بعد أن طوت تركيا صفحة الصدام مع روسيا بسلسلة خطوات اتخذتها من الاعتذار للزيارات ثم التنسيق يأتي حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف ليدق ناقوس الخطر من جديد في ملف العلاقات التركية الروسية، فكيف يؤثر الحادث على العلاقة بين الجانبين؟.
رصاصات تلقاها السفير الروسي أثناء زيارة معرض فني في أنقرة على يد الحارس الخاص به البالغ من العمر 22 عاما المنتمي لشرطة أنقرة مرددا هتافات "الله أكبر " و""لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا".
يأتي هذا بعد أيام من سيطرة النظام السوري على حلب الشرقية بمعاونة إيران والميليشيات الشيعية ودعم جوي روسي قصف المعارضة بكل الأسلحة المحرمة من القنابل الفسفورية والارتجاجية وغيرها، ما خلف آلاف القتلى وشرد أكثر من 150 ألفا من أهالي حلب نقلوا إلى ريف حلب الغربي وجعل المدينة خاوية على عروشها.
من الصدام للتفاهم
علاقة تركيا بروسيا تضررت كثيرا منذ أن وطأت الأقدام الروسية سوريا في أكتوبر 2015 حيث عرقل هذا التدخل المساعي التركية الأمريكية السعودية لإسقاط نظام بشار الأسد.
ووصلت الخلافات لذروتها حينما أسقطت الدفاعات التركية طائرة سوخوي الروسي في 24 نوفمبر 2015 قالت إنها اقتحمت المجال الجوي لها، وفي المقابل هددت روسيا بالانتقام وقطعت على الفور العلاقات الاقتصادية مع تركيا وحظرت سفر سياحها هناك.
ولكن أردوغان نزع فتيل الأزمة المتصاعدة مع روسيا باتصال لنظيره الروسي في 26 يونيو 2016 يعتذر فيه عن إسقاط الطائرة ويعبر عن أسفه حيال ذلك وتعهد بتعويض ذوي الطيار الروسي.
وعقب محاولة الانقلاب العسكري على أردوغان في تركيا في 15 يوليو اتصل بوتين بأردوغان ليعلن أن أن روسيا تقف بشكل قاطع ضد أي محاولة للتحرك بطريقة غير دستورية، معربا عن أمله في أن "تتغلب تركيا على هذه المشكلة وفي إعادة فرض النظام والقانون الدستوري".
وفي 9 أغسطس 2016 التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ، وتعهدا بإعادة العلاقات بين بلديهما إلى سابق عهدها بعد أزمة دبلوماسية استمرت نحو 9 أشهر، والتباحث للوصول لحل للأزمة السورية.
ووصل التفاهم لقمته في 14 أغسطس 2016 حينما أطلقت تركيا حملة "درع الفرات" في شمال سوريا بهدف طرد عناصر داعش والأكراد من حدودها خشية نجاحهم في إقامة دويلة كردية لهم تهدد الأمن القومي التركي، وما كان ليحدث ذلك دون موافقة روسيا التي باتت تتحدث في سوريا عقب نشرها صواريخ إس 400.
وترجم هذا التفاهم أثناء سقوط حلب الذي جاء على جثث الآلاف من أهلها حيث فشلت الولايات المتحدة والغرب في وقف سيل الدماء والتهديد بقتل قرابة الـ100 ألف من أهالي حلب ظلوا عالقين في منطقة لا تتعدى الـ4 كيلو متر فتدخلت تركيا بعقد اتفاق وقف إطلاق نار وإجلاء النازحين عن حلب في حافلات تابعة للنظام السوري وعربات الإسعاف وحاولت إيران وميليشياتها خرق هذا الاتفاق عدة مرات.
لن يعود الصدام
كرم سعد المتخصص في الشؤون التركية رأى أن التوتر بين تركيا وروسيا لن يعود لما كان عليه وقت إسقاط الطائرة الروسية رغم اغتيال السفير الروسي.
وأضاف في حديثه لـ"مصر العربية" أن الحادث لا يمكن فصله عن ما خطاب المتحدث الجديد باسم تنظيم داعش الذي دعا فيه الخلايا النائمة للتنظيم لاستهداف المقار الحيوية، والقنصليات في تركيا، خاصة بعد أن باتت التفاهمات الروسية التركية واضحة للجميع
وأكد أن الحادث سيكون له انعكاسات فربما تنفرد روسيا بالقرار السوري ويعطيها
شرعية أكبر في إدارة هذا الملف بعيدا عن الضغوطات الأوروبية والمآخذ التركية
تكبيل تركيا
ولفت سعد إلى أن تركيا لن تستطيع اتخاذ أي خطوة فيما يتعلق عملية درع الفرات إلا بإذن روسيا، وسيجعل أنقرة أقل حماسة في رسم سياسات المنطقة.
وشدد المتخصص في الشؤون التركية على أن تركيا تجني ما صنعت يداها في تسريح الآلاف من العاملية بالداخلية وسوء التخطيط ليأتي الحادث ليكشف عوار الأمني في تركيا.
ونوه بأن قطاعات كثيرة ستتأثر في تركيا مثل السياحة، بجانب غضب سياسي داخلي قادم.
تضرر السياحة
من جانبه رأى محمد حامد الباحث في الشأن الدولي والتركي أن العلاقات التركية الروسية ستتأثر سلبا بعد هذا الحادث بل أن تركيا قد لا تكون بؤرة آمنة لكل المواطنين الروس وهذا سيؤثر سلبيا على السياحة الروسية الوافدة على تركيا وأيضا روسيا ستطلب من أنقرة مزيدا من التنسيق الأمني والاستخبارتي
وأضاف أن اغتيال السفير الروسي في تركيا طعنة نافذة في العلاقات التركية الروسية وسيكون له تداعيات وآثار ستدوم لسنوات عدة وهذا الحادث سيعيد العلاقات بين البلدين خطوات للخلف بعد أن سعي الرئيس التركي لترميم العلاقات مع موسكو منذ أن اعتذر عن مقتل الطيار الروسي في يونيو الماضي.
موقف حرج
وأكمل في حديثه لـ"مصر العربية:” الاغتيال يأتي في ظل تقارب تركي روسي سياسيا واقتصاديا وأمنيا استخباراتيا وتدهور العلاقات التركية الأوروبية، ما يضع الحكومة التركية في موقف حرج لأنها فشلت في حماية سفير دولة عظمي وهو مستهدف خاصة أن دعمت الحكومة التركية كافة التظاهرات المنددة بالتدخل الروسي منذ ان حدث سبتمبر 2015
ولفت حامد إلى أنه منذ تقدم الجيش السوري وحلفائه في حلب الشارع التركي في حالة غليان كبيرة، متابعا:” اغتيال السفير الروسي أكبر تهديد للأمن القومي الروسي منذ ان تدخلت في الأزمة السورية ويدل على فشل تركيا في حماية البعثات الدبلوماسية وهذا مخالف للقانون الدولي ومبادئ العلاقات الدولية ويؤثر سلبا عن سمعة الحكومة دوليا".