كانت الحياة طبيعية في ذلك اليوم بقرية منشية عٌطيفة الواقعة بزمام مركز سنورس بمحافظة الفيوم ، فلم يعد أحد من أهالي القرية يسأل عن ذلك الشاب محمود شفيق محمد مصطفى الذي تغيب منذ نحو عام ونصف وطواه النسيان ،قبل أن تتوقف عقارب الساعة عند الثانية من ظهر الإثنين ،وتنقلب القرية الهادئة رأسا على عقب ، بعد إعلان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أن الشاب العشريني الطالب بكلية العلوم هو نفسه منفذ تفجير الكنيسة البطرسية المحلقة بالكتدرائية المرقسية ، الذي راح ضحيته 25 شخصا غالبيتهم من النساء .
وقف السيسي في جمع من مسؤولي الدولة وقياداتها وأمام كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية ليعلن في تقليد هو الأول من نوعه أن الشاب الذى عهده أبناء منشية عٌطيفة، منطويا، وملتزما دينيا، هومنفذ تفجير الكنيسة ، وأنه كان اليد التي ضربت بها القوى المتربصة بمصر وحدة المصريين في محاولة للتأثير على النسيج الوطني ، مؤكدا أن تلك العملية تعبر عن مدى الإحباط التي وصلت له تلك القوى .
على مدخل القرية كان محمود سلامة، 50عاما يقف أمام مسجد صغير بعد صلاة العشاء أمس الإثنين، بمجرد السؤال عن المتهم محمود شفيق كانت إجابته واضحة تماما أنه مختفي منذ فترة، ولا يعلم أحد مكانه، وأن له 5 أشقاء إثنين من الرجال و3 بنات تزوجت إحداهن قبل فترة.
شارع ضيق يأخذك إلى منزل ريفي مكون من طابقين، ربما يرجع بنائه إلى ما يزيد عن عشرين عاما ، و بوابة حديدية تنبئ عن حال سكان الدار، التى تقول السلطات إن إرهابي كان يسكنها، وفجر نفسه أول أمس الأحد بالكنيسة البطرسية بالقاهرة، بينما الأسرة ترفض تصديق الرواية الرسمية التى قيلت على لسان الرجل الأول في الدولة .
من خلف نقابها الأسود، بدأت السيدة في سرد الحكاية بأنها لن تصدق أن ولدها هو من نفذ التفجير حتى ترى جثمانه وتتأكد بنفسها.
وتضيف أنها لا تستبعد أن تكون التهمة ملفقةلابنها، وقام بها أخر وتريد الحكومة إلصاقها به.
تروي الأم حكاية إبنها الذى صار حديث وسائل الإعلام ، في الساعات الأخيرة من منتصف أمس الإثنين، بأنه أُلقي القبض عليه في العام 2014، وهو عائد من درس خصوصي بمركز سنورس، التابع لمحافظة الفيوم، هو وأحد أصدقائه.
وبحسب السيدة لفقت السلطات لابنها قضية بالتظاهر وحمل السلاح، والانضمام لجماعة إرهابية إلا أنه أفرج عنه بعد 50 يوما تحديدا.
لكن الأمور لم تتوقف عند قرار النيابة العامة بالإفراج عن محمود شفيق، فكما تقول والدته كانت تحضر للمنزل قوة شرطية بين اليوم والآخر، للبحث عنه وكان يهرب قبل حضورهم.
في ديسمبر الماضي أبلغ محمود شفيق، أسرته بحسب الرواية التى ذكرتها والدته لـ"مصر العربية" أنه سيغادر المنزل، حتى لا يقع في يد الأمن مرة أخرى، ولا يعرض شقيقاته البنات للإحراج بدخول رجال المباحث وأفراد الأمن عليهن بين الحين والآخر.
وتستطرد السيدة، أنها لم تر ابنها منذ هذا التوقيت إلا أنه كان يطمئن عليها بين الحين والآخر عبر اتصال هاتفي، كان يأتيها كل أسبوعين تقريبا، كاشفةً أن آخر مرة هاتفها كان قبل 15يوما تحديدا.
الحديث الذى دار مع والدة المتهم لم يكن هادئا على الإطلاق، فبعد دقائق من الحديث، بدأت السيدة في لملمة دموعها من خلف النقاب، لتكمل حكاية ابنها الذى لم يتجاوز 22عاماً، بأنه لا يمكن أن يُقدم على مثل هذا الفعل، فهو من أوائل الثانوية العامة، وحصل على المركز الخامس على مستوى المحافظة، وحاليا يدرس في الفرقة الثالثة بكلية العلوم.
وتضيف أنه لولا المطاردات الأمنية ما كان ليترك ابنها القرية، مرجعة أسباب القبض عليه لوشاية أدلى بها بعض المخبرين الموجودين بالقرية. على حد قولها.
السيدة التى صعقت من كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم وهو يكشف عن تفجير ابنها للكنيسة البطرسية تشير إلى 3 من أبنائها ، فلم يقتصر الأمر على اتهام الأبن الأوسط بين الثلاثة الذكور بتنفيذ التفجير، فحضرت قوة من مباحث أمن الدولة واصطحبت أخاه الأكبر محمد شفيق أول أمس الأحد.
وتقول السيدة إن ابنها الأكبر يعول أسرتين بعد موت زوجها الذى كان يعمل صولًا في الجيش المصري قبل عام ونصف، مشيرة إلى أنه متزوج وأنجب قبل شهور طفلين توأم وبعد أن غادر أخوه المنزل أصبح هو المسؤول عن أسرته التى تسكن في الطابق الثاني من البيت إضافة لأمه وثلاث بنات أخريات يعيشن مع الأم.
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد فبحسب الأم القي القبض على شقيق محمود الأصغر في فبراير الماضي هو الآخر رغم أنه جندي بالقوات المسلحة ولم ينهِ فترة تجنيده الإلزامية حتى الآن.
وتنفي السيدة تهمة الإرهاب عن أسرتها مستدلة بالزوج الذى كان يعمل بالجيش، والابن الذى كان يخدم بالقوات المسلحة حتى ألقى القبض عليه.
وبخصوص المكالمات التلفونية التى كانت تتلقاها السيدة من ابنها المتهم تقول إنه لم يكن يشرح فيها أى تفاصيل عن حياته خوفًا من أن يكون الهاتف مراقب أمنيًا، كانت عبارة عن رسائل للاطمئنان وفقط.
لكن رواية الأهالي ربما تتضارب مع رواية الأسرة، فيقول علي أحد سكان حي " الأردن" الذى يعيش فيه المتهم محمود شفيق ، واضفا إياه بأنه شاب قصير القامة، لونه قمحى يميل للسمار، جلبابه قصير ليس له علاقة بأحد، يأتى ويذهب فى حالة بدون التدخل فى حياة أحد، من "المسجد للبيت أوالدراسة" ويعمل سائق توك توك.
فى عام 2014 تم القبض عليه فى إحدي المظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، وتم الإفراج عنه بعدها بفترة تقترب من الشهرين، وظل المخبرون ورجال المباحث يترددون على منزلهم، الأمر الذى جعله يهاجر إلى القاهرة. ويُتابع جار المتهم لم يكن له أي أصدقاء فى القرية إلا واحد فقط، أعتقل معه فى 2014، ولم يخرج حتى الآن.
منذ 13 عامًا، وجدنا والد محمود الذى كان يعمل صولًا فى الجيش جاء إلى القرية مصطحبًا زوجته وثلاث شباب وثلاثة فتيات، يسكنون بمنزلهم الصغير المكون من طابقين، وهم منعزلون عن الآخرين بصورة كاملة.
حليمة اسم والدته، صابرة على البلاء، وكل شىء تتعرض له، قبل أن يتوفى زوجها بذبحة صدرية منذ عام ونصف. " شقيقته الكبرى متزوجة فى قرية مجاورة لنا، والوسطى بالمدرسة الثانوية الفنية، والصغري بالمرحلة الابتدائية، أما الشباب فالكبير منهم متزوج ويعول تؤام، وتم القبض عليه أمس من منزله، والصغير كان يقضي خدمته العسكرية، وتم القبض عليه فى شهر فبراير الماضي" تضيف الأم وعينها تلمعان بما تحملان من دموع . صوت الصراخ يعلو منزلهم منذ الواحدة ظهرًا، ولا يعرف أحد السبب، ولكن والدته خرجت وأخبرت الجميع أنها غير متأكدة من الصورة التى تم تداولها لابنها والاتهام الذى وجهه له رئيس الجمهورية.
ل أحد الجيران أن محمود شفيق خارج مصر منذ ما يقرب من عام ونصف، ويطمئن علي أسرته من حين لآخر.
وأضاف أنهم علموا منذ فترة بتسلله للسودان مع بعض الهاربين من الملاحقات الأمنية بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين وأكدت والدته أكثر من مرة على ذلك.