صراخ وعويل وأشلاء متناثرة ، عشرات القتلى والمصابين، ومشهد الدماء يسيطر على مختلف أرجاء مبنى الكنيسة البطرسية بالعباسية، مشاهد مفجعة خلفها التفجير الإرهابي الذي ضرب العاصمة الأحد الماضي، وخلف معها روايات عدة حول طريقة التنفيذ وآليته والجهة المسئولة عنه، إلى أن أعلنت داعش مسئوليتها عن الحادث.
إعلان داعش أو ما يعرف بـ "تنظيم الدولة الإسلامية"، لم يُنه نسب المسئولية الحائرة بين روايتين "داعش - وزارة الداخلية"، بل أثار جدلا أوسع داخل أوساط المجتمع المصري ليجعل الصورة أكثر ضبابية في مشهد لم يستطع الكثيرون استيعابه حتى الآن.
جانب من تفجيرات الكنيسة البطرسية
هذا الجدل الذي خلفه إعلان تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث اعتمد بشكل أساسي في صورته الذهنية التي ترسخت لدى المواطنين على عناصر عدة منها الغياب التام للذراع الرئيسي للتنظيم في مصر وأحد أهم أدواته في استهداف الدولة المصرية فلم يرد اسم "ولاية سيناء"، الأمر الثاني الذي كان محل الجدل هو اختلاف الكناية التي لقب بها منفذ العملية، والذي ورد في رواية وزارة الداخلية "أبو دجانة"، بينما ذكر بيان الجماعة الإرهابية أنه يحمل لقب "أبو عبدالله المصري".
عدد من الخبراء في شئون الجماعات الإرهابية والحركات الإسلامية الجهادية إلى جانب أحد خبراء االأمن، كشفوا لـ "مصر العربية"، حقيقة التغييرات التي طرأت على بيان داعش ومدى تأيرها على ما يشاع حول احتمالية أن يكون داعش نسب لنفسه العملية دون أن يقوم بها.
بعض مقاتلي تنظيم داعش
العميد حسين حمودة، الخبير الدولي في مكافحة الإرهاب، أوضح أن غياب مسمى تنظيم ولاية سيناء عن بيان اعلان داعش مسئوليته عن تفجير الكنيسة البطرسية هو استراتيجية ليست بالجديدة على التنظيم، فمن وقت لأخر يتبع التنظيم الأم هذا الأمر وهذا حدث في بعض العمليات التي وقعت في عامي 2015، و 2016.
وقال حمودة، إن صدور البيان عن موقع "دابق" النافذة الإعلامية الرئيسية للتنظيم يوحي بمصداقية رواية داعش إذا ما وضعت في مقارنة مع رواية وزارة الداخلية، وما يرجح رواية داعش ويغلبها على رواية الجانب المصري هو سابقة أعمال داعش الإجرامية والتي لم يكذب منها عمل واحد على عكس الحال في بطلان رواية الأجهزة الأمنية في مصر أكثر من مرة، وهذا بالطبع ليس اتهاما للأجهزة المصرية بالكذب وفقا لحديثه.
وتابع: ستظل رواية داعش مصدقة ما لم يخرج الأمن بتفاصيل الخلية التي وقفت خلف تفجيرات الكنيسة البطرسية، فحتى الأن الاجهزة الأمنية المصرية تسير في إتجاه عكس الذي يسير فيه تنظيم داعش"، ملقيا بجزء كبير من المسئولية على الأمن المصري والذي كان من الضروري أن يكون اكثر حرصا وحذرا، فهذا التوقيت المتمثل في شهر ديسمبر حتى منتصف يناير من كل عام يمثل حالة استنفار أمني حول الكنائس المصري.
ولفت إلى إمكانية وجود اتصال بين داعش الأم وبين تيارات تتبني العنف داخل مصر، بخلاف التيار الرئيسي المتمثل في "ولاية سيناء"، منوها إلى أن التعامل العنيف وحالات التصفية الجسدية التي اتبعها النظام في التعامل مع عناصر الإخوان سواء مدان أو غير مدان بالعنف حولهم إلى داعشيين.
وحذر الخبير الأمني، من السياسة المتبعة من الدولة في تحويل قوة الشرعية "دولة القانون" إلى شرعية القوة "قانون الغابة"، فالخروج عن غطار القانون في التعامل مع الإرهابيين يهدد السلم الإجتماعي.
يدخل على خط الحديث الدكتور صبرة القاسمي، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، والجهادي السابق، والذي قال إن العقل المركزي لداعش هو من دبر العملية وليس فرع التنظيم داخل مصر في إشارة إلى ولاية سيناء، وهذا الأمر يفسر غياب اسم الثاني عن بيان اعلان المسئولية.
"ولاية سيناء" تغيب عن بيان داعش في تفجير الكنيسة البطرسية
وجرت العادة على نسب مسئولية العمليات التفجيرية التي يقوم بها "ولاية سيناء" إليه في البيانات الصادرة عن داعش الأم وهذا الأمر أبرزته عدة ومن أهمها إسقاط الطائرة الروسية بمنطقة وسط سيناء، ونشرت ولاية سيناء فيديو يوضح تحليق الطائرة في سماء سيناء قبل استهدافها بصواريخ لتنفجر في الجو وتسقط.
العملية الأخرى التي نفذها داعش عن طريق ذراعه في مصر "بيت المقدس"، كانت في الهجمات العسكرية على كمين الرفاعي على الطريق الدولي.
"ولاية سيناء" يتصدر بيان داعش حول إسقاط الطائرة الروسية
وأوضح القاسمي، أن منفذ تفجير الكنيسة البطرسية بعيد عن عناصر ولاية سيناء، وربما يكون تواصل مع قواعد التنظيم الرئيسية، فهذه العملية على مستوى عالي من الاستخباراتية، لافتا إلى أن داعش لديها قيادات لا مركزية تتحرك داخل مصر دورها تنفيذ توجيهات القيادات المركزية للتنظيم الأم.
وأكد الخبير في الحركات الإسلامية، أن تغيير مسمى كنية منفذ العملية من "أبو دجانة"، في رواية الداخلية إلى "أبو عبدالله المصري" في بيان داعش، أمر وارد فليس بالضرورة أن يحمل الشخص نفس اللقب في التعامل مع مؤسسات إجرامية مختلفة.
ويرى هشام النجار، الخبير في شئون الحكات الإسلامية، أنه من الوارد بنسبة كبيرة أن تكون العملية تمت بالتعاون بين تنظيم داعش وبين جماعة الإخوان فجزء كبير منهم سافر إلى قطر وهناك بقية تتعامل من الداخل معها.
وأشار النجار، إلى أن بيان داعش ربما يكون مراوغة بهدف تشتيت جهود الأجهزة الأمنية المصرية، حيث أنه ينسف رواية وزارة الداخلية ويدل على أن المتهم الذي تم الإعلان عنه ليس المرتكب الحقيقي للتفجيرات.
وأكد أن قطر المستفيد الأكبر من بيان داعش الذي أعقبه مباشرة بيان لدولة قطر واستنكرت فيه بشدة ذكر اسمها واتهامها في التفجير، منوها إلى مدى حرصها على عدم ذكر اسمها في هذه الجريمة.