على وقع أخبار النجاحات الواردة من حلب المحاصرة، بلغتنا أخبار صادمة من تدمر الأثرية حيث سيطر عناصر «داعش» على المدينة، وانهارت دفاعات القوات الحكومية بسرعة، فتبددت فرحة الانتصار. والأحداث الدرامية في تدمر تحملنا على بعض الاستنتاجات المهمة، أولاً، صار جلياً أن «داعش» يعمل في تعاون وثيق مع حركات المعارضة الأخرى، وضمنها تلك المسماة بـ«المعتدلة»، وغيرها من فروع الـ«القاعدة». ثانياً، أحد أهداف الهجوم على تدمر هو تشتيت القوات السورية وحلفائها عن جبهة حلب.
وإلى ذلك، أكدت معركة تدمر أن القدرة القتالية للقوات السورية، باستثناء بعض المجموعات، بالغة الضعف. وفي وسع هجوم يتيم تبديد قوات الحكومة السورية التي تركت بعد انسحابها ترسانة كاملة من الأسلحة. ولا شك في أن موسكو كانت أكثر المتألّمين من سقوط تدمر. فهذه المدينة في عين روسيا ليست مجرد واحة في الصحراء. وإثر تحرير تدمر في الربيع الماضي، وإقامة حفل أوركسترا بقيادة المايسترو العالمي، فاليري غيرغييف، صارت المدينة رمز التراث الروحي للبشرية جمعاء، الذي أنقذته موسكو. وعليه، خسارتها هي ضربة لروسيا تشوّه صورتها. وإذا استأنف رجال «الخلافة» تفجير الأثارات وإعدام السجناء على خلفية الأعمدة الأثرية، تلقت روسيا ضربة هائلة.
وخلاصة القول، إن الفشل الذريع للجيش السوري في تدمر يعني أنّه لم يفز بالحرب، والسيطرة على حلب لن توقفها (الحرب). وأمام الأسد كثير من الأعداء والجبهات، وقواته بالغة الإنهاك بعد خمس سنوات من إراقة الدماء. ولا شك في أن السيطرة على حلب نجاح بارز لدمشق، وأكبر انتصار لها في الحرب. لكن يجب الخروج باستنتاجات صحيحة مما حصل في حلب. ويفترض بهذا الانتصار أن يكون حافزاً لإيجاد حلّ سياسي ويحمل على تسوية سياسية وعلى استئناف محادثات السلام في شروط جديدة. لكن موسكو قلقة من أنّ يسعى «الصقور» في دمشق وطهران، إثر تجرّعهم جرعة كبيرة من الثقة نتيجة النجاح الأخير في حلب، الى السيطرة على كامل سورية، كما سبق ووعد بشار الأسد. واستعادة كامل سورية ليست خياراً ترغب فيه موسكو، وهي تستبعده. وعوض الانسحاب من الحرب السورية منتصرة، تجازف، إذا سعت الى هذا الخيار، بالغرق في مستنقع الحرب لأشهر وسنوات. ومع ذلك، يؤمل بأن تدرك دمشق وطهران الى من يعود الفضل في انتصار الائتلاف الشيعي في حلب، وأن تأخذا بنصائح موسكو في نشوة النصر. ولنسمي الأشياء بأسمائها، ليست دمشق وطهران من حقق النصر في حلب. فالنصر متعذر بطريقة القتال التي رأيناها للتو في تجربة تدمر الحزينة.
نقلا عن الحياة