أدلى الدكتور طلعت مصطفى، المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، بتصريح جديد من نوعه لوكالة الأناضول التركية الرسمية، ونفى فيه لأول مرة أي علاقة للجماعة بحركة حسم الإرهابية التي تستهدف أجهزة الأمن، وكان آخرها هجوم الجمعة الذي أودى بحياة 6 من أفراد الشرطة.
المفاجأة التي فجرها المتحدث الرسمي للإخوان تحمل دلالات غاية في الأهمية، وبجوارها غموض يستدعي التأمل لاستدراك الرؤية الحقيقية للكيان الرسمي للجماعة، خاصة وأن تصريح طلعت مصطفى حتى هذه اللحظة لا يحسب على الإخوان كمؤسسة؛ لأنها لم تتبنّ رسميًا رؤية مشابهة لمتحدثها الرسمي، حتى نعتبره تصريحًا يعبر عنها أو يمكن الاستناد إليه، فموقع الجماعة الرسمي على شبكة الإنترنت لم يتبنّ التصريح، ولم يذكره حتى ضمن باقة تصريحاته التي يعتني بإبرازها دائمًا، بل وفي الوقت الذي تخرج فيه للعلن.
«نصائح وإرشاد» دون صدى من الإخوان
العديد من القوى الراغبة في تصفية الصراع بين الدولة والإخوان تنبهت مبكرًا إلى خطورة نسب عمليات قتل وتصفية إلى الإخوان، وطالبت بشكل مباشر الجماعة بإعلان تبرؤها من ممارسات القتل الممنهج؛ حتى لا يؤثر ذلك على مبررات عودتها ككيان، فضلاً عن التعريض المباشر بحياة أفرادها، واستهدافهم من قبل الأجهزة الأمنية.
وآخر من وجّه نداءً للجماعة كان الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس، المقرب من الإخوان وصاحب الرأي السديد لديهم، والذي وجّه نصائح عاجلة لهم بضرورة سرعة إعلان تبرؤهم من حركة حسم وأقرانها، وتوضيح موقفهم منها فورًا.
ورغم معرفة عبد القدوس ببراجماتية الحسابات لدى الكبار مع الصف الإخواني، لاسيما وأن نتائج عمليات التصفية تُشعر الكثير من أهالي ضحايا الجماعة أن هناك من يستطيع جلب حقوقهم من النظام الحاكم، حتى لو كانت الطريقة بربرية وغير مشروعة، ولكنها تبقى في نظرهم مماثلة لما يحدث في حقهم من انتهاكات، إلا أنه طالبهم دون مواربة بضرورة التمسك بالسلمية.
واعتبرها عبد القدوس شعارًا لا يمكن التراجع فيه، بعد أن أعلنه المرشد العام الدكتور محمد بديع من فوق منصة اعتصام رابعة العدوية، والذي قال للإخوان بشكل واضح لا لبس فيه: سلميتنا أقوى من الرصاص.
وقال عبد القدوس في رسالته للجماعة: «إن الإخوان لا يؤمنون بهذه الطريقة من العمل الثوري، والاغتيالات الفردية لن تُجدي نفعًا مع جيش وأجهزة أمن على أعلى مستوى، كما أنها تسيء إلى صورة الجماعة أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي».
واعتبر رئيس لجنة الحريات السابق بنقابة الصحفيين المصرية، أن التغيير عن طريق الجماهير العريضة هو الحل المقبول عقليًا ومنطقيًا وتاريخيًا، واستشهد في معرض رسالته برأي الشيخ حسن البنا في مواجهة من ارتكبوا أعمال عنف، والذي قال فيهم عبارته الشهيرة «ليسوا إخوانًا ولا مسلمين».
ما الذي تغير في موقف الجماعة؟
تصريح المتحدث الرسمي الذي نفى علاقة الإخوان بحركة حسم الإرهابية، والتي تهدف لضرب مفاصل النظام الحاكم عبر عمليات نوعية مسلحة، رغم أنه يشي بتحولات كبيرة في السياسات المزمع اتخاذها خلال الفترات القادمة، إلا أنه في جوهره لا يختلف كثيرًا عن التكتيكات النمطية للجماعة، والتي تنتهج في قراراتها المصيرية «بيروقراطية» تهدف لرجع الصدى المبكر لدى القواعد وصناع القرار السياسي والقوى الإقليمية والدولية في آن واحد.
فقرار بهذه الخطورة يعلم جيدًا من دفعوا المتحدث الرسمي للإدلاء به أنه سيلقى معارضة قطاع كبير من الصف الإخواني، وبعض الدول المساندة للجماعة، والمعادية بالضرورة للنظام المصري.
ولن يسلم التصريح بالطبع من تنظير شتات جبهة «الكماليون» الذين يحاولون تجميع أنفسهم وإعادة تلميع موقفهم العدواني من النظام في ذهنية الجماعة، التي أصبحت تميل في أغلبها لاستقرار وعقلانية جبهة عزت بعدما تفرقت السبل بأتباع محمد كمال، إثر مقتل زعيمهم الروحي ورئيس جبهة الإدارية العليا، التي تصدت بندية غير مسبوقة للقيادات التاريخية.
كما يرمي تصريح المتحدث الرسمي إلى اختبار نتائج تبني الجماعة نوعًا من استقلالية الموقف والقرار لجبهة المرشد في تطبيق أفكارها، التي طوقتها أصوات زاعقة في الجماعة، ترعاها أطراف إقليمية ترغب في عدم حل الموقف؛ لتبقى في قلب الزخم السياسي الذي تستمده حاليًا من «ندية» النظام الحاكم في مصر؛ ما يجلب لها التأثير السياسي الذي فقدته فور عزل الإخوان عن الحكم في 2013 الماضي.
وتحاول جبهة الكبار في الجماعة التعامل بذكاء شديد لعدم خسارة القوى الإقليمية الداعمة لهم، حتى لو كانت تعلم جيدًا أنه دعم مشروط. وفي نفس الوقت تريد حل الأزمة دون المزيد من الخسائر المادية والبشرية والسياسية، خصوصًا وأن النفق الحالي يزيد من صعوبة الأوضاع الإنسانية لضحايا نكبة الإخوان المستمرة، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وحتى الآن.
إعلام الإخوان يتجاهل مبادرة متحدثهم الرسمي
الغريب والمثير في آن واحد هو تجاهل «الإعلام الإخواني» بجبهتيه المؤيدة والمعارضة للدكتور محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، لتصريح بهذه الخطورة، فلم تجلب وسائل الإعلام التعليقات والمتابعات عليه، وكأنه لم يحدث.
وهنا دلالات تشي بتغير في المشهد الإعلامي الإخواني، وحدوث نوع من التوافق على القضايا المطلوب إثارتها لدى أفراد الجماعة، بعدما ظلت المنصات الإعلامية لكلا الجبهتين المتصارعتين تنظيميًا ساحات ملتهبة للتنظير والضرب تحت الحزام طوال العامين الماضيين.
حسم: عمر قصير وإرهاب مدروس بعناية
رغم حداثة عمرها الذي لم يتجاوز السبعة أشهر، إلا أنها تتبع أسلوبًا احترافيًا يميل للأسلوب الداعشي، بداية من خطابات الإعلان عن العمليات، مرورًا بالتكتيكات والتدابير والتصوير الفني.
وتعلن الحركة بشكل واضح استهدافها لرؤوس نظام السيسي على كل المستويات، سواء كانوا عسكريين وشرطيين، أو أزهريين ورجال دين، أو سياسيين وشخصيات عامة، أو إعلاميين وصحفيين.
ورغم حجب السلطات المصرية مؤخرًا للموقع الإلكتروني وصفحات الحركة على فيسبوك وتويتر وإنستجرام، إلا أن ذلك لم يعقها عن النشر والتواصل فيما تريد، بل كان خبر إعلان مسؤوليتها عن تفجير الهرم الأخير أسرع لدى المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي من ترسانات المواقع الإخبارية المحترفة، التي تعيقها القيود التحريرية والأمنية عن نقل تفسيرات سريعة لما يدور على ساحات التواصل.
وكانت الحركة تبنت 5 عمليات نوعية في فترات متقاربة زمنيًا، فاستهدفت النائب العام المساعد، المستشار زكريا عبد العزيز، عبر سيارة مفخخة بالقرب من منزله، ونجا منها، بينما أصيب عدد من الحراسات والسيارات غير المصفحة، التي كانت تصاحبه بالموكب.
كما تصدت «حسم» لتصفية رئيس مباحث طامية بالفيوم، والشيخ علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، والذي وصفته بالقاضي الشرعي للإعدامات التي صدرت بحق الإخوان، ونجا جمعة بأعجوبة؛ لتؤكد الحركة بتحدٍ واضح مرة أخرى في بيان لها أنها ستعود لاستهدافه ولن يسلم منها.
وأعلنت الحركة أيضًا تفجير نادي شرطة دمياط، عبر تطويقه بعبوات ناسفة شديدة الانفجار، والتي اكتشفتها فرقة المتفجرات التابعة للداخلية، وأثناء محاولة تفكيكها انفجرت فيها؛ ما أدى إلى إصابة ستة أفراد، على رأسهم العقيد معتز سلامة، رئيس إدارة المفرقعات، وأمين شرطة، وأربعة شرطيين آخرين.
وحتى تؤكد الحركة أنها لا تستهدف الرؤوس الكبيرة فقط، بل يطول ذراعها كافة المدانين من وجهة نظرها بإيذاء الإخوان، تبنت تصفية أمين شرطة مباحث، يدعى صلاح حسن، وأطلقت عليه عدة رصاصات في الرأس مباشرة بنطاق محافظة الجيزة، سبتمبر الماضي؛ ما أدى إلى مقتله في الحال وسرقة متعلقاته.
النص الأصلي اضغط هنــــــــــــــــــــــــــا