اندلاع الثورة التونسية التي لعبت دورًا كبيرًا في انتشار ثورات الربيع العربي، إلا أن هذا العام يودع البلاد باقتصاد منهار انعكس ذلك على زيادة الفقر والبطالة ما أدى إلى عودة الاحتجاجات التي بدأت تستغلها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش المتواجد على الحدود الليبية.
ولعلَّ ما يميز عام 2016 في تونس هو تنامي التنظيمات الإرهابية وربما يكون ذلك لمجاورة تونس لليبيا التي يسيطر على أجزاء كبيرة منها داعش والجماعات المسلحة الأخرى.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، أن الوحدات الأمنية تمكنت منذ بداية العام الحالي من تفكيك 160 خلية إرهابية، وإيقاف نحو 800 شخص مطلوب بقضايا الإرهاب.
وفي مؤتمر صحفي قال عدد من قادة وزارة الداخلية، إن عدد المطلوبين لتهم تتصل بالإرهاب بلغ 1877 شخصًا، تم إيقاف 805 أشخاص منهم وأوقف الأمن 435 شخصاً متورطاً في شبكات تسفير إلى بؤر التوتر.
انتهاكات حقوق الإنسان
أما ملف حقوق الإنسان فعلى الرغم من زوال نظام الرئيس التونسي زين الأسبق زين العابدين بن علي إلا أن سيناريو التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان مازال يجدد نفسه وقد وصل لذروته هذا العام بحسب تقارير حقوقية.
وكشفت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات في تونس (حكومية) عن تلقيها شكاوى بوجود شبهات تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان داخل مراكز الإيقاف والسجون التونسية خلال السنة الجارية 2016.
وقالت عضوة الهيئة سليمة بن خضر في مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس: إن الهيئة تلقت شكاوى بتعرض بعض السجناء في البلاد لسوء معاملة وانتهاك حقوقهم، وصولاً إلى التعذيب أحيانا.
وأضافت في بيان صحفي أن أعضاء من الهيئة نظموا زيارات للسجون التونسية بشكل مفاجئ من أجل الوقوف على أهم المشاكل التي يواجهها السجناء، موضحة أن من أهم المشاكل التي رُصدت خلال هذه الزيارات، اكتظاظ السجون بآلاف الأشخاص الذين ينتظرون محاكمتهم.
سجناء الرأي
ويبلغ عدد السجناء التونسيين نحو 22 ألفا، بحسب ما أفاد به وزير العدل غازي الجريبي أثناء جلسة استماع في البرلمان قبل يومين.
يشار إلى أن الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتبع رئاسة الجمهورية التونسية حاليا، وهي تعنى بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، وستتحول قريبا -بعد المصادقة على قانونها الأساسي الجديد من قبل أعضاء البرلمان- إلى هيئة دستورية مستقلة.
وتقول السلطات التونسية إنها "فتحت تحقيقات في عمليات التعذيب في السجون"، وتشدد على أنها "تصرفات فردية من بعض الأشخاص".
وفي مايو الماضي، نفى وزير العدل التونسي السابق عمر منصور في تصريحات إعلامية على هامش زيارته لسجن النساء بمنوبة (غرب العاصمة)، وجود ممارسات تعذيب ممنهجة في السجون التونسية.
اقتصاد منهار
أما على المستوى الاقتصادي فقد شكلت التوترات الاجتماعية التي اتسم بها عام 2016، وما قبله وكذلك الآثار المشتركة للهجمات الإرهابية المأساوية الثلاثة، الدوافع الرئيسية وراء الأداء الاقتصادي في تونس ولم يتجاوز معدل نمو إجمالي الناتج المحلي 0.8 في المائة بفضل قوة أداء الإنتاج الزراعي (9.2 في المائة) لاسيما إنتاج الزيتون.
فيما شهدت معظم قطاعات الاقتصاد الأخرى حالة من الانكماش أو الركود، وأدت الإضرابات والقلاقل الاجتماعية في مناطق إنتاج المعادن (الفوسفات)، مقترنةً مع التراجع طويل الأمد في إنتاج النفط والغاز، إلى حدوث انكماش حاد في قطاع الصناعات الكيميائية (-5.3 في المائة) وقطاع تكرير النفط (-18.2 في المائة) وانخفاض عام في قطاع الصناعات غير التحويلية (-4.1 في المائة).
الاقتصاد التونسي المنهار أدى إلى مطالبة الأحزاب السياسية الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بتغيير حكومة الصيد، وبالفعل استجاب السبسي لهذه المطالب أملاً في أن تقدم الحكومة الجديدة برئاسة يوسف الشاهد حلول جذرية ليتعافى الاقتصاد التونسي.
ويعلق التوانسة آملهم في الحكومة الجديدة بالتسريع في نسق النمو والتشغيل، ومقاومة الفساد، والتحكم في التوازنات المالية، وتنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة، والتصدي للاعتصامات العشوائية، وإنها الضبابية السياسية والإجتماعية.
تردي الأوضاع الاجتماعية
لكن تأتي الرياح بما لا تشهتي السفن فقد ملت قطاعات كبيرة من الشعب التونسي بسبب السياسات الحكومية وبات الانتحار الوسيلة الفعالة لدى التوانسة لمواجهة تردي الأوضاع الاجتماعية، الأمر الذي يشكل خطراً على المرحلة الانتقالية التى اتسمت بالهدوء النسبي مقارنة مع بعض الدول العربية التي دمرتها الخلافات السياسية والصراع على السلطة.
وتعاني تونس في السنوات الأخيرة من وضع اجتماعي صعب في ظل ارتفاع نسب البطالة وتباطؤ نسب النمو التي لم تتجاوز 1 بالمائة خلال هذا العام، إضافة إلى هبوط سعر العملة المحلية (الدينار) إلى أدنى مستوياته بنسبة 25%.
وأظهر تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) ارتفاع حالات الانتحار ومحاولات الانتحار لتصل إلى 219 خلال الشهريين الماضيين بسبب استمرار تردي الأوضاع الاجتماعية.
تهديد بالإضراب
وهدّد الاتحاد العام التونسي للشغل، بإمكانية تنفيذ إضراب عام يوم 8 ديسمبر الجاري، ما لم تتراجع الحكومة عن خطة تجميد الأجور في مشروع الميزانية الجديدة.
وكانت حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، اقترحت تجميد أجور القطاع العام في موازنة العام المقبل، لكن خطتها وجدت رفض قطاعات تونسية، من بينها اتحاد الشغل.
وسبق أن حذر الشاهد من أن تونس ستضطر إلى تبني برنامج تقشف في العام القادم يتضمن تسريح الآلاف من موظفي القطاع العام وفرض ضرائب جديدة إذا لم تستطع التغلب على صعوباتها الاقتصادية المتعددة.
ويمثل الإنفاق على الأجور في تونس نحو 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في العالم كما يقول مسؤولو صندوق النقد الدولي.
ويقدّر حجم موازنة الدولة لعام 2017 التي انطلق البرلمان في مناقشتها الأسبوع الماضي، قبيل إقرارها في قانون والمصادقة عليها، 32 مليار دينار (حوالي 15 مليار دولار)، بعد أن كانت 29 مليار دينار (13.4 مليار دولار) في 2016.
فشل حكومي
ويرى الناشط السياسي التونسي صبحي المجري: إن الدعوة للإضراب العام هى أول اختبار حقيقي لحكومة الشاهد ومدى قدرتها على إدارة الشأن العام في البلاد والسير بها نحو ما يخدم مصلحة الكل وليس مصالح القوى النافذة التي ساهمت في وصوله لكرسي رئاسة الحكومة.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن النجاح في هذا الاختبار سيمهد الطريق للشاهد ليكون مرشح النافذين في الرئاسية 2019 أما فشله فهو ليس نهاية أحلامه فقط بل يمثل النهاية الفعلية لنداء تونس كحزب وكمشروع سياسي.
أما المواطن التونسي عاصم بلحاج ـ قال إن عام 2017 قد يكون بداية لموجة ساخنة من الثورة التونسية للعصف بالفساد المستشري في البلاد خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، والذي ظن التوانسة أنه قد اجتث من جذروه لكنه مازال ينخر في عظام جميع المؤسسات .
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن تونس تحتاج لحكومة إنقاذ تكون لديها خطط جادة للتعامل مع الواقع الإقتصادي المرير، لكن يبدو أن المصالح والتوازنات مازالت تسيطر رجال السياسة .