بأوجاع قصمت الظهر، وجراح لن يمحيها الدهر، ودموع تحمل القهر، غادر آلاف من أهالي حلب الشرقية أراضيهم مجبرين تحت وطأة القصف اليومي وتوقف كل سبل الحياة وتقدم قوات بشار الأسد وحلفائه التي تنفذ إعدامات ميدانية في كل مكان دخلته، ومازل الغالبية عالقين ينتظرون إما نقلهم أو الموت في ظل عرقلة تشهدها عملية الإجلاء، وحملة عسكرية جديدة أعلنها النظام.
خمس سنوات كاملة لم يقدم غالبية أهالي حلب على ترك أرضهم رغم قسوة الحصار الذي قبع تحته 250 ألف مدني بعد سيطرة النظام على طريق الكاستيلو الشريان الأساسي للمدينة ورغم قصفها بكل الأسلحة المحرمة دوليا من قنابل فسفورية وارتجاجية وغازات سامة وبراميل متفجرة لم يفلت منها حتى المسجد الأموي ولكن أخيرا لم يكن بالإمكان إلا ما كان.
ولم يعد هناك خيار آخر أمام أهالي حلب بعد أن تقلصت أعدادهم لـ150 ألفا يمكثون في منطقة لا تتعدى الأربع كيلو مترات بعد أن تكالب عليهم الطيران الحربي الروسي والسوري وميليشيا حزب الله اللبنانية والفضل العباس والنجباء وعصائب أهل الحق العراقية والحرس الثوري الإيراني.
المجهول
في آخر يومين لم يكن أمام الأهالي إلا الموت أو الخروج للمجهول فلم يعد الدفاع المدني قادرا حتى على انتشال الجثث من الشوارع أو أن يقدم الأطباء أي عون للمرضى أو المصابين، فجاء اتفاق وقف إطلاق النار لإجلاء الأهالي بواسطة حافلات وسيارات الإسعاف إلى ريف حلب الغربي.
لم يسمح لمقاتلي المعارضة إلا بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة ما دفعهم لتدمير الذخيرة والأسلحة الثقيلة لحرمان النظام منها الذي سيطر على كامل المدينة، ومع هذا شاب عملية الإجلاء العديد من المضايقات من جانب الميليشيات الشيعية.
دموع الفراق الدموع المعبأة بالحسرة ملأت أعين الأهالي الذين وهم في الحافلات وكأنها تقول إن الموت تحت أنقاض المدينة أهون من تركها، ولم تفرق الدموع بين مقاتل ومدني ففي الجرح الاثنان سواء.
ولم يعد لأهالي حلب ما يمتلكونه إلا ما يرتدونه من ملابس والكثير من آثار الجراح على الأبدان.
خاوية
مدينة أشباح .. هكذا أمست حلب الشرقية بعدما هجرها الجميع وباتت خاوية على عروشها لا يتجول بها سوى الميليشيات التي دخلتها بعد تدميرها.
جدران مدمرة، تسطر الفظائع التي شهدتها المدينة وأبنية تحولت لكومة من الركام، وحياة توقفت في جميع أرجاء المدينة التي تعد أحد أكبر مدن سوريا وفي يوم من الأيام كان يقطنها 4 مليون وتصنف كأقدم مدينة في العالم وكانت مركز اقتصاد الدولة السورية.
إجلاء متقطع
وبدأ عملية إجلاء أهالي الحلب بالأمس على دفعات الواحدة تحتوي 1500 ونقل للآن قرابة الـ8 آلاف وبقي 90 ألفا عالقون على أطراف حلب في نتظار نقلهم بعد توقف عملية الإجلاء بسبب إعلان النظام السوري تعليقها بحجة أن المعارضون ينقلون مختطفين في ظل أنباء عن حملة عسكرية جديدة في حلب.
واتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظام الأسد بارتكاب "مذبحة" في حلب داعيا المجتمع إلى الضغط باتجاه استئناف المفاوضات لحل الأزمة السورية.
خلاف
بسام الملك عضو الائتلاف السوري المعارض قال إن عملية الإجلاء لم تحدث بشكل كامل وستظهر الـ24 ساعة القادمة ما إذا كانت روسيا ستصدق في تعهداتها أم لا.
وذكر في حديثه لـ"مصر العربية" أن هناك شقاقا قد وقع بين الروس من جانب والإيرانيين والنظام السوري من جانب آخر ففي الوقت الذي تريد فيه روسيا تخفيف حدة الضغط الدولي يريد الإيرانيون وقوات الأسد الاستمرار في ارتكاب المجازر.
غير مؤهل
وأوضح الملك أن الوضع في ريف حلب الذي يستقبل أهالي حلب الشرقية غير مؤهل فهو مجموعة عن بضعة قرى ينقصها الماء والكهرباء والغذاء ولذلك صرح الرئيس التركي رجب أردوغان أنهم سيساهمون في بناء 80 ألف معسكرا للنازحين ومن الممكن القبول بلجوء بعضهم إليها.
وعن مدى جدية الإعلان الروسي بمفاوضات ستجرى في كازخستان ووقف إطلاق نار لوجود حل للأزمة السوري قال المعارض السوري أن بوتين يواجه ضغطا من مجلس الأمن وروسيا لا تريد الاستمرار طويلا في المستنقع الروسي وبناء اتصال مباشر بين أردوغان ونظيره الروسي بوتين يجري التحضير لاجتماع قمة بين تركيا وروسيا وإيران وهناك أرضية بين تركيا وروسيا أساسها التهدئة .
الحمدانيين
من يسكن حلب بعد أن هجرها أهلها؟ سؤال رد عليه تيسير النجار رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين بأن حلب كانت عاصمة الحمدانيين وهم شيعة وإيران التي تفكر بشكل طائفي هجرت حلب من أهلها لتجلب غيرهم من الشيعة لتعيد عهد الحمدانيين.
وأضاف في حديثه لـ"مصر العربية" أن إدلب أو مدينة الباب ستكون المحطة القادمة للتحالف الروسي السوري الإيراني والميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان.
وأكد النجار أنه لابد من حل سياسي بالخيار العسكري لن يحسم الأمور مهما مر من وقت.
وشدد على أن السوريين لن يقبلوا ببشار الأسد مهما كلفهم ذلك فهو سبب في تشريد غالبية الشعب وقتل مئات الآلاف لأنه يريد أن يحكم ولو لم يبق هناك شعب.