تحقيق| زيزوبعد 4 سنوات هجرة غير شرعية : أوروبا ليست جنة

"زيزو " ..أحد المهاجرين في بريطانيا

"أي حد جاي هنا ميفكرش أنه جاي الجنة"، هي خلاصة تجربة 4 سنوات قضاها "زيزو ناصر" في مرارة الغربة منذ هاجر قريته برج مغيزل بمحافظة كفر الشيخ إلى إيطاليا، يتوجه بها لمن يلهث وراء الهجرة إلى أوروبا.

 

                                                                                                      "زيزو" في بريطانيا

 

 

وهو ابن الـ 15 من عمره قفز "زيزو" إلى أحد قوارب الهجرة غير الشرعية، التي تتبع خاله الذي يعمل مهربا، بعدما ضاق ذرعا بحاله، سئم العمل الذي سلب طفولته منذ عامه التاسع.

 

 

                                                                     صورة أرشيفية..مركب هجرة غير شرعية  

 لم يجد "زيزو" سبيلا لتحيا أسرته في عيشة كريمة سوى أن يلقي بنفسه في البحر، فإما أن يصل إلى البر الآخر أو يتخلص من عبء الحياة بموته، حسبما يروي لنا من بريطانيا عبر "اسكايب".

 

 

                                                                               "زيزو" أحد المهاجرين إلى بريطانيا

 

عام ونصف لم يرسل فيهم "زيزو" أي نقود لأهله كما وعدهم، أو كما كان يظن أنه سيتغدق عليهم بأموال طائلة بمجرد وصوله إيطاليا، فطبقا للقوانين هناك لا يسمح لطفل في مثل عمره بالعمل.

 

فاضطر للهرب من إيطاليا إلى إنجلترا، متحملا قسوة رحلة الهروب، أملا في أن يظفر في نهاية المطاف بلجوء إنساني يمنحه حق الإقامة الدائمة هناك، التي ربما في سبيلها يتنازل عن مصريته.

 

في التاسعة من عمر أخذه والده للعمل معه ميكانيكي على مركب صيد، كان يخرج من السابعة صباحا حتى العاشرة مساءا نظير 20 جنيها، ما اضطره بمرور الوقت لترك المدرسة وهو في الصف الأول الإعدادي.

 

 معاناة وصفها زيزو بكلمات وجيزة "شوفت بهدلة كتير ، عمري ما شوفت حاجة حلوة في حياتي لا في البر ولا البحر، حتى طفولتي معرفش عنها حاجة".

 

شقيق "زيزو" الأكبر، ذو الـ 16 عام، هاجر إلى إيطاليا في ذلك الحين، وما لبث بضعة سنون حتى  التحق هو أيضا به، كذلك أراد الأب له الهجرة لينفق على الأسرة.

 

 

وبعد6 أيام من السير في عرض البحر، كادت المركب أن تغرق لولا أن أنقذتها لانشات حربية إيطالية تتبعتهم حتى وصلوا إلى شاطئها بسلام، ومن فوقهم طائرات حربية تأمنهم، وهناك تسلمتهم السلطات الإيطالية، فرحلت من فوق سن الـ 18 عام، وأبقت على من دونها في دور رعاية .

 

وينص قانون الهجرة الإيطالي على:"الاعتراف بكونك طفل شرط أساسي للمهاجر للاستفادة من الحماية التي يوفرها القانون الإيطالي للقصّر، ولهم أولًا وقبل كل شيء الحق في عدم التعرض للترحيل".

 

كان "زيزو" أصغر فرد على المركب، فتولت رعايته السلطات الإيطالية، وأدخلوه مدرسة لم يلق فيه راحته فطلب الانتقال إلى أخرى على البحر، ثم تقدم بطلب آخر لنقله من دار الرعاية إلى أخرى  لبعدها عن المدينة، وهنا يقول زويزو " أنا لاجيء في بلدهم وبتشرط عليهم ".

 

بعد عام ونصف من تواجده في إيطاليا حتى حصل على الإقامة، قرر الهروب منها إلى دولة أخرى، فهو بالأساس جاء إليها لا ليتعلم ويعيش في مسكن نظيف ولكن ليعمل وينفق على أسرته، وفي أوروبا يحظر عمل الطفل تحت 18 سنة .

 

10 أيام يتنقل "زيزو" من إيطاليا إلى فرنسا سيرا على الأقدام، حين تعتصر بطنه جوعا يسكت صراخاتها بطعام من القمامة، تلقى جسده ضربا مبرحا من البوليس الفرنسي على حدودهم، ولما راح يستغيث بابن عمه المقيم هناك ليساعده في العمل رفض، فقط أبقاه ليلة واحدة و ألقى به إلى الشارع.

 

                           صورة أرشيفية لاعتداء الشرطة الفرنسية على المهاجرين في "كاليه"

 

استقل "زيزو" وسيلة مواصلات إلى "كاليه" إحدى المدن في فرنسا المشهورة باعتبارها معسكر للمهاجرين غير الشرعيين، مكث بها 4 أيام كان يبيت لياليه أسفل الكباري، ثم اتجه منها إلى ألمانيا ثم إلى إنجلترا عن طريق مهربين، وما أن وصل هناك حتى ألقت الشرطة الإنجليزية القبض عليه.

 

يختلف الأمر بعض الشيء في إنجلترا عن إيطاليا فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين، الذي كان سببا في خروجها عن الاتحاد الأوروبي هذا العام، لذلك حين قرروا ترحيل "زيزو" تنصل من معرفة أهله بمصر وطالبهم بمنحه لجوء إنساني حتى يتمكن من الإقامة بها .

 

 

وتمنح إنجلترا اللجوء الإنساني للأشخاص الذين وصلوا إليها هاربين من بلادهم نتيجة حرب، أو لتعرضهم للاضطهاد على خلفية انتماء لحزب أو جماعة معينة، أو بسب عرق، أو لأي سب آخر قد يعرض حياة الشخص للخطر حال العودة لبلاده، ولكن شريطة تقديم وثائق تثبت ذلك.

 

وحيث كانت إنجلترا في ذلك الوقت لاتزال ضمن دول الاتحاد الأوروبي ، فلا يمكنها ترحيل "زيزو" إلا بعد إثبات عكس إدعائه بتعرضه للخطر  في بلاده، وذلك طبقا للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1948.

 

ئته

 

 

 

 

بعد فترة من الوقت أبلغته السلطات البريطانية بعدم قبول طلب اللجوء، لأن مصر دولة آمنة، يضيف "زيزو" قالولي مصر جميلة وحلوة، قولتلهم انتوا مش عايشين في مصر، لو حلوة وجميلة هسيب بلدي وأمي وأهلي وأمشي؟".

 

عينت السلطات الإنجليزية أحد المحامين لـ"زيزو" لتولي قضية طلبه اللجوء الإنساني، وأخبره المحامي أنه بإمكانه "بيع الجنسية المصرية"، وذلك عن طريق دفع مبلغ يعادل ألف جنيه مصري لأحد الأشخاص في السفارة المصرية بببريطانيا مقابل تزوير ورقة مختومة ببيع الجنسية، يتقدم بها للمحكمة العليا هناك لطلب الحصول على الجنسية الإنجليزية .

 

                                                                                          زيزو يتنزه في بريطانيا

 

يعمل "زيزو" حاليا في مطعم بإحدى قاعات الأفراح بببريطانيا، لحين الفصل في قضتيه، عاقدا العزم على عدم العودة إلى مصر مهما كلفه الأمر من مخاطر، مشيرا إلى أنه قبل هجرته عمل مرة واحدة في تهريب المهاجرين، وإذا كان استمر بها لكان سيواجه نفس الخطر .

 

يختتم "زيزو" قصته بالتأكيد على أن أحد الضباط المكلفين بحراسة السواحل هو من سهل مرور المركب، فبينما اعترض في البداية على مرورهم خرج وعاد بعد 10 دقائق "قالنا اتفضل ياباشا اطلع"، وهو ما يعني أن جاءه أوامر بالسماح بعبور المركب.

مقالات متعلقة