من عمر عبد الرحمن لـ محمود شفيق.. لماذا تحتضن «الفيوم» التطرف الفكري؟

محمود شفيق المتهم بتفجير الكنيسة البطرسية

75 كيلو مترا تقريبا تقطعها السيارة ما بين القاهرة ومركز سنورس، بمحافظة الفيوم، جنوبي غرب العاصمة، طريق ضيق يأخذك إلى قرية "منشأة عُطيفة" يستقل السكان المحليون بالقرية التى باتت أشهر قرى الجمهورية خلال الأيام الماضية " توك توك" ليربطهم بصخب المدينة وقريتهم القابعة في غياهب النسيان والفقر.

 

القرية التى تبعد عن الطريق الصحراوي الرابط بين محافظة الجيزة والفيوم بضعة كيلو مترات كانت حاضنة للطالب بكلية العلوم، محمود شفيق محمد مصطفي، المتهم بتفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة الذى راح ضحيته 26 قتيلا، و48 مصابا نفذها بحزام ناسف بحسب تصريحات رسمية.

 

لكن محمود شفيق (22 عاما) ويعمل سائق توك توك، ليس أول متهم بالإرهاب يمر على أسماع أهالي محافظة الفيوم ذات الأغلبية الساحقة للإسلاميين بمصر، وقراها التى كانت حاضنة ﻷشهر فتوى تكفيرية في تاريخ الإسلاميين الريديكاليين عموما وتحديد مركز سنورس بالفيوم.

 

تشير الأرقام الصادرة عام 2012 أن الفيوم كانت أعلى المحافظات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية التى أجريت منتصف العام، الأرقام نفسها تقول إن المحافظة شهدت قرابة 150 عملية عنف مسلح، كان آخرها اغتيال رئيس مباحث مركز "طامية".

 

مفكرة الجماعات الجهادية في مصر تقول إلى أن أول فتوى بتحريم صلاة الجنازة على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت من على أحد منابر الفيوم وتحديدا قرية" فيديمين" بمركز سنورس " على لسان الدكتور عمر عبدالرحمن الملقب بمفتى الجهاديين بمصر، وهو نفسه الذى أفتى بتكفير الرئيس أنور السادات، وكانت فتواه المعول الرئيسي لاغتياله في 6 أكتوبر 1981.

 

وعمر عبد الرحمن، هو أحد مواليد محافظة الدقهلية، وتخرج من جامعة الأزهر في الستينيات وعين وقتها إماما وخطيبا بأحد مساجد الأوقاف بقرية فيديمين بمركز سنورس، لكنه انضم لجمعية النهضة التي كانت تتخذ مقرا ومسجدا لها بشارع متفرع من شارع بطل السلام بحي الحواتم بمدينة الفيوم بعد أن عاش هناك عدة سنوات.

 

بدأ عبد الرحمن نشر بعد الأفكار المتشددة في قرى الفيوم وأصبح له مريدين هناك حتى انتقل فيما بعد ليعمل مدرسا بكلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر بأسيوط، بعد حصوله على الماجستير، وهناك ارتبط بعلاقات قوية مع قيادات الجماعة الإسلامية بمحافظات الصعيد، وكانت الجماعة قد تكونت مع ظهور الجماعات الدينية بالجامعات المصرية حيث تواصل عمر عبد الرحمن مع عدد منهم من بينهم أبو العلا ماضى وكرم زهدى وعبد المنعم أبو الفتوح وعاصم عبد الماجد وعصام دربالة وغيرهم وكونوا فيما بعد الجماعة الاسلامية.

 

عمر عبد الرحمن

 

ظل عبد الرحمن مرتبطا بالفيوم رغم انتقاله للعمل بأسيوط وكان يخطب الجمعة في عدة مساجد بالمحافظة، وتزامن ذلك مع نشاط ملحوظ لأعمال العنف بالمدينة ففي مارس عام 1989 ألقي مجهولون عبوات حارقة علي عرض مسرحية "أصل وخمسة " التي نظمتها نقابة الزراعيين ما تسبب في إصابة ضابط كان يقوم بتأمين العرض وآخرين.  

وفي السابع من إبريل من نفس العام وقع صدام مسلح بين أنصار، عبدالرحمن، والشرطة عقب الصلاة أمام مسجد الشهداء بمصطفي حسن، تم خلالها ضبط 16 من أتباعه وبحوزتهم أسلحة نارية وقررت النيابة حبسهم ومنهم عمر عبد الرحمن، بتهمة مقاومة السلطات واستغلال الدين، في ترويج أفكار بقصد إثارة العنف وحيازة أسلحة نارية، والشروع في قتل مأمور بندر الفيوم آنذاك .

 

مع بداية التسعينات وقعت أحداث سنورس في إبريل عام 1990، التي هاجم خلالها المتطرفون 3 صيدليات وأشعلوا النار في عدد من المنازل، ودراجة بخارية في محاولة لإثارة فتنة طائفية، وتصاعدت الأحداث بإلقاء عبوة ناسفة وإطلاق النار على قوة تأمين كنيسة العذراء بقرية سنهور القبلية بسنورس، أثناء تناولهم الطعام عقب انطلاق مدفع الإفطار ما أسفر عن استشهاد مساعد شرطة وإصابة اثنين من قوة الحراسة.

 

 

لم تتوقف تحركات الجهادين بالفيوم عند ذلك، لكنه تحول لعنف داخل فيما بين التنظيمات بعد خلاف نشب بين المهندس شوقي الشيخ عمر عبدالرحمن، أنشأ بعدها المهندس الشاب جماعة الشوقيين، التى ناصبت العداء للدولة، وللمجموعات القديمة من تنظيم الجهاد، ورحل خلال هذه الفترة عمر عبد الرحمن من الفيوم إلى السودان ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم اعتقاله حتى الآن على خلفية اتهامه بالضلوع في تفجيرات إرهابية بعدد من المنشآت الحيوية.

 

الشوقيين اختاروا لأنفسهم مسقطا آخر بقرية كحك التابعة لمركز أبشواي" الذى ينتمى لها شوقي الشيخ، وأطلقوا من هناك دعوتهم وكان قد تعرف بعد تخرجه من كلية الهندسة، بجامعة حلوان، على طارق الزمر وانضم لتنظيم الجهاد، وألقى القبض عليه بعد اغتيال السادات وخرج بعد شهور قليلة، لينضم لتنظيم جديد لإحياء تنظيم الجهاد وتم القبض عليه مرة أخرى وأثناء فترة السجن تغيرت عقيدة شوقي الفكرية عن تنظيم الجهاد ليعتنق أفكارا جهادية تكفيرية، ويؤسس الجماعة التي نسبت إليه وهي جماعة "الشوقيين".

 

استطاع المهندس التكفيري تجنيد الكثير من الشباب كان يتم تدريبهم على حمل السلاح، ليدخل التنظيم في مواجهة مع أجهزة الأمن بهدف إسقاط النظام، وإعلان الخلافة الإسلامية، كما دخل "الشوقيين" في صراعات مع الجماعات الإسلامية الأخرى التي تختلف معهم فكريًا وكانوا يتهمون أي شخص خارج جماعتهم بالكفر، وارتكبوا العديد من جرائم القتل والحرق والسرقة لتمويل عمليات التنظيم.  

ورغم ربط عدد كبير من علماء الاجتماع والمستوى الاجتماعي للإرهابيين، بأن هناك علاقة طردية بين الفقر والأمية، واعتناق الأفكار المتطرفة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك فغالبية قيادات التنظيمات الإرهابية كانوا من مستوى اجتماعى مرتفع، وحظو بقدر عالٍ من التعليم، وهو ما يؤيده الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أحمد بان.

 

وفي تصريحاته لـ "مصر العربية"، قال إنه لا يمكن الربط بين مكان معين وانتشار الأفكار الإرهابية، مشيرا إلى أنه لا يمكن وصف محافظة كالفيوم على أنها مستوطن للأفكار المتطرفة.

 

وأضاف أن الأفكار المتطرفة لها علاقة بالأساس بالتنشئة الدينة الخاطئة، بدليل أن رموز الإرهاب معظمهم من عائلات غنية، كأيمن الظواهري، وأسامة بن لادن، ولم يعاني أى منهم آلام الفقر، أو حتى الجهل.

 

وتدلل الأرقام على صحة ما يطرحه الخبير في الحركات الإسلامية فتبلغ نسبة الفقر بمحافظة الفيوم حوالي 36% بحسب إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء عام 2011، وهي نسبة قليلة بالنسبة لمحافظات أخرى تصل فيها النسبة لـ60% كما هو الحال في أسيوط، إلا أن نسبة الأمية ترتفع بالمحافظة للتصدر محافظات الجمهورية، بحسب الإحصائات الرسمية وتقدر بحوالي 595 ألف، أي ما يعادل 42% من عدد سكان المحافظة.

 

ونوه إلى أن الأساس في اعتناق الأفكار المتطرفة، هي جملة الأفكار المتعلقة بالخطاب الديني بأنواعه الذى مازال قادرا على إنتاج إرهابيين جدد، إضافة لبعض المفاهيم الثقافية القائم على كراهية الآخر.

 

وبالرجوع إلى الفيوم يشير الباحث المتخصص في شئون الحركات الإسلامية إلى أن الأفكار المتطرفة موجودة بكل محافظات مصر تقريبا لكنها تختلف من مكان ﻵخر، فمثلا يوجد في محافظة الشرقية وتحديدا بمركز أبو كبير العديد من المتشددين.

 

وأوضح بان، أن الشرقية رغم أنها إحدى محافظات الدلتا ونسبة الفقر فيها ربما تقل عن محافظات أخرى، إلا أنها صدرت أبو حمزة المهاجر، أحد أهم قيادات تنظيم داعش الإرهابي.

 

ولفت إلى أن الأفكار المتشددة يمكن أن تنتشر في أى مكان، ومنها موجود في القاهرة، وربما تكون أشد ريديكالية من الموجودة في الأرياف.

 

وبخصوص الحديث عن الجيل الثالث من الإرهابيين، قال بان، إن التجربة تقول إننا أمام هذا الجيل فعلا فبعد اندثار تنظيم الجماعة الإسلامية، نشأت القاعدة، وقامت من بعدها داعش، مشيرا إلى أن الأيام المقبلة ربما تنشأ جيل أكثر تطرفا بعد انتهاء داعش.

 

ويرجع بان، احتمالية تواجد جماعات متطرفة فكريا في المستقبل للطريقة الخاطئة التى تسلكها الدولة المصرية في مواجهة هذه الأفكار بالاعتماد على المطاردة الأمنية فقط.

 

 

وأكد أن المواجهة يجب أن تحمل سياقات متعددة، بداية من المنحنى الاجتماعي، مرورا بالثقافي والتعليمي، والفكري، والأمني، والديني.

 

ولفت إلى أن المضي في أى منحى من هذه المنحنيات دون الآخر يفقد معادلة المواجهة توازنها، مشيرا إلى أن الإصلاح يجب أن يكون فكريا، وثقافيا واجتماعيا ودينيا وأمنيا.

 

مقالات متعلقة