رغم مرور 36 عاما على قرار إسرائيل، ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها، وإعلان المدينة، عاصمة لها، إلا أن جميع دول العالم، عدا الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض نقل سفاراتها إلى "القدس"، وتبقيها في مدينة "تل أبيب".
كما أبقت الكثير من دول العالم، قنصلياتها في المدينة، بهدف خدمة "الفلسطينيين" القاطنين فيها، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
وكان لافتا أن الكثير من دول العالم، قررت عقب القرار الإسرائيلي بضم "القدس الشرقية"، عام 1980، نقل سفاراتها من "القدس الغربية" إلى تل أبيب رغم إقرارها بأن الشطر الغربي من المدينة أراض إسرائيلية.
وعادت قضية "القدس"، وشرعية نقل السفارات إليها، تطرح من جديد، عقب إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، نيته - خلال حملته الانتخابية - نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وكان مايكل فلين، الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، قد قال لرئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) يوسي كوهين، في اجتماع مغلق في الأول من الشهر الجاري في الولايات المتحدة إن "ترامب جاد في نقل السفارة إلى القدس"، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في عددها الصادر الثلاثاء الماضي.
وفي أعقاب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، عوّلت إسرائيل الكثير على تصريحاته المؤيدة لها خلال حملته الانتخابية، وطالبته مرارًا بتنفيذ وعوده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قد وقع في الأول من الشهر الجاري قرارا بتعليق نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس لمدة 6 أشهر.
ومنذ تبني الكونجرس الأمريكي قرارا في العام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس دأب رؤساء الولايات المتحدة على توقيع قرارات كل 6 أشهر بتأجيل نقل السفارة، من أجل "حماية المصالح القومية للولايات المتحدة"، حسبما تنص تلك القرارات.
وتعد القدس في صلب النزاع بين فلسطين وإسرائيل، حيث يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المنشودة.
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أبريل 2014، بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان، والإفراج عن المعتقلين القدامى في سجونها، والالتزام بحل الدولتين على أساس حدود 1967.
ويرى الدكتور ياسر العموري، أستاذ القانون الدولي، في جامعة بيرزيت في مدينة رام الله أن تنفيذ ترامب لوعوده بنقله السفارة إلى القدس، سيكون خرقا لقواعد القانون الدولي، و"انتهاك للقانون الدبلوماسي الذي يقضي بنسج العلاقات وتقوية التعاون بين الدول وتعزيزه".
وأضاف العموري، لوكالة الأناضول:" أحكام ومبادئ القانون الدبلوماسي والأعراف الموجودة فيه تقول إن الدول تُنشئ ممثلياتها الدبلوماسية في عواصم الدول"، وعليه، فلا يجوز إنشاء البعثات الدبلوماسية في القدس، كونها أرض محتلة من قبل إسرائيل، حسبما تنص قرارات الشرعية الدولية، بحسب العموري.
ويقول العموري:" إن إنشاء بعثة دبلوماسية على أرض محتلة، يعني القبول والاعتراف بفعل غير مشروع وهو الاحتلال".
ويضيف:" في حال إنشاء أي دولة ممثليتها الدبلوماسية في أرض محتلة، حسب أحكام القانون الدولي، فإنها ستكون شريكة في جريمة حرب، لأنها تساعد دولة الاحتلال على فرض سيادته على الأرض المحتلة، وستكون أيضًا أمام المسؤولية الدولية بموجب أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني، استنادًا إلى ما جاء في اتفاقيات جنيف ١٩٤٩".
وتابع العموري قائلا:" الأمم المتحدة والدول المعترفة بإسرائيل، تعتبر تل أبيب عاصمة لها، لذلك نجد بعثاتها الدبلوماسية في تل أبيب وليس في القدس، بالإضافة إلى وجود ممثليات قنصلية وتجارية في مدن أخرى مثل حيفا ويافا وغيرها، تخدم السكان".
ويؤكد أستاذ القانون الدولي، أن الدول تحرص على عدم انتهاك أحكام وقواعد القانون الدولي في عملية إنشاء البعثات الدبلوماسية في أراضٍ مفروضة عليها السيطرة الإسرائيلية بشكل لا يتوافق واحكام القانون الدولي، التي تعتبر القدس "منطقة محتلة".
ويشير العموري إلى أن مدينة القدس، ما زالت غير محددة المعالم بالنسبة للقانون الدولي، لذا فهي تعتبر مدينة محتلة، بشطريها الشرقي والغربي، وعلى الأقل منطقة "متنازع عليها".
ويضيف:" بالتالي لا يمكن الاعتراف بعد بأن القدس الغربية جزء من إسرائيل، إلا بعد تسوية سياسية نهائية، ورسم حدود المدينة ومعالمها".
ويحذر العموري من إقدام واشنطن على نقل سفارتها للقدس، مضيفا:" خطوة مثل هذه من شأنها أن تثير النزاعات الدولية، ولن تعزز الأمن والسلم الدوليين".
وسنّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في عام ١٩٨٠ قانونًا أطلق عليه اسم "قانون القدس"، وينص على توحيد مدينة القدس بشرطيها الغربي والشرقي.
واحتلت إسرائيل الشطر الشرقي من القدس خلال حرب عام 1967، حينما احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية.
وكانت جميع السفارات في إسرائيل، قد نقلت مقارها من القدس الغربية إلى إسرائيل بعد سن "قانون القدس" في عام ١٩٨٠.
وتشترط السفارات الأجنبية حتى تعيد مقارها إلى مدينة القدس الغربية، اعتراف إسرائيل بأن القدس الشرقية ليست جزءًا منها، إنما جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد افتتحت العديد من دول العالم، في القدس الشرقية قنصليات قبل ١٩٦٧ وبعدها، وما زالت حتى اليوم تقدم خدماتها للمواطنين الفلسطينيين في المدينة.
ويعيش في القدس الشرقية المحتلة أكثر من ٥٠٠ ألف فلسطيني جزء منهم مفصولون عن المدينة بسبب الجدار الفاصل.
كما يعيش نحو ٢٢٠ ألف مستوطن في ١٠ مستوطنات، تؤكد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أنها غير شرعية.