لم تكن خسارة المعارضة المسلحة لمعظم مناطق حلب التي كانت تسيطر عليها أمرًا مفاجئًا، فأسباب شتى كانت وراء الانهيار الكبير الذي يعتبره النظام السوري أساسيًّا لاستعادة سيطرته مرة أخرى على مناطق واسعة في البلاد.
وحسب "سكاي نيوز عربية"، أحرز الجيش السوري تقدُّمًا سريعًا في هجوم بدأه منتصف شهر نوفمبر الماضي، وتمكَّن بموجبه من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من الأحياء الشرقية التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ العام 2012.
دعم روسي لا محدود وتشكل العملية العسكرية الروسية الواسعة التي أطلقتها موسكو في حلب عبر قواتها الجوية والصواريخ التي تطلقها من منصاتها في البحر حجر زاوية في مساعدة القوات الحكومية على التقدم في الأحياء الشرقية بحلب.
ودمَّرت الغارات الروسية المرافق الأساسية في حلب الشرقية، ومن بينها المستشفيات ومحطات الكهرباء، وقامت بعمل تمهيد نيراني كثيف للقوات الحكومية، فيما يشبه الاعتماد على سياسة "الأرض المحروقة".
وعلى الأرض، يقدم المقاتلون الإيرانيون وميليشيا حزب الله وحركة النجباء العراقية وبعض الميليشيات الأفغانية الدعم المباشر للقوات الحكومية.
غياب الدعم الغربي المؤثر في ظل الدعم الروسي - الإيراني المفتوح للقوات الحكومية، فإنَّ المعارضة المسلحة لم تتلقَ سلاحًا نوعيًّا يحميها من الضربات الجوية العنيفة، ما جعلها عرضةً للاستهداف السهل في بؤرة جغرافية صغيرة.
واقتصر الدور الغربي على التصريحات المنددة وتوجيه الدعوات لوقف القصف الروسي والسوري.
وتردَّدت أنباء عن "تفكير" غربي لإمداد المعارضة بصواريخ أرض - جو، إلا أنَّ ذلك لم يتحقق بينما كانت رحى المعارك في حلب تدور لصالح الجيش الحكومي المدعوم جويًّا من روسيا.
وأقصى ما حصلت عليه المعارضة - وفق تقارير ميدانية - هي صواريخ أرض أرض من نوع جراد، وهي صواريخ هجومية محدودة المدى، وأيضًا كمية صغيرة من صواريخ تاو المضادة للدروع وهي أيضًا محدودة المسافة. وكلا السلاحين لا يفيدان في حالة التعرض لقصف جوي.
وتخشى أوساط سياسية أمريكية من أنَّ تزويد المعارضة بأسحلة نوعية وصواريخ مضادة للطائرات قد يؤدي لوقوعها في نهاية المطاف في أيدي جماعات متشددة قد تستخدمها ضد طيران التحالف الدولي الذي يركز على استهداف تنظيم الدولة "داعش" فقط دون أن يتدخل في مجرى المعارك بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة.
تشتت الفصائل المقاتلة والأجندة التركية ووسط الظروف الميدانية الصعبة وتردد الغربيين في تقديم دعم نوعي للمعارضة، يأتي تشتت الفصائل المقاتلة في معارك جانبية كأبرز سبب للتراجع الميداني.
وانخرط الجيش الحر المدعوم من تركيا وجزئيًّا من الغرب، في معركة ضد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يهيمن عليها الأكراد، والمدعومة مباشرة من الولايات المتحدة لكنها منبوذة من أنقرة.
وجعل انخراط فصائل مقاتلة من الجيش الحر في معارك لصالح تركيا لمنع وجود نفوذ كردي على الحدود إلى سحب عدد مهم من المقاتلين من حلب الشرقية الأمر الذي فتح الباب أمام تقدم القوات الحكومية وحلفائها.
كما أنَّ أنقرة ركَّزت جهودها الحربية على عملية "درع الفرات" لدحر الأكراد ومقاتلي "داعش" من المناطق الحدودية، وخفضت سقف أهدافها في سوريا بعد تقاربها مع موسكو.
ولم تتدخل تركيا بشكل مباشر مثل الإيرانيين في الحرب الدائرة رغم إعلانها صراحةً أنَّ رحيل الرئيس بشار الأسد ضروري لإنهاء الحرب، لكن التقارب الروسي التركي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان غيَّر على ما يبدو من أولويات أنقرة في سوريا.
الحصار والتجويع شكَّل حصار حلب المستمر الأرضية الكبيرة لإضعاف قوات المعارضة والبيئة الاجتماعية الحاضنة لها.
فتزامنًا مع عمليات القصف العنيف على كافة المرافق المدنية وتدمير المنازل، فشل المجتمع الدولي في إدخال مساعدات إنسانية ضرورية لنحو 250 ألف مدني يسكنون أحياء حلب الشرقية، ما أحدث ضغطًا اجتماعيًّا كبيرًا على مقاتلي المعارضة.
وأحدث الحصار تغييرًا في أولويات التفاوض بين الأمريكيين والروس بشأن وقف إطلاق النار، وكان مجرد السماح بإدخال مساعدات إنسانية للمدنيين هو الهدف الأول لأي هدنة بينما لم تتحقق الأهداف اللاحقة الأساسية وهي تهيئة الأجواء للتفاوض من أجل وقف شامل للأعمال العدائية في مختلف أنحاء البلاد وصولًا لعملية سياسية.
وفشلت اتفاقات وقف إطلاق النار سواءً في إيقاف القتال فعليًّا، وبخاصةً الغارات الجوية أو في إدخال المساعدات الإنسانية، بينما تعثرت الجهود الأخيرة من أجل إبرام هدنة إنسانية بالشرط الروسي وهو خروج المسلحين من شرقي حلب، ليزيد الضغط على مقاتلي المعارضة.
ورفعت روسيا والصين "الفيتو" هذا الأسبوع في مواجهة مشروع قرار مدعوم غربيًّا في مجلس الأمن من أجل وقف إطلاق النار في حلب لمدة أسبوع فقط، بينما فشلت المفاوضات الروسية الأمريكية الثنائية بسبب الخلاف على مصير مسلحي المعارضة.