أعتقد أنه مع تحرير حلب سنقول ليس فقط الوضع السوري ولا الإقليمي تغير، بل أيضًا الدولي.. بشار الأسد، الخميس، 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي
شهدت الساحة السورية العديد من المتغيرات الدراماتيكية مؤخرًا، إذ تواجه الفصائل المعارضة احتمال الهزيمة في سوريا بعد خسارتها حلب، تلك المدينة التي سيطرت على أجزائها الشرقية منذ انطلاق الثورة في 2011، فيما سيطر النظام على الجزء الغربي منها، وهو ما يستدعي إجراء قراءة لأبرز تطورات الصراع عسكريًا وسياسيًا خلال العام الحالي ودوره في الوصول إلى هذا التغير.
المشهد ميدانيًا
وتغلب على التطورات الميدانية والعسكرية سمة التغير في موازين القوى، من حيث تُقلص مساحات من طرف لصالح طرف آخر، ومع كل هذا فقد تمكن نظام الرئيس بشار الأسد من تحقيق تقدم واضح في ميدان القتال.
ويرجع هذا إلى التدخل العسكري الروسي ودعمه له وذلك بموجب الاتفاقية التي وقعها الطرفان في أغسطس/آب 2015، والتي نصت على دخول القوات الروسية إلى قاعدة حميم الجوية، وهو التدخل الذي أشاد به الأسد معتبرًا أنه «حال دون حدوث الأسوأ».
ومن هنا فقد استعاد النظام العديد من المناطق الإستراتيجية التي انتزعتها منه في السابق المعارضة وتنظيم الدولة، حيث استطاع في مارس/آذار الماضي انتزاع مدينة تدمر الأثرية من أيدي التنظيم.
كما ظهرت نتائج الدعم الروسي من خلال اختلال موازين القوة لصالحه في يوليو/تموز الماضي في مدينة داريا، وذلك بعد سنوات من الحصار اليومي، إلى أن انتهى الأمر بالتوصل لاتفاق مع المعارضة في أغسطس/آب أدى إلى خروجهم من المدينة متجهين إلى إدلب ونقل المدنيين إلى المناطق المحيطة.
الرقة
وقد شهد الصراع عددًا من المحطات الفاصلة كانت أبرزها معركة الرقة، حيث أعلنت قوات سوريا الديموقراطية «قسد» في الرابع والعشرين من مايو/آيار الماضي انطلاق المعركة للسيطرة على الرقة المعقل الثاني لتنظيم الدولة؛ بدعم من التحالف الدولي.
كما شنت هجومًا واسعًا للسيطرة على مدينة منبج شرق حلب في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته 2016،حتى تمت السيطرة عليها في الثاني عشر من أغسطس/آب، فيما أشارت الولايات المتحدة مؤخرًا إلى احتمالية استئناف المرحلة الثانية من المعركة مرة أخرى.
درع الفرات
كانت تركيا أبرز القوى التي ظهرت على ساحة الصراع عبر إطلاقها لعملية درع الفرات في الرابع والعشرين من أغسطس/آب، والتي هدفت من خلالها لأن تكون بديلًا عن قوات سوريا الديموقراطية في مواجهة تنظيم الدولة، لمنع المقاتلين الأكراد من تطويقها من الجنوب، وضمان عدم اكتسابهم الشرعية الدولية عبر هذه المواجهة.
حيث قدمت أنقره الدعم العسكري لفصائل المعارضة المسلحة في مواجهة التنظيم ما أدى إلى طرده من مدينة جرابلس، التي سيطر عليها منذ عام 2014، كما شهد أكتوبر/تشرين الأول الماضي السيطرة على بلدة دابق من قبل فصائل الجيش السوري الحر، وترجع أهمية البلدة رغم ضعفها إستراتيجيًا إلا أنها شغلت جانبًا هامًا من دعاية التنظيم ولها رمزية دينية كبيرة بالنسبة له.
حلب
فيما كانت حلب إحدى أهم المحطات الفاصلة في هذا الصراع، حيث شهدت تطورًا ميدانيًا هامًا في يونيو/حزيران الماضي من حيث تقدم المعارضة المسلحة بشكل ملحوظ في ريفها الجنوبي وارتفاع نسبة السيطرة الفعلية عليها، بالتزامن مع تراجع الإسناد الجوي الروسي لقوات الأسد.
وقد استمرت المعارضة في إحراز مزيد من التقدم وكسر الحصار الذي حاول النظام فرضه عليها في الأحياء الشرقية من المدينة، حتى استطاعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي السيطرة على ضاحية الأسد.
الانتصار في حلب يعد «خطوة كبيرة» نحو إنهاء الحرب في سوريا.. بشار الأسد
وعلى الرغم من هذا التقدم من جانب المعارضة إلا أن الأمر في نهاية المطاف صب في صالح النظام، حيث استطاعت قواته في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي شن هجوم على حلب والسيطرة على الأحياء الشرقية منها، وقد أكد الأسد في هذا الإطار أن «هذه المعركة ستكون ربحًا، ولكنها لا تعني نهاية الحرب، مشددًا على ضرورة القضاء على الإرهابيين تمامًا».
وبالتزامن مع هذا فقد استطاع تنظيم الدولة السيطرة مرة أخرى على مدينة تدمر، بعد سقوطها في يد الجيش السوري، ثم ما لبث أن انسحب منها في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي عقب غارات روسية مكثفة أجبرته على التراجع إلى مشارف المدينة بعد يوم من اقتحامها.
وبالنظر إلى خارطة السيطرة والنفوذ العسكري حاليًا، فيمكن القول أن الوحدات الكردية باتت تسيطر على مناطق تمتد مع الحدود السورية التركية في الحسكة وريف الرقة الشمالي وريفي حلب الشرقي والغربي، أما المناطق التي تسيطر عليها المعارضة فهي مناطق متقطعة في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، إضافةً إلى مناطق في البادية السورية.
أما مناطق سيطرة النظام فتمتد بشكل متصل غربي البلاد وحتى جنوبها، وحلب الشرقية، فيما تمتد مناطق سيطرة تنظيم الدولة في دير الزور والرقة ومناطق من البادية السورية المتصلة بحماة وحمص وريف دمشق، وغيرها.
التطورات سياسيًا
وفيما يخص أبرز التطورات السياسية، فقد تراوحت ما بين العديد من المفاوضات والمبادرات من الأطراف الدولية، ففي نهاية يناير/كانون الثاني ومطلع فبراير/شباط، أعلن «ستيفان دي ميستورا» المبعوث الأممي إلى سوريا عن انطلاق مبادرات جنيف 3 بين المعارضة والنظام، وهي بمثابة جولة جديدة من مفاوضات الأمم المتحدة لحل الأزمة.
ولكنها لم تؤدِ إلى أي نتيجة، حيث أدانت المعارضة هجومًا شنه قوات النظام في شمال سوريا بدعم من الجيش الروسي، مؤكدةً أنها مفاوضات عبثية وغطاء لموسكو لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض.
وفي الثاني من فبراير/شباط أعلنت الولايات المتحدة وروسيا التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية دخل حيز التنفيذ في السادس والعشرين من الشهر ذاته لمدة أربعة أسابيع حيث صادق مجلس الأمن على القرار رقم 22688 الخاص بذلك، وقد نص على وقف إطلاق النار في المناطق التي تدور بها المعارك ويستثنى منه مقاتلو تنظيم الدولة وجبهة النصرة، غير أنه قد انهار أيضًا بعد خروقات متعددة له.
في الفترة من (14-24) من مارس/آذار تمت مفاوضات غير مباشرة بين النظام والمعارضة في جنيف، ولكنها أيضًا لم تؤدِ إلى تقدم ملموس، فيما أعلنت المعارضة في الثامن عشر من أبريل/نيسان تعليق المشاركة فيها رسميًا، حيث أكد رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمعارضة استمرار النظام في الانتهاكات وفي السابع والعشرين من الشهر ذاته انتهت جولة المفاوضات دون أي تقدم.
هذا وقد توصلت الولايات المتحدة وروسيا في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول إلى هدنة للمرة الثانية وذلك خلال عيد الأضحى، حيث نصت على وقف القتال لمدة أسبوع وإيصال المساعدات الإنسانية، إلا أن العمل بها قد توقف أيضًا في السابع عشر من الشهر نفسه نتيجة حدوث خروقات لها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي فشل مجلس الأمن في إصدار مشروعي قرار روسي وفرنسي لوقف إطلاق النار في حلب، حيث أشار المشروع الفرنسي لضرورة وقف إطلاق النار ووقف القصف الجوي، فيما نص المشروع الروسي على هدنة دون الإشارة إلى وقف القصف.
أما فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة على خلفية تقدم القوات الحكومية بشرق حلب، فقد تم التوصل في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي إلى اتفاق روسي تركي يقضي بوقف إطلاق النار وخروج مقاتلي المعارضة باتجاه ريف حلب الغربي أو إدلب، بداية من الثالث عشر حتى الرابع عشر من ديسمبر/كانون الثاني، وقد أعلنت روسيا أن الاتفاق لا يشترط خروج المدنيين.
وقد تم خرق الإتفاق يوم الرابع عشر حيث تجددت الاشتباكات مرة أخرى، إلا أن يوم الخامس عشر قد شهد البدء الفعلي في إجلاء المعارضة.
وقد تزامنت مع هذه التطورات عقد مجلس الأمن لجلسة طارئة في الثالث عشر من هذا الشهر لمناقشة الانتهاكات ضد المدنيين، حيث شهدت سجالًا بين ممثلي الدول الغربية وكلا من الممثل الروسي والسوري.
أما عن أبرز القرارات التي اتخذها المجلس، فقد كان القرار رقم (2314) الذي أصدره في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول، حيث أدان فيه استخدام الأسلحة الكيماوية وعمليات قتل المدنيين، إلى جانب القرا رقم (2319) في السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني والذي جدد فيه القلق من استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشار التنظيمات الإرهابية.
المستقبل السوري
الأعمال العسكرية لن تتوقف بعد تحرير حلب فالتوقف يحدث فقط في المنطقة التي يقول فيها الإرهابيون إنهم جاهزون مباشرة لتسليم السلاح أوالخروج منها.. بشار الأسد
بالنسبة لمستقبل الصراع فقد أشار إلى هذا تقرير حالة العالم لعام 2017 والصادر عن المنتدى الإستراتيجي العربي الذي انطلق بالإمارات يوم الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي، حيث توقع استعادة النظام السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا دون إخضاع جميع أنحاء الدولة، واستمرار الاشتباكات مع المعارضة والتي ستفقد قواعد اساسية لها، هذا مع تواصل الدعم الروسي للنظام للدخول في المفاوضات من موقف قوة.
النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــــــا