قدم منتجو النفط من داخل منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وخارجها، هدية "عيد الميلاد" لاقتصادياتهم وللأسواق العالمية، بتوقيع اتفاقين لخفض الإنتاج بنحو 1.758 مليون برميل يومياً. وبدا التفاؤل واضحاً على عديد ممثلي الدول المنتجة للنفط، في مقر اجتماع المنتجين الأعضاء في "أوبك" والمستقلين في العاصمة النمساوية فيينا، السبت الماضي، عقب الاتفاق على خفض الإنتاج. وتوصل منتجون مستقلون، خلال اجتماع "فيينا" السبت، إلى خفض إنتاجهم بـ 558 ألف برميل يومياً، وذلك بعد أسبوعين من قرار مماثل للأعضاء في "أوبك" (يستحوذون على ثلث الإنتاج العالمي)، الذين خفضوا إنتاجهم بـ 1.2 مليون برميل يومياً. ويدخل اتفاق "أوبك" والمنتجين المستقلين رسمياً مطلع العام المقبل، بمجموع خفض يبلغ 1.758 مليون برميل يومياً، بينما يبلغ الإنتاج العالمي من النفط يومياً نحو 95 مليون برميل، وفق أحدث تقرير أدرته وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي. ومن شأن تنفيذ الاتفاقين دون إخلال، أن يسرع من خفض تخمة المعروض في السوق العالمية، ويقلل من كمية احتياطي النفط الخام لدى الدول المستهلكة. وظهرت نتائج الاتفاقين على أسواق النفط اليوم الإثنين، وصعد خام برنت بنسبة 4.5% مقارنة مع أسعار إغلاق الجمعة، إلى 56.76 دولاراً للبرميل وهو أعلى مستوى منذ يوليو 2015. وتسبب ضعف الطلب وتخمة المعروض، في تراجع أسعار النفط الخام، منذ منتصف 2014، هبوطاً من 120 دولاراً للبرميل إلى حدود 27 دولاراً مطلع العام الجاري، قبل أن يصعد إلى حدود 54 دولاراً في الوقت الحالي. ويبلغ حجم فائض المعروض يومياً في الأسواق العالمية بنحو مليون برميل يومياً، بينما يبلغ حجم مخزون الدول المستهلكة من النفط الخام بأكثر من 2.5 مليار برميل. اتفاق تاريخي بـ "التاريخي"، وصف الخبير النفطي وليد خدوري (عراقي مقيم في لبنان)، الاتفاقين اللذين تم توقيعها بين الدول الأعضاء في "أوبك"، والمنتجين المستقلين نهاية الشهر الماضي، ومطلع الأسبوع الجاري. وقال خدوري في اتصال عبر الهاتف مع الأناضول، إن الاتفاقين مكملان لبعضهما البعض، "ومن الصعوبة تنفيذ أحدهما بمعزل عن الآخر لأسباب مرتبطة بعدم تحقيق التوازن في أسواق النفط". ويعد الاتفاق الذي تم التوصل له، السبت، الأول من نوعه بين "أوبك" والمنتجين المستقلين منذ عام 2001، بينما الخفض الذي اتفق عليه أعضاء أوبك نهاية الشهر الماضي، هو الأول منذ 2008. كانت روسيا (منتج مستقل) أعلنت في 30 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، عزمها خفض 300 ألف برميل يومياً، بينما تتوزع النسبة المتبقية للمنتجين المستقلين بين دول المكسيك وكازاخستان وماليزيا وسلطنة عمان وأذربيجان والبحرين وغينيا الاستوائية وجنوب السودان والسودان. مخاوف التنفيذ وأبدى الخبير النفطي العراقي، تخوفاته من مرحلة التطبيق التي ستبدأ مطلع العام القادم، "نعم هناك تخوفات من عدم التزام الدول بالاتفاقات الموقعة، وسيهدد الهدف الرئيس منها". وزاد: "هناك اتفاقات وعقود مبرمة بين الدول المنتجة والمستهلكة، لذا ربما نجد خرقاً للاتفاق خاصة من الدول المتضررة أكثر من غيرها من هبوط أسعار النفط الخام". وأصدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في الأول من الشهر الجاري، بيانات أبدت فيه تخوفاتها من وجود مخاطر متعلقة بتنفيذ الاتفاق بين الدول الأعضاء في أوبك، قد تحول دون تحقيق النجاح المأمول من الاتفاق. وقررت "أوبك" تشكيل لجنة مراقبة وزارية لاتفاقها القاضي بخفض كميته 1.2 مليون برميل يومياً، تتضمن الكويت وفنزويلا والجزائر، ستعمل عن كثب لمراقبة تطبيق التزام الدول بالاتفاق. وقال إبراهيم الفيلكاوي، المستشار الاقتصادي لمركز الدراسات المتقدمة في الكويت، في اتصال عبر الهاتف مع "الأناضول" من الكويت: "السؤال الآن هو (هل ستلتزم الدول من داخل "أوبك" وخارجها بخفض إنتاجها وفقا للاتفاق؟)، نعتقد أن هذا هو التحدي الرئيسي خلال الفترة القادمة". وأضاف الفيلكاوي: "التوقعات بشكل عام ترجح ارتفاع أسعار النفط بين مستويات 55 إلى 60 دولاراً للبرميل مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ". هدية للأسواق يعتقد "خدوري" أن الدول المنتجة للنفط في المقام الأول، هي المستفيد الأكبر من الاتفاقين، لأنه سيزيد من الإيرادات المالية الناتجة عن مبيعات الخام حول العالم. لكن الأسواق المستهلكة والاقتصادات العالمية، مستفيدة أيضاً من هذا الاتفاق، لأنه سيزيد من السيولة في الأسواق، وسيدفع المستهلكين نحو تعزيز البحث عن مصادر الطاقة البديلة وتحفيز الاستثمارات بهذا الشأن"، يقول "خدوري". ودفع هبوط أسعار النفط الخام، إلى خفض الدول المنتجة استثماراتها في قطاع البتروكيماويات، وتنفيذ برامج تقشف دفعت إلى تسريح عشرات آلاف الموظفين، وتقليص حجم المشاريع الاستثمارية. وقال صندوق النقد الدولي في إبريل الماضي إن الدول المستهلكة للنفط لم تستغل هبوط أسعار النفط الخام، بالشكل المطلوب لتحفيز استثماراتها التي تعتمد على الوقود كمدخل في الإنتاج.