قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" إن الهجوم الذي استهدف المصلين المسيحيين خلال قداس الأحد بالكنيسة البطرسية بالعباسية، وكذلك الهجوم الذي وقع السبت في استاد بمدينة إسطنبول التركية، لا يحملان بصمات تنظيم القاعدة وإنما تنظيمات محلية داخلية.
ورأى في مقال بعنوان " في القاهرة كما في إسطنبول.. الإرهاب السياسي يعود لمقدمة المسرح"، أنه وبخلاف داعش والقاعدة، فإن ما وصفه بالإرهاب المحلي يترك خيارا للأنظمة، ممثلا في المصالحة السياسية. وفي الحالة التركية يرفض الرئيس رجب أردوغان المصالحة مع الأكراد واستئناف المفاوضات، وكذلك يفعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع جماعة الإخوان المسلمين.
إلى نص المقال..
يُذكر الاعتداءان الإرهابيان اللذان وقعا السبت والأحد الأول في إسطنبول والثاني في القاهرة بشكل مأساوي بوجود الإرهاب القديم والمعروف، الذي لم يخرج من مدرسة الدولة الإسلامية (داعش)، بل يستند لخصومات سياسية محلية.
يعزى التفجير في تركيا لتنظيمTak (صقور حرية كردستان) وهو فصيل تابع لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كتنظيم إرهابي. يلقي النظام المصري بالمسئولية على تنظيم "حسم" المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. يدور الحديث في الدولتين عن جماعات إرهابية ذات أجندة محلية وليست عالمية كداعش أو القاعدة.
إن كانت تلك التنظيمات فعلا هي من نفذت الاعتداءات (في تركيا تبنى التنظيم المسئولية)، فإنها تقع إذن في مجال المسئولية الأمنية لكل دولة منهما وليست جزء من الصراع الذي تخوضه تلك الدول ضد ما جرت العادة على تسميته "الجهاد العالمي".
تخوض تركيا منذ الثمانينيات صراعا داميا ضد حزب العمال الكردستاني أسفر عن سقوط أكثر من 45 ألف ضحية، بينما شنت مصر حملة إبادة ضد الإخوان المسلمين في 2013 مع الإطاحة بمحمد مرسي من الرئاسة واستيلاء الجيش على الحكم.
أهداف التنظيمين وطنية. فحزب العمال والأذرع التابعة له مثل "صقور حرية كردستان" لا يستند إلى أجندة دينية، بل العكس، إذ أنها جماعة علمانية تطالب بمنح الأكراد حكم ذاتي قومي وثقافي وتستمد مبادئها من النظرية الماركسية.
تنظيم "حسم" المصري، ورغم صلته بالإخوان المسلمين، وضع على رأس أهدافه السعي لتطبيق مبادئ ثورة يناير 2015 التي دمرها النظام العسكري كما يقول. وفقا لركائزه يدعو التنظيم لإبعاد الجيش عن السياسة، والسماح بحرية التظاهر ويدعو كافة التيارات والحركات للانضمام له. بذلك تفصل حركة "حسم" نفسها عن الحركات الجهادية الكلاسيكية كالجهاد الإسلامي أو كتائب داعش العاملة بسيناء.
رغم أن مصر وتركيا على خبرة بالهجمات الجماعية، فإن لكل واحدة من تلك الهجمات خصائص فريدة. في مصر كان الهجوم الذي هدف للمساس بنقطة ضعف النظام المصري الذي يجتهد لإثبات أن أمن كل المواطنين، مسيحيين ومسلمين، مهم بالنسبة له بشكل متساو. اتخذ النظام المصري مؤخرا قرارا يهدف لتحسين أوضاع الطائفة المسيحية القبطية التي يبلغ تعدادها من 9 إلى 10 ملايين نسمة، والسماح ببناء الكنائس بسهولة.
لكن الطائفة القبطية لا تزال متخوفة، لاسيما على خلفية استمرار التحقيق في أحداث تحرش مسلمين بمسيحيين. إن تنفيذ تفجير يسقط هذا العدد من الضحايا في الكنيسة، في ساعة القداس الإلهي يوم الأحد، يحطم الجهد السياسي للسيسي، الذي يهدف لاسترضاء المجتمع الدولي. ويتوقع أن يخلف الهجوم أيضا موجة جديدة من المواجهات بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وبذلك يتورط السيسي في مواجهة معقدة للغاية تفوق الحرب على الإرهاب التي يكرس لها قوات الجيش والمخابرات في أنحاء البلاد.
كذلك فإن مكان الهجوم في إسطنبول لم يكن عشوائيا. فالاستاد الرئيسي لفريق بشيكطاش يرتبط بشكل شخصي بأردوغان، الذي افتتحه بركلة البداية في أبريل 2016. لكن في مقابل مشجعي فريق فنربخشة المحسوبين على النخبة الاقتصادية المؤيدة لأردوغان، فإن مشجعي فريق بشيكطاش ينحدرون من أبناء الطبقة الوسطى والدنيا ومن الطبقة العاملة، وكان مشجعوه بين النشطاء والمنظمين للتظاهرات ضد نظام أردوغان خلال الاحتجاجات التي أعقبت تدمير منتزه جيزي عام 2013.
هم أيضا الذين عانوا من القبضة الشديدة للنظام عندما ألقي القبض على الكثير منهم وتعرضوا للضرب على يد الشرطة. إن تنفيذ هجوم إرهابي بالقرب من الاستاد يأتي لإشعال غضب معارضي أردوغان وإلهاب الجمهور العلماني- الليبرالي، والطبقات الفقيرة بالمدينة التي طالبت بشكل عام بالتصالح مع الأكراد.
إن كان الأمر كذلك، فإن كلا الهجومين في مصر وتركيا يعتمدان على نوايا لإثارة الرأي العام ضد النظام وتصدير الصراع الداخلي على رأس جدول الأعمال. كذلك جاء الهجومان لتقديم صراع النظام مع خصومه السياسيين على أنه عديم النفع. هكذا، ورغم الصراع العنيف الذي يخوضه أردوغان ضد الأكراد في تركيا بما في ذلك هدم البيوت، وحظر التجوال لفترات دويلة، والاعتقالات وقتل المواطنين- لم ينجح في منع الهجمات التي تحرج عناصر الاستخبارات، والشرطة وتسخر من سياسة القبضة الحديدية.
وكما في تركيا، في مصر أيضا، يقدم الهجوم النظام الذي يخوض حربا شرسة ضد الإخوان المسلمين، كمن لا يقدر على إبادة أعدائه، بل ويُعرض أمن المواطنين للخطر بسبب سياساته القاسية ورفضه التصالح مع الإخوان المسلمين.
وللتفريق بين الهجمات الإرهابية التي ينفذها داعش أو القاعدة، ففي كل ما يخص الإرهاب الداخلي يملك النظامان خيارا بديلا للصراع العنيف. فالأكراد في تركيا بما في ذلك حزب العمال الكردستاني يريدون استئناف المفاوضات مع النظام لتنظيم مطالبهم الثقافية والأخلاقية. وقد توقفت المفاوضات بقرار من أردوغان عام 2015 بعد الهجوم الذي شهدته مدينة شوروتش جنوب شرق البلاد.
كالأكراد، يحاول الإخوان المسلمون في مصر أيضا منذ ثلاثة سنوات إجراء مفاوضات مع النظام الذي يرفض محاولاتهم قلبا وقالبا. تركيا ومصر متورطتان في نفس العقدة التي تميز إسرائيل أيضا في حربها على العمليات الإرهابية الفلسطينية. في الدول الثلاثة هناك اعتراف بأن الحرب الجسدية لن تؤدي بالضرورة لإنهاء الإرهاب، وفي ذات الوقت، فإن أي محاولة للحوار مع التنظيمات تعتبر داخلها خيانة وانهزامية.
الخبر من المصدر..