"لما بقرأ القرآن بسأل ربنا هم أخدوا بابا ليه" تتحدث عائشة ذات السنوات الستة مع الله ِكل ليلة كما علمها أبوها"إذا أردتِ شيئا فاسألي الله"لكن الصغيرة لازالت تريد إجابة مقنعة تبرر غياب والدها الذي دام قرابة ثلاثة أشهر.
تقف عائشة أيمن عبد التواب خلف والدتها تتفحص الحضور بنظراتها الصغيرة الخجولة ما إن سمعت ذكر أبيها حتى اطمئنت ،تلعب كالصغار أمثالها ،لكنها تحمل أسئلة أكبر منها وحزن يستطيع أي شخص أن يقرأه بوضوح في عينيها.
أمسكت يد أبيها العامل بهيئة النقل العام بشدة، حاولت بكل جهدها أن تبعد الشرطي الملازم لوالدها لكن دون جدوى، ذهبت محاولاتها البريئة سدى مع أول دفعة من الشرطي لأبيها، بحسب ما ترويه زوجة أيمن عبد التواب لـ"مصر العربية".
عائشة (6 سنوات)
ثلاثة أشهر مرت منذ غياب أيمن عبد التواب (47عاما)عن بيته على خلفية اتهامه بالتحريض على الإضراب بهيئة النقل العام ،ذاقت فيها زوجته وأبنائه الأربعة مرارة فقد غير مبرر من وجهة نظرهم.
تقول أمل زوجة عبد التواب إن زوجها مريض إذ حصل على أجازة 3 أيام قبيل اعتقاله وذهب إلى الطبيب الذي يتابع معه حال قدميه ذهب في 24 سبتمبر الماضي و لم يعد من وقتها.
بنبرة استنكار تستغرب أمل التهم المنسوبة إلى زوجها الذي ظل مختفيا لـ11 يوما بعد اعتقاله مباشرة ،قائلة :”أيمن مبيحبش الإضرابات أساسا السنة اللي فاتت لما العمال كانوا عاوزين يعملوا إضراب وقف لهم و خلاهم يشتغلوا".
لغز القضية
"المحامين بيقولوا إن أيمن لغز القضية"تضيف الزوجة لـ"مصر العربية"أن زوجها لم يشترك في النقابة ولا كان يتبع حزبا معينا حتى أنه لم يكن له مسجد دائم التردد عليه باعتباره ملتحي ولم يطالب أيضا بالإضراب و زملائه الخمسة في القضية لا يعرفونه.
بعد مرور قرابة أسبوعين على احتجاز أيمن عبد التواب ،وصل زوجته ثلاث إنذارات بالفصل باعتباره متغيب عن العمل، تقول الزوجة إنها لم تتقاض سوى راتب شهر سبتمبر و نصف الراتب الأساسي في باقي الشهور حيث لا يتعد المائتي جنيه.
صرفت هيئة النقل العام مكافآت للعاملين لأنهم لم يستجيبوا لدعوات الإضراب ،حينها ذهبت أمل لمدير جراج فتح الذي يعمل فيه زوجها رئيس توزيع وأخبرها أن زوجها لم يحصل على المكافآة لأنها لم يكن موجودا حينها، بحسب زوجة عبد التواب.
تجهيز الزيارة
تستغرق أمل ساعات طويلة في تجهيز مستلزمات الزيارة لزوجها المريض وتقف في المطبخ ساعات أخرى لإعداد الطعام الذي تحرص على أن يكون لذيذا ليذكره بأيام كانا يتناولانه سويا.
" الزيارة مكلفة جدا أنا صرفت 494 جنيه في مرة واحدة "تقول أمل إنها تزور زوجها في سجن تحقيق طرة كل أسبوع تقف في طوابير طويلة في الصباح الباكر حتى الظهر غير إنها لا تحظى بقسط من الراحة في الليلة السابقة.
ثلاثة من أبناء أيمن عبد التواب تتوسطهم أمنية
تشتكي أمل من تفتيش الزيارة الذي تراه مهينا، قائلة :"بيبهدلوا الزيارة ، بيفتشوا الأكل بعصاية بتدخل في الرز و الطبيخ و كل الأكل و فيه حاجات كتير مبتدخلش زي البطاطين، حاولت أدخلها معرفتش إلا بعد فترة وأي حاجة بتمشي بالفلوس".
مصدر رزق آمن
أيمن العائل الوحيد لأسرته لم يبدأ حياته المهنية في هيئة النقل العام حيث كان يعمل طباخا في أحد المطاعم لكنه انتقل إلى الهيئة بعدما تزوج وأصبح لديه أطفال يريد أن يؤمن لهما مصدر دخل ثابت و يضمن معاشا له عندما يصل إلى السن القانوني، حسبما ذكرت زوجته لـ"مصر العربية”.
1400 جنيه كل ما يتقاضاه أيمن نظير عمله بالهيئة لذلك فكر في مصدر دخل أخر فاقترحت عليه زوجته شراء سيارة سوزوكي بالتقسيط واقترضوا أموالا من كل معارفهم حتى جمعوا 30 ألف جنيه دفعوهم مقدم لسيارة ثمنها 95 ألف لكن أحدهم سرقها في اليوم التالي، بحسب أمل.
قدر الله تدخل في الوقت المناسب بحسب زوجة أيمن واستطاعوا بعدما باعت والدته المنزل تسديد ثمن السيارة المسروقة ودفع مقدم لسيارة أخرى لكنها تم سرقتها بعد عام ولازال عليها 50 ألف جنيه أقساط مستحقة.
"حتى يعني لو كانوا هيعملوا إَضراب ما هم قعدوا سنتين يتفاوضوا مع الإدارة علشان يكونوا ضمن وزارة النقل و يزودوا المرتبات الضعيفة" تقول أمل لا تجد أي مبرر لمثول زوجها أمام نيابة أمن الدولة العليا.
أربعة أبناء أكبرهم أمنية في الصف الأول الثانوي يلتفون حول والدتهم ينصتون لها في اهتمام بالغ، يومئون برؤوسهم مصدقين على كل حرف قالته أمهم ،غير أن أمنية تحاول كفكفة دموعها.
قلة الحيلة
أمنية لم تستطع الحديث مع والدها طيلة مدة احتجازه لأنها لا تدري ما تقول ،لا تعلم ماذا تفعل حيال الرجل الأول في حياتها الذي يوفر لها الحماية و الأمان لكنه الأن محتجز لا يملك من أمره وأمرها شئيا.
حاولت أمنية أن تتغلب على عجزها برسالة تقول فيها كل ما تريد لوالدها دون أن يخونها لسانها ، لكن القائمين على السجن رفضوا دخولها "الجوابات ممنوعة "، تبكي بحرقة قائلة :”حرام و الله حرام ،أبي عمره ما أذى حد ، طيب تهمته أيه".
"مين هيدفعلنا حساب كله،الناس دول هيطلعوا براءة علشان مظلومين هنحاسب مين على ظلمهم ده"تساؤلات أمل و عائشة و أمنية على اختلافها في نقاط و تشابهها في أخرها إلا أنها تظل دون إجابة.
واعتقلت قوات الأمن في 24 سبتمبر الماضي 6 من عمال النقل العام على خلفية اتهامهم بالتحرض على الإضراب تزامنا مع بدء العام الدراسي لزيادة البدلات و الحوافز بعد غلاء الأسعار.
وأفرجت نيابة أمن الدولة العليا عن 4 عمال بالتتابع خلال الشهرين نوفمبر الماضي و ديسمبر الجاري،بينما لا يزال أيمن عبد التواب و محمد عبد الخالق قيد الاحتجاز يتنظرون جلستة التجديد أمام نيابة أمن الدولة العليا القادمة في 3 يناير المقبل.