في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض، أرسل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما - القلِق من تغير المناخ - رسالة تحذير من سخونة الكوكب.. الكوكب نفسه الذي تشوى جلود بعض من أبنائه كل ليلة.. الحديث عن سوريا.
"ليست الحرب العالمية الأولى ولا الثانية.. إنَّه اليوم يحدث الآن في هذه اللحظة من القرن الحادي والعشرين.. سوريون عربيون تكويهم النار وتقصفهم البراميل طيلة خمس سنوات بفعل فاعلٍ يُقال إنَّه معلوم ومسكوت عنه.
وصل الموت السوري إلى أطواره الأخيرة.. ففي حلب تحديدًا بات خيار المجهول هو المر الذي يحلو للشاميين، فبعد موت البارود والكيميائي والبراميل والصواريخ وحتى الجوع قرر أهل حلب الرحيل عنها.. خيار وإن كان يبدو صعبًا لكنَّه لا مفر منه ولا بديل له.
أمس، بدأت عملية إجلاء المقاتلين من شرق حلب مع عائلاتهم إثر اتفاق على وقف إطلاق النار وخروج المدنيين والمسلحين والجرحى.. وجهة أغلبهم هي إدلب وبعضهم إلى تركيا.
حلب - التي تسبح في دمائها - هي عاصمة سوريا الثانية، يهتز التاريخ لذكرها، دخلها الإمام أحمد بن حنبل، وأقام في جامعها الأموي أيامًا، يكتب من علمائها العلم ثم خرج ينشر العلم إلى غيرها، وأنجبت مؤرخين كثرًا بينهم "الذهبي" الذي عشرات المجلدات، ولما خرج منها الحافظ بن حجر العسقلاني حنَّ قلبه إليها فألف كتابًا "عشقًا لأهلها والإقامة بينهم.. هذا جملة من كثيرٍ، لكن حلب لم تعد حلب.
قبل الرحيل، وجَّه شباب حلب رسائل للعالم، من أجل اللحاق أن يلحقوا بحلب أو ما تبقى منها، إذ تكشف الصور الواردة من هناك حالة الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة جرَّاء الحرب.
صرخات.. تناشد أذن العالم
أحد الأهالي قال - في مقطع فيديو: "إحنا تحت القصف بالليل وبالنهار، نروح فين.. شوفلنا حل".
ووجَّهت فتاة رسالة باللغة الإنجليزية، قالت فيها: "إلى كل شخص يستطيع أن يسمعني.. نحن هنا نتعرض للإبادة في مدينة حلب.. ربما يكون هذا آخر فيديو بالنسبة لي، أكثر من 50 ألف من المدنيين المعارضين للديكتاتور الأسد".
وأضافت: "نحن معرضون للإعدام أو الموت تحت القنابل"، فيما عرض الفيديو انهيار رجل مسن من البكاء فقد بعضًا من عائلته.
وذكر ناشط: "حلب أصبحت مدينة أشباح.. أكثر من 20 عائلة تحت الأنفاض في أنحاء حلب.. من يسمع ما يحدث هنا ليس كمن رأى".
رسائل على جدران مهدمة
وقبل خروجهم الأخير، ودَّع أهالي حلب المدينة برسائل على جدرانها المهدمة، وجاء منها "راجعين ياهو"، و"سنعود يا حلب"، و"راجعين نحنا مكررين.. نحنا ثوار حلب.. هاي الأرض أرضنا ونحنا راجعين لهون"، و"طالعين والدمع بعيوننا لكن راجعين ودايسين على راسهم".
رسالة يتيم
وفي رسالة من أيتام حلب، قال طفل: "مرحبًا.. يمكن هذا آخر يوم تسمعوا صوتي وتشوفوني.. أنا اسمي ياسين قيموز عمري 10 سنين، من سنتين في دار الأيتام.. بوجه رسالة لحقوق الإنسان وحقوق الأطفال.. بتمنى تطلعونا من حلب".
وأضاف: "هنا في 47 طفل كلهم إخواتي.. ونحن نتمنى نطلع من حلب وناكل ونشرب.. نحن نحب السلام ونتمنى نطلع لبره لإن فيه طيران وفيه قصف.. إحنا بنخاف من القصف ونتمنى نعيش زي بقية الدنيا".
الأسد.. حلب ووحي النبي
في اليوم الأول لإجلاء أهالي حلب، تحدَّث رئيس النظام بشار الأسد، فقال: "أحداث حلب تحولت من زمن إلى تاريخ يسجل عالميًّا، حيث سيصبح تحرير المدينة نقطة جديدة لقياس الوقت".
وأضاف: "كما نقول قبل ميلاد السيد المسيح وبعد ميلاد السيد المسيح، ونقول قبل نزول الوحي على سيدنا رسول الله وبعد نزول الوحي، فالتاريخ ليس نفسه قبل وبعد، ونقول الوضع السياسي قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وبعده، أو بين الحربين العالميتين وهكذا، أعتقد أنَّ مع تحرير حلب سنقول عن الوضع، ليس فقط السوري والإقليمي بل أيضًا الدولي، قبل تحرير حلب وبعد تحرير حلب.. هنا تحول الزمن إلى تاريخ".
المعارضة.. غدر وتقليل أهمية
رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات أسعد الزعبي "معارضة" قال أمس إنَّ عملية الإجلاء من حلب هي تجهيز لعملية غدر بمقاتلي المعارضة. وأضاف أنَّ أوراق القوة للمعارضة هي خارج حلب وموجودة مع الفصائل المقاتلة مع تركيا، لافتًا إلى أنَّ رغم أهمية معركة حلب لكن هناك أهم منها. وتابع: "الثوار في سوريا ليسوا ضعفاء ولا يزالون قادرين على تغيير المعادلة.. حلب ستكون طفرة لنقل الثورة السورية من درجة إلى درجة أخرى أعلى". وأشار الزعبي إلى أنَّ معركة حلب ليست بالأهمية الأولى التي تعني تقرير مصير الحرب.