الاقتصاد الفلسطيني في 2016.. الأعلى في معدلات الفقر والبطالة

أطفال غزة بعد حرب عام 2008

وصلت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى 43.2%، مقابل 19.6% في الضفة المحتلة. معدلات الفقر والفقر المدقع وصلت إلى نسبة 65%. نسبة انعدام الأمن الغذائي تجاوزت 72% في غزة. لم تنجح عمليات إعادة إعمار 11 ألف وحدة سكنية سوى في بناء 11% منها فقط. المساعدات الدولية للسلطة تراجعت بنسبة 70% خلال الأربع سنوات الماضية.

يُمكن وصف الحصار الإسرائيلي الذي فُرض على الفلسطينيين منذ عام 2006 بأنه الكارثة الكُبرى التي هزت عرش الاقتصاد الفلسطيني عمومًا، فعلى الرغم من صموده على مدار عشر سنوات لم يتمكن من تحقيق التنمية، ولم يرقَ لأن يكون اقتصاد دولة خاصة في ظل اعتماده على المساعدات الدولية الخارجية التي تتذبذب بالوفاء والمنع وفقًا للسياسة والمصلحة.

ولا شك أن الانقسام الفلسطيني–الفلسطيني الذي شطر الوطن إلى نصفين، لم يكن أقل تأثيرًا على الاقتصاد، فكلا الفريقين في الضفةِ المحتلة وقطاع غزة، بحث عن حجج وذرائع ليبقى مُتحكمًا بالمال والتنمية، وتسييرها وفق هواه، غير أن كفة الضفة من رجحت باعتبار أن السلطة الفلسطينية هناك ممثلة في أبو مازن، جهة رسمية معترف بها دوليًا على عكس حكومة غزة التي جاءت بالانتخاب، وحُرمت من ممارسة العمل بسطوة السياسية والرفض، باعتبارها منبثقة عن «حركة إرهابية».

ولعل المُتابع لحال الاقتصاد اليوم يكتشف حجم التبعات التي تحملها الاقتصاد الفلسطيني، بدءًا من الحصار فالانقسام الذي يطوي عامه العاشر، إضافة إلى الحروب والهجمات الإسرائيلية المتكررة التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني نتيجة للدمار الهائل الذي خلفته في البنية التحتية.

وبحسب خبراء حاورهم موقع «إضاءات»، فإن شواهد انهيار الاقتصاد الفلسطيني على الأرض طويلة ومعقدة بطول الفترة منذ 2006، وبتعقيد الحالة السياسية الفلسطينية التي ترتهن لمصالحة كلما اقتربت تبخرت كما الماء عند الغليان، وبتمدد عملية الإعمار إلى ما لا نهاية وفقًا لسياسات الأمم المتحدة المعقدة والعقيمة المعروفة بـ GRM (آلية إدخال الأسمنت).

معدلات البطالة

أرخت سياسة الحصار الإسرائيلي سدولها للعام العاشر على التوالي على معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية، وبتحليل البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد العاطلين عن العمل حتى الربع الثالث من عام 2016 بلغ 384 ألف شخص في الضفة المحتلة وقطاع غزة، بزيادة نحو 48 ألف شخص عن العام السابق 2015.

وصلت نسبة البطالة في غزة إلى 43.2% مقابل 19.6% في الضفة المحتلة؛ وذلك بسبب استمرار سياسات إسرائيل العقابية.

حيث بلغ عدد العاطلين في قطاع غزة حوالي 218 ألفًا مقابل 166 ألفًا في الضفة المحتلة، بنسبة وصلت إلى 43.2% في قطاع غزة مقابل 19.6% في الضفة المحتلة.

ويعود التفاوت في هذه النسب لغير صالح قطاع غزة إلى انهيار المنظومة الاقتصادية بعد الحروب الثلاث التي واجهها القطاع وأدت إلى تعطل آلاف العمال بعد تدمير المنشآت الاقتصادية التي يعملون بها، وفق ما يُفسره لنا الخبير الاقتصادي «ماهر الطباع».

ناهيك عن تأخر عملية إعادة الإعمار، واستمرار إسرائيل بسياساتها وإجراءاتها العقابية عبر تشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون واعتقال العشرات منهم، بالإضافة إلى تجديد قائمة السلع والبضائع الممنوعة من الدخول إلى القطاع.

وهو ما أثّر على كافة القطاعات الاقتصادية العاملة في تلك المجالات، وقضى بها إلى الإغلاق أو الإفلاس. وأخيرًا ظهر في ارتفاع معدلات البطالة إلى نسب غير مسبوقة وُصفت بالأعلى عالميًا خاصة في قطاع غزة.

الفقر وانعدام الأمن الغذائي

تُشير التقديرات التي خصنا بها «الطبّاع» إلى ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع لتجاوز 65%، حيث تجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الأونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة.

فيما تجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة، وكشف «الطبّاع» أنه بحسب آخر إحصائية صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني للفقر في الأراضي الفلسطينية في منتصف عام 2012؛ أي قبل تعرض قطاع غزة لحربي 2012 و2014، فإن حوالي 38.8% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر في فلسطين، و21.1% يعيشون تحت خط الفقر المدقع.

عملية إعادة الإعمار

أثبتت عملية إعادة الإعمار فشلها في قطاع غزة خاصة بعد تعذر وصول أموال وتعهدات المانحين التي أقروها على طاولة المؤتمر بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول 2014 في القاهرة والبالغة 5.4 مليار دولار كمنح، جزء منها لإعادة الإعمار وآخر لدعم السلطة.

لم يصل منها إلا 37% بحسب تصريحات خاصة لـ «مفيد الحساينة» وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة التوافق بقطاع غزة، مشيرًا إلى أن عملية الإعمار بطيئة جدًا وفقًا لآلية إدخال الأسمنت والمعروفة بـ GRM والتي لم تفلح إلا في إعادة إعمار أعداد قليلة من حجم الدمار الهائل في القطاع والذي بلغ 11 ألف وحدة سكنية مُدمرة كليًا أُعمر منها فقط 11%.

وفي ظل تلك المعطيات أكد «أسامة كحيل» رئيس اتحاد المقاولين في قطاع غزة أن قرابة 70 ألف شخص ما زالوا مشردين في مراكز الإيواء والكرفانات نتيجة آلية الأمم المتحدة، مؤكدًا أن استمرار تلك الآلية ستجعل عملية الإعمار تمتد لـ 20 عامًا، فيما أن التخلي عن الآلية العقيمة –وفق وصفه- سيُوفر 30% من التكلفة؛ مما سيؤثر على سرعة الإنجاز في العملية بنسبة 300%، بالإضافة إلى تحقيق خفض لمعدلات البطالة عبر توفير 80 ألف فرصة عمل للعاطلين في مجالات البناء والتشييد وكافة القطاعات الاقتصادية المتعلقة بها.

وبحسب «كحيل» فإن حاجة قطاع غزة من الأسمنت يوميًا تصل إلى 10 آلاف طن لا يدخل منها سوى 2000 طن في حال فتح المعابر.

المعابر التجارية

استمر حال المعابر في قطاع غزة على وتيرة الإغلاق في النصف الأول من العام 2016، باستثناء معبر كرم أبو سالم الذي ظل يعمل وفق آلية مُعينة تُحدد عدد الشاحنات وعدد ساعات العمل ونوع وكمية البضائع الواردة، فيما حدث اختراق خلال الربع الأخير من العام 2016 بافتتاح معبر رفح الحدودي وفق تسهيلات مدروسة من قبل الجانب المصري.

وبحسب مكتب تنسيق الشئون الإنسانية، خرجت من غزة 453 شاحنة محملة بالبضائع في الربع الثاني من عام 2016، مقارنةً مع بـ 595 شاحنة في الربع الأول من نفس العام؛ ما يُشير إلى تراجع كبير في ظل الأرقام المرصودة عام 2000 والتي تُشير إلى أنه في الشهر الواحد كانت تخرج من غزة ما معدله 1,271 شاحنة (صادرات)؛ لكنها ما لبثت أن انخفضت في عام 2007 بسبب الحصار الإسرائيلي إلى 481 شاحنة في الشهر، واستمر التراجع عامًا بعد عام حتى وصلت للمعدلات الحالية.

وعلى مدار العام بقيّت إسرائيل تمنع دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات، وعلى رأسها مواد البناء، والتي تدخل فقط وبكميات مقننة وفق خطة روبرت سيري لإدخال مواد البناء (الأسمنت – الحصمة – الحديد – البوسكورس).

المساعدات الدولية للسلطة

يبدو العام 2016 الأكثر سوءًا على السلطة الفلسطينية والتي عانت على مدار أشهره من تراجع المساعدات الدولية؛ مما رفع معدل التراجع الحاصل خلال أربع سنوات ماضية إلى 70%. وتُشير تقديرات صادرة عن وزارة المالية بالضفة إلى أن ما وصل من مساعدات مالية منذ بداية العام 2016 حتى نهاية أغسطس من ذات العام تراوح بين (350 -400 مليون دولار فقط)؛ ما ألقى بظلاله على موازنة السلطة وزاد فجوة العجز التمويلية فيها إلى 600 مليون دولار.

وفي بيانات رسمية، صرّح بها مصدر في وزارة المالية بالضفة المحتلة –رفض الكشف عن هويته- أن المساعدات المالية الدولية للسلطة الفلسطينية شهدت في العامين السابقين تراجعًا كبيرًا، وفي حديث الأرقام قال:

إن المساعدات تقلصت من 1.087 مليار دولار في عام 2013، إلى 705 ملايين دولار في العام الذي تلاه (2014)، ثم توالى انخفاض المساعدات ليصل إلى 450 مليون دولار العام الماضي (2015)، ثم وصلت العام الجاري (2016) إلى 300 مليون دولار فقط.

كما أوقفت دول عربية مساعدتها للسلطة الفلسطينية وفي مقدمتها السعودية التي لم تؤدِّ التزامها المالي للسلطة على مدار سبعة أشهر تقريبًا سددتها مؤخرًا. وبحسب بيانات وزارة المالية فإن الإمارات لم تدفع الأموال المستحقة عليها للفلسطينيين خلال العامين 2013-2016 كما أنها لم تفِ بالتزامها في مؤتمر المانحين بالقاهرة والمُقدر بـ 200 مليون دولار لإعمار قطاع غزة.

كما لم تدفع قطر للخزينة الفلسطينية أية أموال في العامين 2014-2016 واكتفت بما قدمته خلال العام 2013 والبالغ 150 مليون دولار، بالإضافة إلى ما تُنفذه من مشاريع بشكل مباشر في قطاع غزة كالمشاريع الإسكانية ومشاريع تطوير البنية التحتية وكذلك مشاريع دعم رواتب الحكومة في غزة.

وبحسب ما أفاد به «يوسف المحمود»، الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، فإن المال يُشكل وسيلة ضغط على السلطة بسبب مواقفها السياسية الخاصة بتجميد المفاوضات مع إسرائيل ومحاولات الانضمام إلى المعاهدات الدولية والحصول على اعترافات بالدولة الفلسطينية على حدود 1967.

 

نقلا عن اضاءات

مقالات متعلقة