الدانوب يعرفني.. مسيرة إشراقة مصطفى ضد العنصرية

غلاف كتاب "الدانوب يعرفني"

صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" كتابٌ بعنوان "الدانوب يعرفني.. الوجهُ الآخر لسيرة الأنهار" للأديبة والأكاديمية السودانية الدكتورة إشراقة مصطفى حامد. ويضم الكتاب الذي صمم غلافه الفنانُ التشكيلي السوداني عبدالرحيم بدر، ما يشبه السيرة حياة المؤلفة منذ مولدها في "كوستي" بالسودان مرورًا بهجرتها إلى النمسا سنة 1993، وانتهاء بنشاطاتها في الفضاء العام، مدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين بالحياة الكريمة، ومتصدّيةً للممارسات والطروحات العنصرية. ويشتمل الكتاب على أكثر من عشرين فصلاً من بينها: "الخطوةُ الأولى، "هولابرون".. بدايات الاكتشاف، عشبٌ على "صخرة" اللغة الألمانية، المشيُ على النار حافيةً، من عاملةِ نظافة إلى الأفق العريض، حاملةُ وردِ الخزامى، لَوني في مواجهةِ العنصرية، اجتراحاتُ الهويّات وتحوُّلاتها، الوطنُ فردوسُ الغريبة، سيرةُ الموت في الليل الغريب، الإبداع.. الطريق نحو الكونيّة، يتيمةٌ في غربتي، ويعرِفُني الدانوبُ بعد ألفِ قرن!".  

واستعادت المؤلفة في سطور كتابها الذكريات وأجواء الطفولة والصبا، واستعرضت فيه التحديات والعقبات، وكيفية مواجهتها ومجابهتها وصولاً إلى ما حققته من إنجازات في مسيرتها المهنية والإبداعية.  

وجاء في تقديم خميس بن راشد العدوي، الرئيس السابق للجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء: "هذه السيرة انعكاسٌ لحياة حقيقية، ليست المعاناة ولا الأمل فحسب، بل هي الإنسان الذي يعيش الحياة على سجيّتها، تمرق الأيام من بين جوانحها كشعاعِ شمس، فلا يستطيع الزمن أن يغيّب بصيصاً من إشراق شمسها الإنسانية".  

وأضاف العدوي في تقديمه أن سيرة الكاتبة في "الدانوب يعرفني" قريبة إلى نفس القارئ، "سهلة في عبارتها تنساب بلطف بين ناظريه، تحكي عن حياته أكثر مما لو كتبها هو بنفسه، ليس لأيّ شيء سوى أن كاتبتها لم تسطرها بالحبر، وإنما رسمتها بالدمع؛ حزينه وسعيده".  

أما الإعلامي والصحفي والكاتب سوداني نجيب نور الدين، فكتب تقديماً للكتاب جاء فيه: "استطاعت إشراقة أن تمسك بالمفاتيح الرئيسة للأسئلة الكبرى في الوجود، كما استطاعت أن تلقي القبض على الخوف من خلال سيرة حياة ما كان يمكن أن تنجو من أهوالها ونيرانها .. تجاوزت كل ذلك وأوقدت شموعها وسط الظلام وأبحرت في جراح الإنسانية وأبدت جسارة لا نظير لها في مقاومة القبح واختلال الموازين وهي تنظر إلى قضايا الهوية واللون والعنصرية والتمييز والحرية والعدل والهجرة والنزوح". كما كتب في تقديم الكتاب الشاعرة والمترجمة الهندية ساريتا جينماني، والقاص والناشر الأردني جعفر العقيلي. وتقول د.إشراقة في مستهل كتابها: "ما كان للدانوب أن يعرفني لولا تلك الدروب التي حفرتْ فيها الخطوات الأولى قصصاً من بلادنا البعيدة، من أمنا العجوز الجميلة، إفريقيا، قصتي مع الدانوب قصة تنتمي إلى ملايين قصص المهاجرات والمهاجرين.. قطرةٌ في بحر الكفاح والصبر والمثابرة وإعادة اكتشاف الذات، قصص اليأس والهزيمة والانتصارات المجيدة، قصصٌ تحكيها سلطة اللغة، والدين، واللون والنوع.. قصة الأطفال المُوَلَّدين من عساكر الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، كبروا ومات من مات منسياً".  

وتتابع د.إشراقة بقولها: "إنها ليست قصتي وحدي ولا ينبغي لها، فهي تستمد طاقاتها من عيون تدمع حنيناً للأزقة البعيدة، لصوت الجدّة الحنون، لصوت أذان في الحلة القريبة من بيتنا يُنادي على الصلاة ثم يدعو الناس للمحبة والسلام.. قصةٌ لا يمكن فصلها عن حكايات النزوح والنازحين، الهاربين والهاربات من جحيم الحروب والإفقار والحكام القساة، هي سيرتي، سيرة المراكب التي غرقت في البحر، سيرة من نجوا ودخلوا (الفردوس) في أوروبا، ولم يدروا يومها أن حنينهم في البحر، في عمق البحر وحوتُ يونس يشهد بالحكاية، حكاية السلطة والثروة التي لم تقسَم بالعدل، وحكاية إفقارنا؛ ومن قبل ذلك الحقّ الإنساني في الهجرة المؤنسنة. حكايتهم حكايتي، الحكاية التي لن يعرفني الدانوب إلّا بها".  

يُذكر أن، إشراقة مصطفى حامد من مواليد مدينة "كوستي" بالسودان، درست الصحافة والإعلام في جامعة أم درمان الإسلامية وجامعة فيينّا، ونالت درجة الماجستير في الإعلام، ثم نالت درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فيينّا. وهي تقيم في فيينّا منذ عام 1993. تتوزع نشاطاتها بين البحث، والكتابة، والصحافة، والتدريس الجامعي، وتعمل مستشارةً في منظمة "دياكوني" المتخصصة بحقوق الإنسان وحماية اللاجئين، ومن إصداراتها الأدبية: "أحزان شاهقة"، شعر (2003)، "ومع ذلك أغنّي"، شعر (بالألمانية)، 2003، "أنثى المزامير"، شعر (بالألمانية والعربية) 2009، وأعيد نشره بالألمانية (2016)، "وجوه الدانوب" (بالألمانية)، 2014، "أنثى الأنهار.. من سيرة الجرح والملح والعزيمة"، 2015، وأخيراً "الدانوب يعرفني.. الوجهُ اخر لسيرة الأنهار"، الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2017.  

ومن أعمالها في الترجمة: "الخندريس" (من يخاف عثمان البشري)، رواية لعبدالعزيز بركة ساكن، 2011؛ "في محبة الحياة"، نصوص شعرية ونثرية للشاعر عمر حاذق، 2015؛ "سيفمونية الربع الخالي"، بالتعاون مع الكاتب النمساوي يورغن اشتراسا، 2015؛ "لؤلؤة الدانوب"، ترجمة للعربية لنصوص نمساوية بالألمانية، 2017.  

نالت الدكتورة إشراقة مصطفى جائزة "هيرتا بامر" للحركة النسائية الكاثوليكية، لنشاطها الأدبي ومساهماتها وسط النساء المهاجرات من إفريقيا والوطن العربي، 1997؛ وجائزة "ليوبلد اشتيرن" الأدبية، عن قصتها "تلاتة وجوه مفرحة تتجاوز الحدود"، 2002؛ وجائزة الحافز الأكاديمي التي تمنحها الوزارة الاتحادية للتعليم والعلوم والثقافة، وذلك لإنجازها الدكتوراه وبحث التخرج كإضافة نوعية في هذا المجال العلمي، 2006؛ وجائزة الاعتراف، في إطار جائزة التفاعل الثقافي التي تمنحها مقاطعة لينز النمساوية، وذلك نتيجة لتفاعلها مع الثقافات المختلفة ولبحثها الذي أنجزت به رسالة الدكتوراه بعنوان "على طريق التحرر- مراحل تعزيز المرأة السوداء بفيينّا"، 2008.

 

مقالات متعلقة