لا شيء يجري في إيران يدعو إلى التساؤل، إن كان من ناحية الازدواجية أو القمع الداخلي الذي يقابله طموح عسكري وصل إلى الصين، إذ تخوض القيادة الإيرانية حربًا لا هوادة فيها لمنع الشعب الإيراني من الاطلاع على ما يجري داخل إيران أو في العالم لكنها حرب خاسرة. وفي حين تلجأ إيران إلى الأقمار الصناعية لتنقل الأقنية التي تمولها وتنشر آيديولوجيتها، مثل «العالم» و«المنار» و«الميادين»، فإنها تريد أن تحرم الشعب الإيراني من الخروج من الإطار «الفكري» الذي وضعته هذه القيادة، إذ في اجتماع لـ«العفة والحجاب» عقد في 13 من الشهر الماضي، قال قائد شرطة طهران إن السلطات الإيرانية صادرت خلال السبعة أشهر الماضية 713.546 من الصحون اللاقطة، و923.299 من المحولات المنخفضة الضوضاء، و10.766 من الأدوات التي تسمح باستقبال الأقمار الصناعية. وأضاف أن السلطات اعتقلت 293 شخصًا بتهمة تركيب الصحون اللاقطة، وتم تفكيك أو تعطيل 40 عصابة متكفلة بتوفير الاتصال بالأقمار الصناعية.
في ذلك الاجتماع اتهم المسؤول الإيراني عباس جعفري دولت آبادي مسؤولين آخرين بإعاقة جهود الشرطة والسلطات، ومنعها من مصادرة الصحون اللاقطة غير القانونية وغيرها من المعدات، وقال إن 60 في المائة من الإيرانيين يستعملون الصحون اللاقطة، ويحاول مكتب المدعي العام اتخاذ كل الإجراءات لجمعها، لكن هناك من «يحرم» الشرطة من القيام بعملها. وأشار جعفري دولت آبادي إلى أن حيازة أي من المعدات المرتبطة باستقبال ومشاهدة القنوات الفضائية هي ضد القانون.
إن حيازة هذه المعدات لا تُعتبر ضد القانون فقط، فالقيادة الإيرانية تعتبرها ضارة بـ«الأخلاق» العامة. وكان الجنرال محمد رضا تقوي قائد قوات الباسيج قال في 16 يوليو الماضي بعد حملة مصادرة 100 ألف من الصحون اللاقطة: «إن هذه القنوات تسبب الزيادة في نسبة الطلاق، والإدمان، وانعدام الأمن في المجتمع، وتتسبب أيضًا باضطراب الأطفال فيبتعدون عن التعليم، وتحت تأثيرها يصبح سلوكهم غير لائق». وتفرض السلطات الإيرانية غرامة بقيمة 2.800 دولار على كل شخص لديه معدات تلفزيونية فضائية.
ويسود اعتقاد لدى المتشددين في إيران، بأن البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية من الدول الغربية ودول الخليج العربي إنما هو جزء من حملة متعمدة لإشعال «الحرب الناعمة» ضد النظام الإيراني، وأن جميع البرامج موجهة وتهدف إلى تقويض دعم الشعب الإيراني للحكومة الإيرانية. مقابل هذه المنع الداخلي، الذي يحرم الإيرانيين من التنفس خارج إطار آيديولوجية الجمهورية الإسلامية، تتطلع القيادة الإيرانية إلى الوصول إلى الفضاء لزيادة جهودها التجسسية التي تساعد في تثبيت تدخلها في الدول العربية.
إن زيارة وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان إلى طهران في 13 من الشهر الماضي بدعوة من نظيره الإيراني العميد حسين دهقان، كانت أحدث مؤشر على زيادة التعاون في مجالات الاستخبارات والتعاون بين البلدين ومحاذاة الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية في أوروبا وآسيا، وكذلك في الشرق الأوسط.
من المعروف أن إيران مهتمة بالحصول على الجيل الثالث من المقاتلات الصينية «تشنغدو» (J - 10B)، وأيضًا الطائرات الصينية من دون طيار، وصواريخ «كروز» المضادة للسفن والغواصات، وربما أيضًا على ترخيص يجيز لإيران تصنيع الدبابة الصينية (2000) وحتى الدبابة (3000). وعلى الرغم من أنه لم ترد إشارة أثناء المناقشات الصينية - الإيرانية حول التعاون في المجالين العسكري والأمني، فإن التعاون في فضاء الأمن القومي أمر محتمل جدًا، إذ صار معروفًا، على سبيل المثال، أن شركة «سالران» الإيرانية للدفاع الإلكتروني وقعت في أكتوبر من العام الماضي اتفاقًا مع شركات الدفاع والفضاء الصينية للبدء في استخدام مواقع القمر الصناعي الصيني (بيدو) في الملاحة، ومعدات التوقيت على الصواريخ الإيرانية، والطائرات دون طيار، والقدرات العسكرية الأخرى، وهذا سيؤدي إلى تحسين دقة الصواريخ الإيرانية وفعاليتها وفتكها. ويعرف المتابعون والمحللون الاستراتيجيون في الشرق الأوسط والغرب جهود التحديث التي تبذلها إيران على مجموعة واسعة من أنظمة الأسلحة لديها، وهي دلائل متزايدة على سعيها للتحول بعيدًا عن عقيدة عسكرية دفاعية باتجاه اعتماد أنظمة هجومية بغرض الإكراه والاعتداء. مجالات التعاون العسكري والأمني بين الصين وإيران تأتي في شكل أقمار الاتصالات والمراقبة الأرضية ذات الدقة العالية. وتسعى إيران للحصول على قمر صناعي وطني للاستشعار عن بعد (National remote sensing satellite) والقمر الصناعي للاتصالات (National communications satellite). ويسود الاعتقاد بأن إيران تفكر في بناء قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد الخاص بها، إنما تتطلع إلى مصانع أجنبية لإنتاج القمر الصناعي للاتصالات، وهناك حديث عن شركة صينية واحدة على الأقل مهتمة بتقديم عرض لهذا المشروع. وحتى في حال بناء إيران قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد، فإن العلاقات الدفاعية والأمنية المزدهرة بينها وبين الصين يمكن أن تدفع الصين إلى توفير الخبرات المطلوبة والتكنولوجيا الرئيسية لمساعدة إيران في بناء هذا القمر الصناعي.
وفي حين أن نقل التكنولوجيا والخبرة هي السمة الرئيسية لأي علاقة دفاعية وأمنية، يمكن لعوامل أخرى أن تكون بالأهمية نفسها لبكين وطهران ودول أخرى. فعلاقة الاستخبارات تعني تبادل المعلومات الأمنية التي قد تشمل أيضًا توفير الصين لصور عالية الدقة من الأقمار الصناعية لإيران، وعلاوة على ذلك يمكن للبلدين تبادل البيانات الأمنية، والأساليب، وغيرها من المعلومات، حول تقنيات الفضاء المضادة والإجراءات وغيرها من المسائل الحساسة. إذا حدث هذا، وعلى افتراض أنه لا يحدث بالفعل، فإن الآثار المترتبة عنه على أمن الشرق الأوسط ستكون جدًا مثيرة، إذا تبين أن لطهران إمكانية الوصول إلى بيانات حساسة دقيقة وخطيرة انطلاقًا من معلومات أمنية قدمتها الصين. وحسب رأي أمنيين متابعين، ينبغي بالتالي أن يُنظر إلى هذه التطورات كجزء من تغيير سياسي في موقف الصين تجاه قضايا الشرق الأوسط، ولأن جزءًا كبيرًا من النفط الذي تعتمد عليه الصين يأتي من منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، يظهر واضحًا أن الصين تتحرك ببطء إنما بثبات، لجهة موقفها الحيادي من الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
قبل عدة أسابيع، زار ضابط بحرية كبير من الجيش الشعبي الصيني دمشق بهدف تقديم الدعم الطبي للقوات العسكرية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، مما يشير أكثر وأكثر إلى أن الصين بدأت تتخذ مواقف غير حيادية. إن العلاقة المتنامية مع إيران قد تكون دليلاً آخر على أن مشاركة الصين في مستقبل منطقة الشرق الأوسط لن تكون كما في السابق، مجرد علاقة عمل اقتصادي ومالي ونفطي لا غير.
إن ما يجري بين الصين وإيران هو نتيجة الاتفاق النووي بين الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإيران. روسيا أيضًا على شراكة مع إيران داخل سوريا، وهي على تقارب مع الصين، لكن كما يبدو فإن الصين استغلت انغماس روسيا بالحرب في سوريا، فقررت التسلل لقطف الثمار الإيرانية التي أنتجها الاتفاق النووي. وفي هذا الصدد قد تسبق الصين، أوروبا وأميركا وروسيا في الاستثمارات الإيرانية. لكن هل ستقبل دول أوروبا والشرق الأوسط بأن تكون تحت تهديد مراقبة فضائية غير دفاعية تخوضها ضدها الصين وإيران؟
وهل سيُسمح للصين بالانفتاح العسكري على إيران على حساب الاستثمارات العربية الخليجية في محطات التكرير لديها، وانفتاح الأسواق العربية الخليجية لمنتجاتها؟ أما إيران اللاهثة وراء الأطباق الفضائية، فإنها في خططها تبحث عن كتم شعبها وتخريب حياة شعوب الدول المجاورة لها، «على أمل» التحكم في تلك الشعوب ودولها عبر صواريخ مصنوعة بتكنولوجيا من كوريا الشمالية، وأنظمة صواريخ روسية، وأقمار صناعية صينية. وشعار «الموت لأميركا» سيبقى ملتهبًا حتى لو أن شركة «بوينغ» الأميركية أعطت صفقة 80 طائرة. فقد أقر الأميركيون، ومعهم الغرب، بأنهم لا يتقنون «اللغة الفارسية»، وبالتالي لا يفهمون أبعاد ذلك الشعار!